الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موزارت.. نسيج وحده!

موزارت.. نسيج وحده!
16 نوفمبر 2011 22:53
عندما يتعلق الأمر بقدرة “الطبيعية” على الإبداع الموسيقي الكلاسيكي، فإن هذا العبقري نسيج وحده. ولذا فلا يستقيم حديث عن هذا الفن إلا بعرض بسيرته هو. ولكن من أين يبدأ الراوي وأين ينتهي؟ في سن الخامسة كان فولفغانغ أماديياس موزارت قد أتقن بمساعدة أبيه عزف البيانو وبدأ سلسلة مؤلفاته العديدة. وفي السادسة حظي بشرف العزف في البلاط الامبراطوري في فيينا. وفي السابعة كان قد علم نفسه العزف على الكمان بمهارة أدهشت حتى أبيه الذي ما كان يعلم ان باستطاعته عزفها في المقام الأول. وفي الثامنة ألف سيمفونيته الكاملة الأولى. وبسبب ما أوتيت له من عبقرية موسيقية منذ هذا العمر الغض وصفوه بـ”الطفل المعجزة”. ولدى وفاته المبكرة في سن الخامسة والثلاثين، كانت مؤلفاته قد وصلت الى أكثر من 630 من اوبرا الى سيمفونية الى كونشيرتو الى سوناتا الى قداس موسيقي الى أغنية كنسية الى سائر أشكال الموسيقى الكلاسيكية الأخرى. ورغم أن غزارة الإنتاج هذه مذهلة في حد ذاتها، فإن مكمن العبقرية هو عذوبة الموسيقى ورشاقتها والآفاق الجديدة التي وصلت اليها على تنوعها الواسع. وقد بلغ شأوه أن موسيقيا في مقام بيتهوفن سعى الى لقائه “للإفادة من علمه وموهبته” واعترف بتأثيره على مؤلفاته. ولد فولفغانغ أماديياس في 27 يناير 1756 لوالده المؤلف الموسيقي ليوبولد ووالدته آنا ماريا بيرتل موزارت في سالسبورغ، عاصمة أسقفية سالسبورغ المستقلة (في النمسا المعاصرة) التي كانت وقتها جزءا من الامبراطورية الرومانية المقدسة. وتلقى تعليمه الموسيقي بدءا من سن الثالثة على يد ابيه الذي كان يعلّم ابنته نانيرل (تكبر موزارت بخمسة أعوام) وقرر تعليم طفله ايضا على سبيل الدعابة واللعب. لكنه وجد في استجابته وسرعة التقاطه العلم مفاجأة أكثر من سارة. وبسبب مواهب ابنته، وعلى الخصوص ابنه، أخذهما ليوبولد في جولات عرض موسيقية عديدة على مختلف المدن الأوروبية. ورغم مشقة التسفار وخطورته في ذلك الوقت، فقد أصبح ديدن الأب وابنه إذ اصبح مصدر رزق الأسرة الأساسي. ومن بين سائر المدن العديدة التي غشاها الصبي موزارت، راقت له روما، عاصمة الأوبرا، بشكل خاص. وهذا أمر ترك عليه أثرا عميقا تمثل في تأليفه بعض أعظم الأعمال الأوبرالية في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية مثل “عرس فيغارو” و”المزمار السحري”. كانت المرحلة التالية في حياة موزارت مخيبة لآماله لا لشيء الا لتقدمه الحتمي في السن الذي أفقده صفة “الطفل ـ المعجزة”. فوجد صعوبة في الحصول على وظيفة منتظمة، لكن إيمانه بموهبته كان هو الوقود المحرك لعبقريته. وبفضل إنتاجه الغزير وشهوته السابقة ـ وتوسلات أبيه ـ حصل أخيرا على وظيفة عازف الأورجن في بلاط كبير أساقفة سالتسبورج الأمير كولوريدو. لكن خصومة عميقة سرعان ما نشبت بينهما بسبب ما اعتبره موزارت “معاملة الأمير لي وكأنني أحد خدمه”. وانتهى الأمر بطرده من القصر حرفيا بركلة على عجيزته. كان ذلك عام 1781 عندما عرضت له اوبرا “ايدومينيو” في ميونيخ. وعندما حظي هذا العمل بنجاح مدو، قرر موزارت ان العلة في سالتسبورج نفسها. فغادرها الى فيينا حيث وجد ترحاب النبلاء. وتعزز وضعه هذا بنجاح أعماله في دور الأوبرا الإيطالية والألمانية إضافة الى إحيائه العديد من الحفلات الموسيقية في فيينا نفسها. وعام 1782 تزوج كونستانتسا ويبير التي أنجبت له ستة أبناء مات أربعة منهم في طفولتهم الباكرة. وكان في هذه الفترة في منتصف العشرينات من عمره. على أن الرخاء لم يدم طويلا إذ بدأت الحظوظ تعبس في وجهه، فراح يرزح تحت وطأة الديون جزئيا بسبب سعيه وزوجته الى حياة البذخ. ورغم ان الفقر لم ينل شيئا من عبقريته، فقد نال الكثير من صحته بسبب اضطراره للتأليف وإحياء الحفلات بشكل مستمر. وعندما توفي في الخامس