السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عقوق الأوطان في دكاكين حقوق الإنسان

25 نوفمبر 2014 22:54
ليت العرب يكتسبون ثقة أكبر بأنفسهم، فلا يعنيهم مدح مادح ولا قدح قادح، لكن المشكلة التي لا نريد التخلص منها نحن العرب من المحيط إلى الخليج هي ما يسميه المصريون في عاميتهم (عقدة الخواجة)، والخواجة في العامية المصرية هو الأجنبي، وبالتحديد الأجنبي الغربي، سلع (الخواجات) أغلى ولو كانت رديئة، ومدح (الخواجات) يبهرنا وتنتفخ له أوداجنا ويشعرنا بالزهو والفخر. وقدح (الخواجات) يحبطنا ويبكينا ويفقدنا الثقة بالنفس، فالقول ما قاله (الخواجة) حتى إذا كان كاذباً. نحن نفترض سلفاً وبلا تمحيص أو تدقيق أن الأجنبي نزيه وصادق ومحايد، فإذا مدح صدق وإذا قدح صدق، ودائماً عندما نذهب لشراء سلعة ما يقول لنا البائع: عندي مستورد وعندي محلي. فنقول: نريد الأفضل، فيقول: خذ المستورد، هو أغلى ولكنه أجود، وعادة لا نسأل: من أين هذا المستورد؟ ويخطر بالذهن فوراً أن كل مستورد جيد حتى إذا كان مستورداً من بلاد تقل عنا درجات كثيرة في سلم التقدم. والأخطر في ثقافة المستورد ليست السلع، ولكن الأخطر هو الفكر المستورد والنظريات المستوردة والإعلام المستورد والأخطر أن المحلي في رأينا مرتبط بالتخلف والرداءة وأن المستورد مرتبط بالتقدم والتحضر والجودة، الأخطر أن الثقافة العربية صارت ثقافة تبعية، وأن العقل العربي الجمعي متبع وليس مبتدعاً.. وأن الأجنبي لو دخل جحر ضب فسندخل خلفه معصوبي العيون، حتى أصبحنا مثل قوم نوح عليه السلام، عندما قال كما ورد في القرآن الكريم: «وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا». وهذا العقل الجمعي العربي المتبع هو الذي يجعلنا ننتظر بشغف وترقب رأي (الخواجة) فينا وشهادته لنا أو علينا، فإن كانت لنا أقمنا الأفراح والليالي الملاح، وإنْ كانت علينا لطمنا الخدود وشققنا الجيوب، وتخلقنا بأخلاق الجاهلية. والعقل العربي الجمعي المتبع وليس المبتدع متطرف مع الشيء، أو الشخص، أو ضد الشيء والشخص، لأن هذا العقل لا يجيد ثقافة النقد والانتقاء والفرز، ولكنه مع ثقافة الكل أو لا شيء، فريق يرفض الأجنبي كله ولا يقبل منه شيئاً، وفريق يقبله كله ولا يرفض منه شيئاً، والعقل العربي الجمعي المتبع سلفي، فإذا لم يجد ما يتبعه في الحاضر اتبع الماضي كله، لذلك يقع التناحر حتى القتل وإراقة الدماء.. بين فريق جحر الضب وفريق السلف. إنه عقل الأبيض أو الأسود، عقل الحكم المطلق والقاطع للشيء أو على الشيء، لذلك لا يعرف العقل العربي الجمعي الموضوعية، ولا الحوار ولا الجوار، وإنما هو عقل نار لا ينطفئ لها أوار، وهو عقل أنا ومن بعدي الطوفان، فالحق ما أراه ولو كان باطلاً، والقول ما أقوله، ولو كان كاذباً. ولذلك سهل على (الخواجات) ابتزازنا باسم الإشادة والمدح، وسهل عليهم تخويفنا باسم النقد، وباسم حقوق الإنسان، ولسان حال الخواجات يقول: ما دمتم تصدقون مدحنا، فعليكم أن تصدقوا قدحنا وتخافوا من تقاريرنا.. ونحن لا نريد أن نصدق أن الغرب عنده (بيزنس) ضخم جداً اسمه حقوق الإنسان، لا نريد أن نصدق أن العرب يتم ابتزازهم بالمدح أو القدح.. وحقوق الإنسان مثلاً بالنسبة لكافة المنظمات والجمعيات العاملة في هذا (البيزنس) لا ترى حقوقاً إلا للمشاغبين والمنحرفين والخونة والعملاء والقتلة والشواذ فكرياً، أو حتى جسدياً. يعني رجل الشرطة في مصر مثلاً الذي يواجه السلاح بالسلاح، إذا قتل المشاغب أو المنحرف يقال إن الشرطة تنتهك حقوق الإنسان وتمارس القتل الجماعي، وإذا قتل الإرهابي رجل الشرطة فلا نسمع إلا الصمت المطبق. فالشرطي ليس إنساناً له حقوق في نظر المنظمات الحقوقية (البيزنس)، لكن الإرهابي والمنحرف أو المشاغب المسلح إنسان وله حقوق يجب احترامها.. المعارضة السورية أو ما كانت في الماضي معارضة ترتكب جرائم خطيرة ضد الإنسانية لا تقل بشاعة عن الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد، ومع ذلك لم تتحدث المنظمات (العقوقية) عن تجاوزات وجرائم ما يسمى المعارضة السورية. حقوق الإنسان دعوة تحريضية مغرضة تهدف دوماً إلى إثارة الفتنة بين الشعوب، هي تحريض للمشاغب والمنحرف على الاستمرار في شغبه وانحرافه تحت حماية منظمات (عقوق الإنسان). حقوق الإنسان تحرض على عقوق الأوطان، وكل عاق لوطنه وقيمه يحظى بمساندة ما يسمى المنظمات الحقوقية، والدولة أي دولة في نظر المنظمات العقوقية مدانة ولو ثبتت براءتها. والعاقون لأوطانهم أبرياء ولو ثبتت إدانتهم. وحقوق الإنسان مضبوطة مثل ساعة (بيج بن) على مساندة الخطايا..ولا ترى الحقوق إلا في الخطأ والشغب والانحراف، فهي تساند حقوق المثليين وحقوق المثليات، وحقوق المرأة في الانفلات والانحراف والخيانة، وحقوق المجرمين والإرهابيين في الترويع والقتل والتخريب. ولا حقوق للوطن ولا للشعوب، إنها ذريعة للتدخل في شؤون الدول وكل منظمات حقوق الإنسان ليست سوى أذرع لأجهزة استخبارات دولية، وحتى الكلام عن حرية الرأي والتعبير، هو كلام عن حرية السب والقذف والطعن والانفلات. وتبقى المشكلة في العرب الذين يسرهم مدح (الخواجة) ويحزنهم ويحبطهم قدحه، وينتظرون شهادة دكاكين حقوق الإنسان، ولو على حساب عقوق الأوطان. محمد أبو كريشة * * كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©