الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المفسدون في الأرض

المفسدون في الأرض
15 نوفمبر 2015 11:51

صار الفيلم الوثائقي سلاحاً ضد سياسات الشركات الكبرى الرأسمالية المدمرة للإنسان والأرض، كما كان ومازال سلاحاً سياسياً فعالاً ضد الاستعمار الحديث من قبل. وصار يجمع كل استراتيجيات الإنتاج لكي يخاطب الاختيارات والقضايا الأخلاقية والإبداعية والمبدئية التي تعترض الإنسانية. تقول تحليلات شباك السينما أن الفيلم الوثائقي صار نوعاً من الأفلام الناجحة التي يزداد نجاحها يوماً بعد يوم مثل فيلم: (9/11، فهرنهايت، آذار البطاريق، الغذاء، الأرض، الحقيقة غير المريحة وغيرها...). وما يجعل الأفلام الوثائقية ذات جاذبية كبيرة خاصة، مقارنة بالأفلام الدرامية الروائية، هو أن ميزانية الأفلام الوثائقية أقل بكثير من الميزانيات التي تتطلبها الأفلام الأخرى، بالإضافة إلى أنها باتت مربحة للغاية عند إطلاقها في الصالات السينمائية. خفايا الفيلم «التكلفة الحقيقية» هو فيلم وثائقي رائد أزاح الستارة عن القصة التي لم تروَ إلى اليوم وطلب منا أن ننتبه إلى من يدفع ثمن ملابسنا بالفعل. إنها قصة حول صناعة الألبسة. الملابس التي نرتديها يومياً، الناس اللذين يصنعون هذه الثياب، تأثير صناعة الألبسة على عالمنا، أسعار الألبسة التي تتناقص يوماً بعد يوم بينما ترتفع الكلفة البشرية والبيئية بشكل درامي حاد. عرض الفيلم في مهرجان كان 2015 وصاحبته ضجة كبيرة. صناع الفيلم أنفسهم كانوا يقودون أصلاً، من قبل الفيلم، حملة من أجل صناعة مستدامة في بيئة مستدامة. «أندرو مورغان»، مخرج الفيلم، معروف عالمياً بأنه يركز على قصص معينة في سبيل غد أفضل للعالم ككل. وتشمل خبرته مجموعة واسعة من الأعمال الوثائقية السينمائية، بعد دراسته للسينما في مدرسة لوس أنجلوس السينمائية، ويشغل حاليا منصب المدير الإبداعي لإحدى المؤسسات. وهو كاتب مساهم مع (الهافينغتون بوست). يتحدث آندرو مورغان دائما عن قوة الفيلم الوثائقي كأداة في الحرب الجارية لنصرة حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، يقول: «كنت أتناول قهوتي ذات صباح عندما رأيت صورة على غلاف إحدى الصحف، وقد كسرت الصورة قلبي في لحظتها. كانت الصورة لولدين يسيران أمام حائط ألصقت عليه صور وإعلانات عن أشخاص مفقودين. التقطت الجريدة وقرأت فيها قصة مصنعٍ للألبسة ينهار خارج مدينة داكا في بنغلادش فيحصد انهياره أرواح أكثر من ألف إنسان، ويصيب أكثر من ألف آخرين إصابات بالغه تتسبب بإعاقات دائمه لمعظمهم. في وقت انهياره كان المصنع يقوم بصنع الملابس لمصلحة معظم الماركات الغربية. وسرعان ما علمت بعدها أنها ليست الكارثة الوحيدة التي حصلت. كوني نشأت في أميركا لم يخطر ببالي أن أتساءل من أين أتت ملابسي. ولكن صدمتي فيما اكتشفته كانت كبيرة منذ بدأت أستقصي وأعلم عن الناس والأماكن التي خلف العلامات