السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الإخوان»...احتكروا السلطة وتحالفوا مع تنظيمات إرهابية

«الإخوان»...احتكروا السلطة وتحالفوا مع تنظيمات إرهابية
13 نوفمبر 2013 00:08
سعد القرش - روائي مصري هذا كتاب في طريقة للنشر، وبين دفتيه شهادة على 369 يوماً هي عمر “الإخوان المسلمين” في حكم مصر، «سنة أولى (وأخيرة؟) إخوان»، وكرماً من الشعب منحهم 72 ساعة إضافية من قيظ شهر يوليو الماضي، تسمح لهم بجمع أغراضهم والرحيل من القصر، وأن يحملوا «أمانة» العودة إلى الوطن والإيمان به، والانخراط في المجتمع، وإثبات جدارتهم بأن يكونوا مواطنين صالحين، فأبوا أن يحملوا «الأمانة». هنا صدر قرار شعبي يعزل جماعة ترفض أن تكون جزءاً من النسيج الوطني؛ فشعب مصر محب للحياة لا يعشق إلا في النور، في حين يصر التنظيم السري أن يعمل، كالعادة، في عتمته. كان «الإعلان الدستوري» البداية الثانية والحاسمة في الطريق إلى 30 يونيو 2013. إعلان صادم قضى على أي أمل في وحدة الصف، وحرم «الإخوان» أن يدخلوا جنة ميدان التحرير. في هذا الميدان «شيء لله»، من يخرج منه، أو يحرم دخوله، أو يتخذ قبلة سواه للثورة، تصيبه لعنة. الميدان بنقائه الثوري يقصي غير المنتمين للثورة. اتخذ «الإخوان» من الميدان منصة للقفز على الثورة، والانقضاض على مغانم، فاستقام ظهر الميدان ولفظهم، وظل يتراوح بين يأس ورجاء، ويعتصم بحبل الثورة، ويراهن على الأمل، حتى انتهى حكم مرسي. أذيع «الإعلان الدستوري» في التلفزيون الرسمي مساء الخميس 22 نوفمبر 2012. حصن مرسي قراراته السابقة واللاحقة، ومجلس الشورى «الإخواني»، ولجنة كتابة الدستور، من الطعن أمام القضاء، ومنح نفسه سلطات لم تجتمع لديكتاتور ولا نبي مرسل، فلا راد لقرار، ولا طعن على قانون، حيث تقول المادة الثانية من الإعلان: «الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 30 يونيو 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء، وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية». وتقول المادة الخامسة: «لا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور». لم تعترض أميركا على الديكتاتور الذي منح نفسه سلطات مطلقة، كما فعلت مع «ألبرتو فوجيموري» رئيس بيرو الذي قرر، في أبريل 1992، حل البرلمان وتعطيل العمل بالدستور. الانتخابات ليست وثناً مرسي منتخب، وفوجيموري. وهتلر أيضاً كان منتخباً، وبمجرد وصوله إلى منصب المستشار عام 1933، حال بكل الوسائل دون فوز أي من خصومه أو منافسيه بأغلبية المقاعد في البرلمان، وحين أجريت الانتخابات نال الحزب النازي أكبر نسبة تمثيل في البرلمان الذي تعرض لحريق مدبر، وفي العام التالي انتخب هتلر. صندوق الانتخابات ليس وثناً، ونتيجة الانتخابات ليست تفويضاً مطلقاً، ومن حق الشعب اليقظ أن يراقب أداء من انتخبه، وأن يعيد النظر، ويصحح خطأه بعزل الرئيس قبل انتهاء مدته، إذا نقض العهد بينه وبين الشعب، وحاد عن «المبدأ الجمهوري» وخان الدستور الذي أقسم عليه. لا يحتمل العالم الآن هتلر جديداً، ولو كان منتخباً. انفراد بالسلطة منذ 12 أغسطس 2012، انفرد مرسي بالسلطتين التنفيذية والتشريعية. لم يعترض أحد، تأكيداً لحسن النية، ومنح «الرئيس المنتخب» فرصة ممارسة صلاحياته؛ فلا تسير دولة برأسين متنافسين، الرئيس والمشير، ومن صلاحيات الرئيس أن يعزل وزيراً ويعين غيره، بمن في ذلك وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة. شهد شهر أغسطس 2012 وقائع غريبة. أفتى رجل اسمه هاشم إسلام عضو لجنة الفتوى بالأزهر بوجوب قتال المشاركين في مظاهرات 24 أغسطس 2012، باعتبارهم «خارجين على ثورة يناير»، ووجه إليهم تهمتي «الخيانة العظمى لله والوطن ورسوله والمؤمنين»، ودعا الشعب إلى قتالهم. تحذيرات العقلاء لا تجد تجاوباً ولا صدى في نفوس عنصريين وجدوا في صعود «الإخوان» للرئاسة فرصة للكلام باسم الله، حيث أعلنت جمعية خيرية عن تنظيم دورة عنوانها «نقد المسيحية»، بمقر الجمعية في «مدينة نصر آخر شارع مصطفى النحاس . رسوم الاشتراك 200 جنيه». «اتفاقية فيرمونت» ظلت معركة الدستور هي الرهان على إثبات حسن النية. وانتظرنا أن يفي مرسي بتعهداته، أن تمثل له «اتفاقية فيرمونت» عبئاً نفسياً، ولكنه تعامل بسيكولوجية صائد الفريسة، ونظمت مظاهرات سلمية (وهل تكون مظاهرات النبلاء، المواطنين غير العنصريين، إلا سلمية؟!) منها مظاهرة تحت شعار «دستور لكل المصريين»، يوم 2 سبتمبر 2012 أمام مجلس الشورى، حيث تجتمع لجنة الدستور. تخلى مرسي عن نص صريح في اتفاقية فيرمونت، والتزم به أمام ممثلي التيارات السياسية : «السعي لتحقيق التوازن في تشكيل الجمعية التأسيسية بما يضمن صياغة مشروع دستور لكل المصريين»، وفي كلمته يوم الأربعاء 26 سبتمبر 2012 أمام الجالية المصرية في أميركا قال: «لا أملك التدخل في عمل الجمعية التأسيسية للدستور، وأتابع عملها». تآكل الثقة تآكلت مساحات الثقة بين الرئيس والشعب، وبدلاً من «الفتونة» بفتح الصدر أمام الكاميرات مساء الجمعة 30 يونيو 2012 في ميدان التحرير، وإعلان مرسي أنه لا يرتدي قميصاً واقياً، لم يعد ينزل إلى الشارع، وخلت نظراته من الاطمئنان. وفي الصورة التذكارية لمرسي وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يوم 12 أبريل 2013، كانت له نظرات شبيهة بالسلطان الذي ألبسوه ثيابه، وعاملوه بما يليق بالمنصب، ولكنه يشعر بالنهاية. في ذلك اليوم، عقب اللقاء، قال السيسي إن القوات المسلحة «لا تخون شعبها أبداً». توأمة خطيرة شهد أول 100 يوم في حكم مرسي توأمة بين «الإخوان» والحركات «الإسلامجية» بأطيافها، من الدعوي إلى الإرهابي، ولم يكن مدهشاً ألا يقف أعضاء في «حزب النور» السلفي للسلام الجمهوري داخل البرلمان. علم الدولة رمز السيادة، والبرلمان من مفردات الخطاب العلماني الديمقراطي، ولكنهم مثل الإخوان يعتبرون الدين جنسية، ولا يؤمنون بمفهوم الدولة، وما الديمقراطية إلا سلم للوصول وسفينة تبلغهم شاطئ الحكم، ثم يحرقون المراكب في عملية انتحار شاء لها الشعب ألا تكتمل. في مثل هذه الأجواء لم يكن غريباً أن يصرح المهندس محمد الظواهري الشقيق الأصغر للطبيب أيمن المقيم في جبال أفغانستان، بثقة شديدة لصحيفة «الجمهورية» يوم 9 أكتوبر 2012، قائلاً إن نص «السيادة للشعب» في الدستور الذي لم تنته الجمعية التأسيسية من كتابته «شرك بالله.. والانتخابات حرام». صمت أميركي يمكن فهم الصمت الأميركي على تغول مرسي، في ضوء ضمانه أمن إسرائيل بوقف إطلاق الصواريخ من غزة مقابل إنهاء الاغتيالات. ففي يوم الأربعاء 21 نوفمبر 2012 نص اتفاق الهدنة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية على أن توقف إسرائيل «كل الأعمال العدائية في قطاع غزة براً وجواً. وتقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كل الأعمال