من ديسمبر 1791 كان معدما ودفن بأرخص جنازة ممكنة وفي قبر بلا شاهد بمقابر عامة في فيينا. وقد ظهر عام 2010 تفسير جديد للمرض الذي أصيب به موزارت في أواخر أيامه، حسبما ذكرت الدورية الطبيةAnnals of Internal Medicine بناء على الدراسة التي أجراها باحث هولندي على رأس فريق بحثي في جامعة أمستردام. فقد تفشى مرض التهاب البلعوم في مدينة فيينا حيث كان يعيش الموسيقار الكبير عام 1791 وأدى إلى وفاة الكثيرين طبقاً للسجلات الرسمية للمدينة، وتتطابق أعراض هذا المرض مع الأعراض التي عانى منها موزارت قبل وفاته، لذا فمن المرجح أن يكون هذا هو المرض الذي تغلب عليه في النهاية. فقد عانى موزارت حسب أقوال معاصريه من التهاب وحمى تبعهما تورم شديد في منطقة الحلق وتلا ذلك تشنجات وطفح جلدي، وكل هذه الأعراض تنطبق على مرض التهاب البلعوم الذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى التهاب شديد في الكلى ثم الوفاة. فقد ذكرت زوجة أخيه صوفي هايبل Sophie Haibel أن الالتهاب في حلق موزارت كان شديدا بحيث أنه لم يكن يستطيع تحريك رأسه حتى في السرير لكنه لم يغب أبداً عن الوعي ولم يفقد ذهنه الصافي أبدا. محطات في حياته: المتصدق بموسيقاه ? ألف فولفغانج أماديياس موزارت سيمفونيته الأولى في سن الثامنة لأن والده كان مريضا وحرمت والدته عليه لمس البيانو. فألف السيمفونية للأوركسترا كاملة على النوطة تبديدا لشعوره بالضجر بعيدا عن البيانو. ? في صباه الباكر حضر حفلا في الفاتيكان قُدم فيه مؤلف “ميزيريري” لجريجوريو اليغري. ولما طلب موزارت الاطلاع على النوطة الموسيقية رفض طلبه، فما كان منه الا أن دونه كاملا بدون نقص أو إخلال... من الذاكرة. ? زار وهو طفل مزرعة مع أبيه فسمع خنزيرا يطلق شخيره. فقال إنه يشخر في نغمة “صول بيمول”. وعندما هرع الوالد إلى بيانو صاحب المزرعة تأكد له قول الطفل المعجزة. ? أتاه متسول يوما متظاهرا بأنه قريب له وطلب منه مالا. كان موزارت مفلسا لكنه تعاطف مع الرجل. فألف له فورا قطعتين موسيقيتين وطلب إليه بيعهما لدى ناشر معين. وبعد حين كان المتسول يضع خمسة جنيهات ذهبية في جيبه. ? اشتهر ببذاءة لسانه وفحش لغته في خطاباته بما فيها التي كان يكتبها لشقيقته. ? كان عاشقا للبليارد التي كان يلعبها في فترات استراحته من التأليف الموسيقي. ? مسرحية “اماديياس” والفيلم بالاسم نفسه يصوران قصة العداء المَرَضي الذي كان يكنّه له المؤلف والمايسترو الإيطالي انتونيو سالييري. وقد كان هذا الأخير يظن انه أعظم موسيقي في عصره حتى استمع لموسيقى موزارت. وتبعا للمسرحية والفيلم فقد أعلن سالييري خصومته للكنيسة لأن ربها خص غيره بتلك الموهبة النادرة وحرمه هو بالتالي من العظمة والمجد. استعارة رحبانية من مؤلفاته يستحيل في مقال كهذا حصر أعماله العديدة أو حتى أهمها. لكن، بشكل عام، يمكن القول في ما يتعلق بسيمفونياته إن الثامنة والثلاثين إلى الحادية والأربعين تبرز عبقريته الموسيقية بشكل خاص. ويذكر أن السيمفونية الأربعين اشتهرت بشكل خاص في العالم العربي عندما استعار الأخوان رحباني مطلعها لأغنية فيروز الشهيرة “يا أنا، أنا ويّاك”. وفي مؤلفات كونشيرتر البيانو، وعددها 27، تتعين الإشارة الى السبعة عشر الأخيرة منها. أما كونشيرتو الكمان فلك أن تأخذ أيا من الخمسة الأوائل التي ألفها جميعا عام 1775. كما يستشهد العارفون بموسيقاه بالرباعيات الوترية الستة التي أهداها للمؤلف الموسيقي جوزيف هايدن بعد لقائه به في لندن. ويذكر أن هايدن، ومن قبله يوهان سباستيان باخ تركا آثارا لا تخطئها الأذن المدربة على عدد من مؤلفاته. أما في مجال الأوبرا، التي ألف 22 عملا، منها فتعتبر 4 منها قمما في هذا الفن وهي: “عرس فيجارو” و”دون جيوفاني” و”لا فرق بين امرأة وأخرى” الشهيرة باسمها الأصلي “كوزي فان توتي” وأخيرا “المزمار السحري”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©