التجارية التي في خزانتي. استغلال الفقراء صناعة الملابس هي أكثر صناعة حرة في العالم، تشغّل الملايين من أفقر العمال حول العالم، ومعظمهم من النساء. وما يدفع من أجر لمعظم أولئك النساء أقل مما يكفي للعيش، وهن يعملن في بيئات عمل غير آمنه، ومحرومات من أبسط حقوق الإنسان. بالإضافة إلى تأثيرها على العاملين فإن صناعة الملابس هي اليوم الرقم واحد في تلويث البيئة بعد الصناعات البترولية. إننا اليوم نستعين بالمصادر الخارجية أكثر (البلدان الفقيرة التي تصنع منتجاتنا)، نستهلك أكثر، فقد ازداد استهلاك الملابس خمسمائة بالمائة في العقدين الأخيرين فقط، ونستخدم المزيد من الموارد، وندفع أقل مما كنا ندفعه في أي وقت سابق، وفي نفس الوقت يتم تسجيل المزيد من الحوادث بين العمال في المصانع، وازدياد في الخسائر في بيئة غير مستدامه. ما هو العالم الذي سنخلقه الآن وقد بدأنا نرى تكلفة أفعالنا؟ هل سنختار نظاماً آخر للتخفيف من الضغط الذي خلقناه على الإنسان وعلى البيئة؟ هذه الأسئلة والخطر المترتب على أجوبتها قادني إلى إخراج فيلم (التكلفة الحقيقية)، وهو فيلم وثائقي يتعلق بعالمنا جميعاً ويبحث في صناعة الموضة والألبسة حول العالم، ويبحث في أين وكيف وصلنا لما وصلنا إليه، وكيف لنا أن نخلق مستقبلاً أفضل، يمضي للأمام قدماً. قلب الموضة.. أسود إلى اليوم لم تتم مناقشة هذا الموضوع الخطير إلا من خلال لعبة اللوم وتبادل الاتهامات بصيغة ساذجة. جعلتنا التعقيدات السياسية والاقتصادية لعصرنا نغفل ما هو واضح تماماً، وهو أن القضية هي قضية أخلاقية في المقام الأول. هناك إهمال متعمد لا مسؤول للبيئة، وانتهاك واضح لأبسط حقوق الإنسان. ومع ذلك فهو شيء يمكننا تغيره، بل ويجب علينا تغييره. إن أعين العالم تتفتح على هذه الحقائق، وأظن أن التاريخ يمنحنا فرصة لإعادة اختيار الطريق الصحيح. لا يتم تقدم البشرية إلا إذا استخدم من يملكون الصوت أصواتهم بالنيابة عن أولئك اللذين لا يملكون صوتاً. ستتقدم البشرية عندما نقبض على اللحظة وليس عندما نتجاهلها، وعلى الأغلب عندما نقرر ونصر على ألا تتحقق مصلحة بعض الناس على حساب الآخرين». مورغان هو أب لأربعة أطفال، وقد تأثر كثيراً وهو يستقصي ويبحث في قلب صناعة الموضة الأسود بعد أن لمح الصورة تلك في الجريدة في ذاك اليوم. قال مورغان إن عمله على خلق وتقديم الفيلم«التكلفة الحقيقية» قد غيّر حياته. لقد عاش تلك اللحظات المروعة تحت تهديد السلاح مع منتج الفيلم مايكل روس وتعرضا إلى المحاصرة في أكثر من ثلاثة عشرة دولة سافرا إليها ليحصلا على القصة الحقيقية. وكذلك فقد غير حياتهما أن يقوما باكتشاف العلاقة بين الموضة وصناعة الألبسة وثقافة الاستهلاك والرأسمالية وبين الفقر والقهر الممنهج. على الأقل(هكذا صرحا) أنهما لن يعودا إلى التسوق بالطريقة التي كانا عليها من قبل. بدأ الفيلم بتصوير العالم البراق لعروض الأزياء والموضة