العدائية من قطاع غزة تجاه إسرائيل بما في ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات عبر الحدود»، بدت الصفقة، في أحد وجوهها أو تأويلاتها، رشوة غير دستورية تغاضت عنها أميركا، ومكافأة بداية الخدمة لمرسي. وفي يوم 23 نوفمبر، أجمعت الصحف المستقلة أن «الإعلان الدستوري باطل وانقلاب على الشرعية واستحواذ غاشم على سلطات الدولة». صحيفة «الوفد») قالت: أصبح مرسي مصدر السلطات. ونقلت صحيفة “الشروق»، عن محمد البرادعي تغريدة مفادها: «الدكتور مرسي نسف اليوم مفهوم الدولة والشرعية ونصب نفسه حاكماً بأمر الله. الثورة أجهضت لحين إشعار آخر». إعلان أم ابن لقيط؟ أصبح «الإعلان الدستوري» سيئ السمعة، إبناً لقيطاً يتبرأ منه كل من يشتبه في أبوته له. نائب رئيس الجمهورية «القاضي المستشار» محمود مكي، وشقيقه وزير العدل «القاضي المستشار» أحمد مكي، و«المستشار القانوني» لرئيس الجمهورية محمد فؤاد جاد الله، و«مستشار رئيس الجمهورية لشؤون التحول الديمقراطي» سمير مرقس، هؤلاء الأربعة أنكروا معرفتهم بالإعلان إلا بعد إذاعته. وبدأ مسلسل الاستقالات اعتراضاً على وصاية مكتب الإرشاد في حي المقطم على رئيس الجمهورية الذي لا يمارس مستشاروه ومساعدوه دوراً في قضايا من صميم مهامهم. منذ الإعلان الديكتاتوري انقسم الشارع، وسقط قتلى، وظلت الجمعية التأسيسية تمارس عملها في كتابة الدستور الطائفي، رغم اعتراض إسلاميين منهم المستشار طارق البشري والمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، وانسحاب القوى المدنية والأزهر والكنيسة القبطية، وأعلن رئيس الجمعية التأسيسية للدستور المستشار حسام الغرياني، يوم 25 سبتمبر 2012، قبول استقالة عضوة الجمعية منال الطيبي، ورفض قراءة الاستقالة التي ترفض كاتبتها المشاركة ببناء مؤسسات الثورة المضادة: «وصلت إلى قناعة نهائية أنه لا جدوى من الاستمرار... إن المنتج النهائي ـ رغم نضالي في تقديم العديد من مقترحات النصوص الدستورية التي تعبر عن الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لجميع المواطنين دون أى تمييز ـ لن يرقى أبداً إلى المستوى الذي يطمح إليه غالبية الشعب المصري، بل بات واضحاً أن الدستور يُعد ليكون على مستوى فئة محددة ترسخ لمفهوم الدولة الدينية لتستحوذ بذلك على السلطة». عودة إلى الشارع أدرك الشعب الثائر أن أشياء مريبة وغامضة تدبر بليل، وتأكد له أن الدستور ثمرة الثورة يسرقه الإخوان، تمهيداً لمصادرة الثورة والمستقبل معاً، فعاد الشعب إلى الشارع، وكانت «جبهة الإنقاذ» قد تشكلت، ولكنها بدت جسداً له خوار المعارضة لا نداء الثورة، لم يدرك قادة جبهة الإنقاذ أن ما في الشارع ثورة تسرق، وأن الشعب أفاق على لص لم يكمل أركان الجريمة، وظلت الجبهة دون طموح الثورة. وفي يوم الجمعة 23 نوفمبر 2012، أطلق البرادعي تغريدة طالب فيها الدكتور مرسي: بسحب الإعلان الدستوري قبل أن يزداد الاستقطاب وتتفاقم الأمور». التصويت على الدستور استمر من يوم الخميس 29 نوفمبر 2012. حتى مطلع فجر الجمعة. في حين طالب المتظاهرون في مليونية «حلم الشهيد» يوم الجمعة 30 نوفمبر 2012 في ميدان التحرير بالإضراب العام، تمهيداً للعصيان المدني، وهتفوا بسقوط حكم المرشد وعزل الرئيس، حشد «الإخوان» أنصارهم لمليونية «الشريعة والشرعية» في ميدان «نهضة مصر» بالقرب من جامعة القاهرة، والميدان لا يسع إلا عشرات الألوف ممن سعوا إليه، أو