لأهم الماركات في العالم، والدعاية التي تصاحبها. ثم ينتقل إلى إحدى المصممات في حقل الموضة لتتحدث عن واقع السوق الاستهلاكي للملابس فتقول أنه كان هناك أربعة مواسم لعروض الأزياء في العالم تتوافق مع الفصول الأربعة الطبيعية للعام، ولكنها اليوم تحولت إلى اثنين وخمسين موسماً. تنزل شركات صناعة الملابس شيئاً جديداً كل أسبوع، في ما يعرف بموجة «الموضة السريعة» (على غرار الوجبات السريعة). ومن أجل تحقيق هذا فإنها تذهب إلى مكان (إلى بلد فقير) تحصل فيه على سعر تصنيع رخيص. هناك تطالب صاحب المصنع المحلي بتقديم سعر للعمل أرخص ما يمكن، ثم تعود وتطالب بالأرخص لتحصل على أعلى ربح، وتقوم بالضغط عليه حتى يقبل. وهو يقبل خوفاً من ذهاب الصفقة إلى مصنع آخر في بلد آخر، حيث الحاجة للعمل حاجة يائسة. يبدأ بدوره، لضمان ربحه، بالضغط على عماله، فيحافظ هو الآخر على ربحه من خلال التقليص المستمر في أجورهم إلى الحد الذي لا يعود يفي بالكفاف. ولا يوفر بيئة آمنه للعمل في مصنعه من جهة أخرى. من جهتها تدعي شركة صناعة الملابس العالمية أنها تؤمن فرصة عمل لأهل البلد، أي أنها تقدم الخير لهم، وهم ليس لديهم فرصة عمل أصلا، وكذلك تتبجح بخدعة رأسمالية قديمة بأنها تدرب عمال المصنع ليصبحوا عمالاً مهرة، بينما في الحقيقة يتحول العامل في مثل هذه الصناعة إلى جزء صغير من الآلة الكبيرة لا يمكن أن يخلق لنفسه مستقبلاً مستقلاً كريماً. لا تبذل هذه الشركات أي جهد في العمل على مطالبة صاحب المصنع بالبيئة السليمة للعمال. فقد سقط على سبيل المثال معمل على رؤوس عماله في داكا في بنغلادش وكانت حصيلة الخسائر مروعة، ولم تقدم أي تعويضات للضحايا أولذويهم. والجريمة أكبر مما نتصور خاصة وأن العمال ظلوا يشتكون من الشقوق الخطيرة في بناء المصنع لأشهر طويلة قبل الكارثة. بنغلادش هي الدولة الأرخص من ناحية اليد العاملة وليس لنقابات العمال أي تأثير فيها في رعاية حقوق العمال، لذلك تتجه إليها كل شركات الموضة لتصنيع منتجاتها فيها. هذا هو غول الصناعة العولمية. هناك أربعون مليون عامل في حقل صناعة الألبسة في أنحاء العالم الفقير المتخلف، أربع ملايين منهم في بنغلادش وحدها، معظمهم من النساء اللواتي لا يجدن من يرعى أطفالهن في غيابهن في ساعات العمل الطويلة، فتضطر الواحدة منهن أحيانا إلى إحضار طفلها أو طفلتها معها إلى المصنع، مما يعرض الطفل حتماً إلى الأخطار الجسيمة المتعددة، منها خطر الإصابة بالأمراض بسبب التلوث بالمواد الكيماوية وغيرها. تقول «شيما» في الفيلم (إحدى العاملات في مصنع للألبسة في بنغلادش) أنها تضطر لإحضار طفلتها وجو المصنع حار جدا من دون تكييف ولا تعقيم للهواء، ويسبب جوه خطر الإصابة بالأمراض التنفسية، لذلك قامت بتشكيل جماعة بين زميلاتها العاملات للمطالبة بحقوقهن، لكن رب العمل أغلق أبواب المصنع واستعدى عليهن أكثر من ثلاثين رجلاُ من عامليه لضربهن ضرباً مميتاً، فاضطررن للسكوت والرضوخ. استغلال جائر يقول علماء زراعة هنود، إن الشركة التي تصنع البذرة المعدلة جينيا وتجبر الفلاح على شرائها في كل موسم، لأن محصولها لا ينتج بذورا تضمن الزراعة في موسم آخر، هي نفسها من تصنع المبيدات الحشرية وهي نفسها من تغش الفلاح وتضطره إلى شراء المزيد والمزيد من المخصبات، وهي نفسها من تسبب في تلوث الأرض وبوارها. الزراعة الجائرة التي لا تحترم مواسم الطبيعة تساهم في بوار الأرض إلى حد كبير... مما يوقع الفلاح في الدَّيْن، وبالتالي تصبح الشركة الدائنة قادرة على وضع يدها على أرضه، وهذا ما يؤدي إلى انتحار عدد كبير من المزارعين بعد أن تغرقهم تلك الشركات بالمديونية لها. إنها هي نفسها من تقنع الفلاح بالاستغناء عن طرق الزراعة القديمة التي تتناغم مع الطبيعة والتقويم السنوي للفصول. إنها تستغل الأرض والإنسان استغلالا جائرا يقود إلى فناء عالمنا عامدة. وعلى نفس المنوال تصنع صناعة الأحذية الجلدية بالبيئة والإنسان، فهذه المصانع التي تقام في قرى فقيرة، وتمنحها أملا زائفا بالتطور والتقدم، هي في الواقع تدمر البيئة المائية للقرية وتصيبها بالتلوث الشديد من الكيماويات المستخدمة في الدباغة. وقد رصدت منظمات طبية محلية وعالمية نسبة كارثية كبيرة من السرطانات والإعاقات العقلية والجسدية عند أهل القرى تلك، وخاصة عند الأطفال، والأهل من الفقر بحيث أنهم غير قادرين على علاجهم أو على إعطائهم ما يخفف عنهم آلامهم ويعيشون معهم بألم ممض متمنين لهم رحمة الموت. يؤكد الفيلم على أنه كلما ركز الإنسان على القيم المادية للحياة، المال والجاه والنفوذ، كلما زادت الكآبة والقلق والأمراض النفسية. وتزداد هذه الأخيرة حدة عندما ترتفع حدة الاحتفاء بالقيم المادية، وهذا ما تبثه ملايين الإعلانات التي تهاجمنا في كل لحظة من رسائل، مفادها بأن ملاحقة الاستهلاك وتملك الأشياء هو ما يجعل الإنسان سعيداً. الإعلانات هي نوع آخر من الوحوش، تبيع الوهم وتحاول إقناعك مثلاً بأنك لو اشتريت هذا وذاك من منتوجاتها سوف تصبح محبوبا أكثر، وأكثر قدرة على امتلاك عالمك وحياتك والسيطرة عليهما. إنها نفس الشركات العولمية التي تنتج هذه الإعلانات، وتغرق المرء بوهم الرفاهية، بينما الرفاهية والسعادة الحقيقية هي في توفر التعليم والضمان الصحي الفعالين. تجعل الناس يظنون أن من يمكنه أن يشتري الوجبة السريعة والشوكولا والقميص من تلك الماركات، هو شخص غني، بينما في الحقيقة هو لا يستطيع تأمين دراسة جيدة ولا طبابة آمنه لنفسه ولا لأولاده. من جهة أخرى فإن مخلفات صناعة الألبسة السريعة من النسيج والجلود وغيرها من مواد، تترك بقاياها آثاراً مدمرة على البيئة. ألبسة ليست للإحسان يشير الفيلم أيضاً إلى ظاهرة الألبسة المستعملة التي ترسل إلى دول العالم الثالث كنوع من الإحسان، وكيف أنها قضت تقريبا على صناعة الألبسة المحلية في البلاد