شحنوا في الحافلات من الأقاليم، بهدف «نصرة شرع الله». استهدف منظمو الحشد القضاء والإعلام. في الحشد الذي أعلن «مصر إسلامية رغم أنف العلمانية» دعت المنصة إلى الاعتصام أمام المحكمة الدستورية العليا. استهداف القضاة تسلم مرسي مسودة الدستور يوم السبت 1 ديسمبر 2012، وفي اليوم نفسه، أقصى ثمانية من قضاة المحكمة الدستورية العليا. يقول نص المادة 176: «تشكل المحكمة الدستورية العليا من رئيس وعشرة أعضاء، ويبين القانون الجهات والهيئات القضائية أو غيرها التي ترشحهم، وطريقة تعيينهم، والشروط الواجب توافرها فيهم، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية». ويقول نص المادة 233: «تؤلف أول هيئة للمحكمة الدستورية العليا، عند العمل بهذا الدستور، من رئيسها الحالي وأقدم عشرة من أعضائها. ويعود الأعضاء الباقون إلى أماكن عملهم التي كانوا يشغلونها قبل تعيينهم بالمحكمة»، ووصف المستشار طارق البشري ذلك بأنه عزل لقضاة المحكمة، وتساءل: «أليس في ذلك نوعاً من التدليس... وجه التدليس أنك تفصل قضاة بأسمائهم في صيغة نص دستوري شديد العمومية والتجريد وتختلس عليه موافقة الناخبين دون أن يدركوا... يحمل الدستور وصمة الاعتداء على السلطة القضائية في تشكيل من أعلى تشكيلاتها... ولنا أن نقلق على مستقبل القضاء كله». («الشروق» / 5 ديسمبر 2012). مادتان «دستوريتان» من أجل إبعاد نائب رئيس المحكمة المستشارة تهاني الجبالي، قاضية عنيدة أصرت على أن يكون أداء مرسي اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا على الهواء مباشرة يوم 30 يونيو 2012، ورفض مرسي إذاعة القسم مباشرة على أن يذاع في وقت لاحق، ولكن المحكمة أصرت وأذيع القسم مباشرة. قرر الرئيس طرح الدستور للاستفتاء يوم 15 ديسمبر، فهل أتيح له أن يقرأه؟ ولماذا قرر التعجيل بطرح الدستور للاستفتاء، على الرغم من تعهده السابق بألا يطرحه للاستفتاء قبل توافق القوى الوطنية عليه؟ كتب البرادعي في تويتر: «الدكتور مرسي يطرح للاستفتاء مشروع دستور يعصف بحقوق المصريين وحرياتهم»، ثم كتب: «في وجود رئيس محصن له صلاحيات مطلقة، وغياب سلطة قضائية، ومشروع دستور يؤسس للاستبداد، يكون الاحتكام إلى الصندوق خديعة فاقدة للشرعية وديمقراطية زائفة». كان مقرراً أن تعقد المحكمة الدستورية العليا جلسة، يوم الأحد 2 ديسمبر 2012، وهو موعد محدد سلفاً منذ 20 يوماً، لنظر قضيتي حل مجلس الشورى وبطلان تشكيله، والطعن على معايير الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، ولكن الاعتصام الذي دعت إليه المنصة، قبل يومين، أمام المحكمة الدستورية العليا تحول إلى حشد يحاصر المحكمة، وقرر رئيسها المستشار ماهر البحيري تعليق عملها إلى أجل غير مسمى، بعد أن منع «الإسلامجية» قضاة المحكمة أن يدخلوا لنظر دعاوى بطلان المجلس والجمعية. وصفت المحكمة هذا اليوم، في بيان، بأنه «يوم حالك السواد في سجل القضاء المصري»، ولكن محامي جماعة الإخوان عبد المنعم عبد المقصود وصف هذا التظاهر بأنه حق الشعب في التعبير عن رأيه، «مادام ذلك في إطار السلمية»، فإذا لم يكن هتاف المهووسين: «لا إله إلا الله.. هنحرر مصر من القضاة»، و«يا مرسي إدينا إشارة.. واحنا نجيبهم لك في شيكارة» هو الإرهاب، فماذا يكون؟ إذا كان هذا شيئاً غير الإرهاب فهو تربص سافر بالقضاء، واعتداء سافر على النظام الجمهوري الذي أقسم مرسي أن يحافظ عليه. احتجاب الصحف وفي يوم الثلاثاء 4 ديسمبر 2012، احتجبت الصحف الخاصة اليوم، في مليونية «الإنذار الأخير». يوم مشهود في «التحرير»، عادت روح الثورة إلى الميدان فصار قبلة مسيرات قادمة من أحياء القاهرة ونقاباتها. أعلنت جبهة الإنقاذ أنها لا تدعو للزحف إلى «قصر الاتحادية»، قادة الجبهة يملكون خيال المعارضة التقليدية، ولكن خيال الثورة لا حدود له، ففي نهاية ذلك اليوم زحفت الجموع من ميدان التحرير إلى قصر الاتحادية، وهتفوا: «ديكتاتور ديكتاتور.. العياط عليه الدور»، «مصر مش عزبة أبوهم». سجل الثوار «الحضور» على سور القصر، شعارات وكتابات ساخرة تعيد إلى الثورة بهجتها بدلاً من تجهم «الإخوان». نفير «الإخوان» وفي 5 ديسمبر 2012 أعلن أنصار مرسي النفير، وفُض الاعتصام بالقوة، واعتدى «الإخوان» على شباب متمرد مسالم لا يملك في خيمته إلا «جبنة نستو»، وعلى مواطنين أبرياء تصادف وجودهم هناك. احتجز الضحايا في القصر، وعذب بعضهم في مسجد عمر بن عبد العزيز المواجه للقصر، وأحيلوا للنيابة باعتبارهم مجرمين، ولكن قاضي التحقيق المستشار مصطفى خاطر برأهم، وأمر بإخلاء سبيلهم، فوجه النائب العام طلعت عبد الله - الذي عينه مرسي بالمخالفة للقانون والدستور - إهانة له ولفريق التحقيق في القضية، وعاقبه وقرر نقله، يوم 11 ديسمبر 2012، إلى بني سويف. وفي 6 ديسمبر 2012 كتب عبد المنعم أبو الفتوح في تويتر: «دماء المصريين التي تراق الآن أمام قصر الرئاسة مسؤولية الرئيس؛ استبدال الأمن بمؤيدي الرئيس انهيار للدولة». وفي مساء الأربعاء 5 ديسمبر 2012، وقع العدوان الدامي بالقرب من القصر. كانت الاشتباكات غير متكافئة بين ثوار غاضبين و«الإخوان» تدعمهم الشرطة. لدى الثوار يقين بالنصر اليوم أو غداً، ولدى القتلة والعنصريين رصاص حي وقنابل الغاز ويقين بأنهم يدافعون عن الإسلام. وسط التعب وقلة الحيلة والهوان على الناس أيقنت أن الثورة مستمرة، حين سقط أمامي الساعة 12:10 من فجر الخميس 6 ديسمبر، شابان برصاص القتلة، كان ممكناً أن أكون أحدهما أو ثالثهما. غادرت بعد الفجر، وفي الطريق اتصلت بي عزة مغازي وأخبرتني بإصابة الصحفي الحسيني أبو ضيف بطلق ناري. ولكن «الإخوان» احتفلوا، صباح الخميس 6 ديسمبر أمام القصر، بفص الاعتصام، «احتفال بالنصر». في اليوم التالي 7 ديسمبر 2012، «جمعة الكارت الأحمر»، كان ميدان التحرير والساحة أمام القصر شاهدين على استواء الثورة، ثمرة تنتظر من يمد يده، ولكن الثورة ليس لها قائد. محافظون رغم أنف الشعب في 16 يونيو 2013، أثار تعيين محافظين من «الإخوان» والسلفيين والجماعة الإسلامية استياء واسعاً في كثير من المحافظات. ففي الأقصر لم يسمح الأهالي بدخول المحافظ الجديد عادل أسعد الخياط المنتمي إلى «الجماعة الإسلامية». هذه الجماعة مارست الترويع والقتل، ومن أبرز إنجازاتها الجهاد في معبد حتشبسوت بالأقصر، يوم 17 نوفمبر 1997، وأثمرت تلك الغزوة إزهاق أرواح 58 سائحاً أجنبياً وأربعة مصريين. وفي 26 يونيو 2013، وبعد مرور عام على توليه الحكم، أدلى مرسي بخطاب لا يليق برئيس دولة يوزع اتهامات مرسلة على كثيرين منهم نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد: «يعتبر نفسه من الثوار!»، وأحمد شفيق «مطلوب للعدالة، ويرتكب جريمة التحريض على قلب نظام الحكم. يوم الفصل كان شعار «الإخوان» في الانتخابات البرلمانية في نهاية 2011 «نحمل الخير لمصر». شعار استشراقي، ربما يذكرنا بخطابات من هذا النوع. هل تذكر بيان نابليون حين بلغ القاهرة؟ شعار يشي بأنهم غير مصريين، ويبدون حسن النية مع «مصر»، ذلك البلد الآخر. ثم كان «مشروع النهضة» عنواناً لحملة مرسي في انتخابات الرئاسة، وبعد الفوز قالوا إن مشروع النهضة مجرد فكرة، مشروع عمره ألف سنة مما تعدون ويحتاج إلى 25 عاماً ليؤتي ثماره، وتعاملوا مع «الدولة» بمنطق تنظيم سري يريد خلق مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة، ولكنها تدار في الخفاء، ربما تأكد لهم أن الشعب الذي ثار ضد مرسي منذ الإعلان غير الدستوري لن يطالب بأقل من استرداد «الدولة» التي تتعرض للتفريغ والتآكل والأخونة، وهو اختبار لم تتعرض له منذ غزو الإسكندر عام 332 قبل الميلاد. اختراق جدار «التنظيم» حركة «تمرد» صيغة مصرية خالصة في اختراق الجدار الفولاذي للتنظيم السري الدولي الغامض التابع لجماعة غير وطنية. بدأت الفكرة بخيال شباب، ولقيت استجابة غير مسبوقة، وكانت الأرض ممهدة تنتظر الشرط التاريخي للتمرد في استمارات تذكر بتوقيعات جمعها البسطاء للوفد المصري عام 1919، وجاء يوم 30 يونيو عاصفاً، وكان على المصريين أن يختاروا بين الثورة السلمية التي تريد تصحيح مسارها وتنظيم له ميليشيا، يصطف خلفه قادة السلفية الجهادية. لم نسمع في ميدان التحرير شعاراً يهين ذكاء الشعب وإرادته، مثل «الله وحده أسقط النظام». كان الشعار مصرياً لا طائفياً: «الشعب خلاص أسقط الإخوان»، ثورة شعبية تتدفق فيها الدماء، ويوم تاريخي أعلن عنه قبل 60 يوماً، حين أعلنت حركة «تمرد» أنه اليوم الأخير لمرسي، ذاك الرجل الذي حكم مصر عاماً و72 ساعة، بدا لي أقرب إلى أبطال التراجيديا الإغريقية، يتعثر في أخطاء وخطايا تسهم في البناء الثوري، وتؤكد نجاح موجة ثورية أعلن عنها قبل انطلاقها بشهرين كاملين. كان مرسي يمضي إلى نهايته. مفارقة الاحتفال بـ«أكتوبر» في 6 أكتوبر 2012، مرسي يحتفل بنصر أكتوبر في «ستاد القاهرة»، بدا الحفل كأنه مؤتمر لجماعة «الإخوان» لا مناسبة وطنية، ففي المدرجات شباب الجماعة، وفي أركان الملعب يتوزع أعضاؤها، حشد «الإخوان» أنصارهم بالطريقة وبالحافلات نفسها التي كانت تنقلهم من الأقاليم إلى القاهرة. نظم «الإخوان» الاحتفال، وأشرفوا على إخراجه، بدلاً من أن تقوم بذلك وزارة الدفاع أو رئاسة الجمهورية. جاء الحفل «معالم في الطريق» للانفراد بالدولة واحتفالاتها، وفي مقدمتها نصر أكتوبر الذي غاب عنه اسم أنور السادات وأسرته، وقادة حرب أكتوبر وقدامى المحاربين والمصابين وعائلاتهم. غاب «أصحاب النصر» وحضر بعض قيادات أعضاء الجماعة الإرهابية التي شاركت في اغتيال السادات يوم 6 أكتوبر 1981. استبعد أبطال الحرب وحضر طارق الزمر. قتل السادات ثلاث مرات.. الأولى حين اغتاله إرهابيون، والثانية بتجاهل مرسي ذكر اسمه، على الرغم من تباهيه الساذج وهو يدخل «الاستاد» راكباً سيارة السادات المكشوفة متوهماً أنه «قائد النصر»، والثالثة بحضور من شارك في اغتياله. استعداء الجميع عام واحد نجح مرسي وجماعته في ما فشل فيه احتلال متصل دام أكثر من 33 قرناً، منذ غزو الإسكندر عام 332 قبل الميلاد. لم يتح لأي احتلال من العبقرية ما يمكنه من استعداء الجيش والشرطة والقضاء والأزهر والكنيسة والإعلام والنقابات والاتحادات الطلابية والنخبة الثقافية والسياسية، وعموم الشعب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©