الفقيرة، وجعلت منها مكباً لنفايات الملابس يطلق غازات سامة، ولا تفنى هذه النفايات إلا بعض انقضاء أكثر من مئتي عام على وجودها. ومن يسأل أين هي حكومات الدول النامية لتدافع عن حقوق رعاياها، يظهر له الفيلم كيف أن هذه الحكومات تساهم وتساعد في قمع العمال المطالبين بحقوقهم. على ما يبدو أن كل النظام العالمي هو عبارة عن كابوس كامل مصمم ليسجن فيه العمال في ظروف العمل والحياة البائسة تلك لمصلحة حفنة من الأثرياء والمنتفعين. من الطبيعي أن تضيع البيئة وحقوق الإنسان بالكامل في أي اقتصاد لا يتم فيه مراعاة المعايير العادلة، ويتم التركيز فيه على الأرباح المالية فقط. إن الإنسان وبيئته السليمة هي الرأسمال الحقيقي، لكن النظام العالمي يقف عكس هذه القيم التي نتشارك بها كبشر. تستطيع أن تنتقد اليوم النظام التعليمي أو نظام المرور والطرقات في أي بلد لكنك أبداً لن تستطيع انتقاد النظام الاقتصادي. لا تستطيع انتقاد الرأسمالية التي جعلت من صناعة الألبسة ما هي عليه اليوم. مع أنه من المعروف تماما أن استمرار أي شيء لمدة خمسين عاما على ما هو عليه دون تغيير، فإنه يتعفن ويفسد. يقول الفيلم رسالته الأخيرة أنه لا يمكن إيجاد حلول لمشكلة تدمير بيئتنا، التي هي أصل وجودنا كبشر، إلا بتقليص الاستهلاك. عندها علينا البدء بالتحدث عن العمل الإنساني المبدع، والتوقف عن التحدث عن العمل بشكل مجرد، وأن لا ننظر إلى الأرض على أنها سلعه، بل على أساس أنها حياتنا، على أنها الأرض الأم. أندرو مورغان مع ليفيا فيرث (زوجة النجم البريطاني كولن فيرث) المخرجة المبدعة ل «عصر البيئة» و«تحدي البساط الأخضر»، وهي أيضاً المخرجة التنفيذية لفيلم«التكلفة الحقيقة» يأملان أن يؤثر هذا الفيلم بالمشاهدين ويوقظ انتباه الناس ورجال الأعمال إلى الضرر الذي يلحق بالبيئة وبالتنمية جراء الركض الأعمى وراء الربح المادي وحده. تقول ليفيا: لقد تم غسل أدمغتنا حتى نصبح عبيد الاستهلاك السريع، ولكننا كمستهلكين بحاجة لأن نعرف مدى قوتنا، وكيفية قدرتنا على أن نفرض على الشركات احترام البيئة والإنسان، وإلا كل شيء سيذهب للأسوأ. كل شيء مخيف بل مرعب، ولكن هناك بعض الأمل في بذل القليل من الجهود نحو «التجارة العادلة» من قبل شركات صناعة الملابس وغيرها، فهناك بعض المصممين الواعين مثل ستيلا مكارتني، التي تبدو مركزة على إدماج الاهتمامات البيئية في عملها. ورغم أن الفيلم كان يثير بعض النقاط الملتهبة حول كيفية تعامل الماركات التجارية الكبرى مع البيئة والعمال الموظفين في المصانع التي تصنع لها منتجاتها، إلا أنه حرص على عدم وضع اللوم على شركة معينة، لأن إلقاء اللوم على شركة واحدة بعينها وتصويرها بأنها الشر المطلق، يبرئ الشركات الأخرى، بينما عليها كلها مجتمعة تحمل المسؤولية. اختتم مهرجان «كان» هذا العام بالدعوة إلى التسلح بأسلحتنا الإنسانية للعمل على مشكلة تغير المناخ. وحث الجمهور وصناع السينما على التعرف على الحاجة الملحة لاتخاذ الإجراءات المطلوبة ضد ظاهرة الاحتباس الحراري. هذه الرسالة لم تكن في نهاية المهرجان فحسب، بل ظل صداها يتردد طيلة أيام المهرجان. كان السؤال الأساسي: والآن وقد عرفتم، ماذا أنتم فاعلون بشان هذا؟ إنها مسؤولية صناع الأفلام ليستمروا بمواجهة هذا الخطر العظيم، ويظهروا التكلفة الحقيقية لجشع الشركات العولمية كلها. طاقم العمل يتكون طاقم الفيلم من: روبرت فراشور (منتج مشارك)، ليفيا جيوغلوي (المنتج التنفيذي)، جوزيف هارو (منتج مشارك)، كريس هارفي (المنتج التنفيذي)، لورا التقوى (منتج مشارك)، مايكل روس (منتج)، لوسي سييغل (المنتج التنفيذي)، فنسنت فيتوريو (المنتج التنفيذي)، الموسيقى (دنكان بلكين ستاف)، محرر الفيلم (مايكل روس). غول الصناعة العولمية هناك أربعون مليون عامل في حقل صناعة الألبسة في أنحاء العالم الفقير المتخلف، أربع ملايين منهم في بنجلادش وحدها، معظمهم من النساء اللواتي لا يجدن من يرعى أطفالهن في غيابهن في ساعات العمل الطويلة، فتضطر الواحدة منهن أحياناً إلى إحضار طفلها أو طفلتها معها إلى المصنع، مما يعرض الطفل حتماً إلى الأخطار الجسيمة المتعددة، منها خطر الإصابة بالأمراض بسبب التلوث بالمواد الكيماوية وغيرها. رسالة رسالة الفيلم الأخيرة تؤكد أنه لا يمكن إيجاد حلول لمشكلة تدمير بيئتنا، التي هي أصل وجودنا كبشر، إلا بتقليص الاستهلاك. عندها علينا البدء بالتحدث عن العمل الإنساني المبدع، والتوقف عن التحدث عن العمل بشكل مجرد، وأن لا ننظر إلى الأرض على أنها سلعة، بل على أساس أنها حياتنا، على أنها الأرض الأم. خطيئة الاستهلاك قال مورغان إن عمله على تحقيق وتقديم فيلم «التكلفة الحقيقية» غيّر حياته. لقد عاش تلك اللحظات المروعة تحت تهديد السلاح مع منتج الفيلم مايكل روس وتعرضا إلى المحاصرة في أكثر من ثلاث عشرة دولة سافرا إليها ليحصلا على القصة الحقيقية. وكذلك فقد غير حياتهما أن يقوما باكتشاف العلاقة بين الموضة وصناعة الألبسة وثقافة الاستهلاك والرأسمالية وبين الفقر والقهر الممنهج. على الأقل (هكذا صرحا) أنهما لن يعودا إلى التسوق بالطريقة التي كانا عليها من قبل. وحوش الإعلانات الإعلانات هي نوع آخر من الوحوش، تبيع الوهم وتحاول إقناعك مثلاً بأنك لو اشتريت هذا وذاك من منتوجاتها سوف تصبح محبوباً أكثر، وأكثر قدرة على امتلاك عالمك وحياتك والسيطرة عليهما. إنها الشركات العولمية نفسها التي تنتج هذه الإعلانات، وتغرق المرء بوهم الرفاهية، بينما الرفاهية والسعادة الحقيقية هي في توافر التعليم والضمان الصحي الفعالين. تجعل الناس يظنون أن من يمكنه أن يشتري الوجبة السريعة والشوكولاتة والقميص من تلك الماركات، هو شخص غني، بينما في الحقيقة هو لا يستطيع تأمين دراسة جيدة ولا طبابة آمنة لنفسه ولا لأولاده.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©