الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من العشوائية إلى المنهجية

16 نوفمبر 2011 22:58
تتباين الأساليب والمناهج في تدريس النقد المسرحي بحسب المؤسسات التعليمية ومعاهد التكوين والتدريب المختلفة، حيث تتبنى كل مؤسسة منهجية تتماشى والأهداف المسطرة التي ينبغي تجسيدها في حيز الواقع الثقافي والعلمي. فإذا تعلق الأمر بتدريس النقد المسرحي في الجامعات، فإن أغلب ما يتلقاه الطالب يهيمن عليه الجانب النظري وإذا اتجهنا صوب المعاهد العليا، فإن الصبغة التطبيقية هي التي يكون لها فضل السبق وحصة الأسد. إن المتتبع لمسار المسرح العربي الحديث وبخاصة الجانب النقدي منه، سيلاحظ بجلاء غياب تعليمية النقد المسرحي وطرق التكوين فيه وأساليب تناقل المعارف والمهارات المسرحية في كل ما كتب من نقد وتفكير نقدي، ولا حتى العمل على حماية الذاكرة المسرحية والجمالية في المسرح عبر الوطن العربي شغلت حيزا من اهتمامات الباحثين والدارسين أو أية جهة من الجهات، كما لا يمكن للمطلع على الريبرتوار المسرحي أن يعثر على جوانب التكوين والتدريب والتعلم إلاّ لماماً. في المعاهد ولئن وقفنا عند الأساليب والمناهج المتبناة في تدريس النقد المسرحي في المعاهد فهذا لا يعني في شيء أن هناك تباينا واضحا فيما بين التدريس بين جنبات المعاهد وفي الوسط الجامعي، هذا من جهة ومن جهة أخرى فيما بين باقي المواد من تاريخ المسرح أو فن التمثيل وغيرها، بخاصة إذا كان المعهد تابعا لوزارة التعليم العالي كما هو الحال في الجزائر. حيث باتت البرامج متشابهة إن لم تكن متطابقة. بل حتى فيما يتعلق بنظام ال ل م د فإن المعاهد تبنت النظام الإصلاحي العالمي نفسه الذي تنتهجه الجامعات عالميا اليوم. واستنادا لتجربتي في تدريس مقياس النقد المسرحي في المعهد العالي للفنون ببرج الكيفان فإن عملية التدريس في البداية استهلت بتعليم أبجديات التمثيل ومرتكزاته عن طريق بعض التدريبات التي كانت لا تخضع لتحضير تربوي بيداغوجي محكم، لأن المكونين أنفسهم كانوا يفتقرون للتعليم والتكوين الأكاديميين، لذلك كان المعهد يستعين ببعض التجارب لرجال مسرح عصاميين جزائريين، وأجانب وكان ذلك غداة الاستقلال. وبعد ذلك راح المعهد يقدم بعض مبادئ وقواعد فن التمثيل دون الحاجة إلى تحديد الأطر والتنظيمات القانونية للتكوين البناء. واصل المعهد مهامه بوصفه مركزا لتعليم الفن الدرامي، وصار أساتذته متخصصين يعملون بطريقة تكاد تكون عشوائية لعدم وجود منهاج تربوي وطرائق تربوية واضحة المعالم. بقيت سياسة التدريس على حالها تسير في ضبابية وإبهام بالنسبة للأساتذة والطلبة، وكانت نتيجة بديهية نجمت عن العشوائية والارتجال الذي عمّ الأجواء المسرحية بحسب بوعلام رمضاني الذي يرى أن التسيير وسم آنذاك بقصر النظرة السياسية والإديولوجية، إضافة إلى نقص التكوين الثقافي بصفة عامة وهذا ما أدى إلى ضعف بعض الأعمال المسرحية. دأب المعهد العالي على تكوين ممثلين ومنشطين ثقافيين وراقصي بالي دون إحداث أي تغيير في الهيكل التنظيمي والتكويني. كما تمّ إيفاد الطلبة إلى الخارج قصد التكوين على سبيل المثال في الاتحاد السوفياتي (من بينهم المتحدث) وألمانيا وغيرها، فكان منهم من عاد ليدرس في الثمانينيات بالمعهد. ومنهم من شغل مناصب إدارية في الملحقات التكوينية في كل من مستغانم ووهران وباتنة وكان ذلك في سنة 1987. وإلى غاية الساعة لا يزال التدريس بالمعهد العالي ذا خصوصية التطبيق والممارسة الميدانية أكثر من الجانب النظري، ويمكن القول أنه تكوين شفوي متتابع، قد يبتعد عن التكوين التلقيني الأكاديمي. في الجامعة لا يختلف اثنان على أن تدريس هذا المقياس أو غيره من المقاييس في الجامعة العربية، يتسم بالتلقين وبهيمنة الجانب النظري على التطبيق مع الاهتمام بتكريس حشد من المعلومات النظرية التي لا تسعف الطالب في أن يمارس النقد فيما بعد، ذلك أن المنهاج التربوي الجامعي مطّرد لا يسير وفق برنامج تسطره وزارة التعليم العالي، بل يخضع في أغلبيته لاجتهاد الأساتذة والباحثين، مما يبعث على تباينه من جامعة إلى أخرى. وناهيك عن قلة الجامعات عبر الوطن العربي التي أدرجت هذا التخصص ضمن باقي الشعب الكلاسيكية المعروفة. هذا وقد كان الطلبة على اختلاف مشاربهم وتخصصاتهم في جامعة وهران مثلا يقبلون على المسرح ويؤدون أدوارا باعتبارهم هواة لهذا الفن، لأنهم لم يخضعوا لتكوين معين، بل ساقهم إعجابهم وحبهم للمسرح، وكان لزاما أن يساهم القطب الجامعي في النشاط الثقافي العام، لبناء ثقافة طلابية متفتحة حضاريا وفنيا، تكون فاعلة في تدعيم النشاط الثقافي الذي يبث الترفيه والوعي بين جنبات الصرح الجامعي منطلقا من قواعد وفنيات مسرح أكاديمي يقوم على الإلمام بحيثيات ومرجعيات ومقاييس المسرح العالمي. الطريقة المثلى وأيا تكن المؤسسة التي يُدرّسُ بها النقد المسرحي، فإن منهجية تدريس النقد المسرحي ينبغي أن تأخذ بالحسبان جملة من المسائل؛ تتعلق الأولى بالمنهج التعليمي المدروس والمضبوط بعناية، باعتباره أُسَّ العملية التعليمية وبغيابه تفقد هذه العملية توازنها، ولا تستعيده إلاّ بتوصيف أبجديات كل مادة بحصر خصوصياتها، إذ لكل مقياس طبيعته وطريقة خاصة بتدريسه، والنقد المسرحي بإشكاليته المعقدة أكثر المقاييس حاجة إلى العناية بعمليته التعليمية. هذا علاوة على المادة العلمية ويُقصد بها محتوى المنهاج وما يشتمل عليه من قضايا وأفكار من شأنها أن تعمق موضوع النقد وتهيئ المتعلم لقراءة العروض المسرحية بأريحية، بعيدا عن ذلك الكم الهائل من المعلومات التي تثقل كاهله وتبقيه قاب قوسين أو أدنى من فاشل لا قدرة له على إسقاط تلك النظريات والمناهج الحديثة على الأعمال التي يقبل على نقدها. أما المسألة الثالثة فتتعلق بطريقة التدريس وأسلوبه، مع العلم أن طرائق التدريس عرفت تطورا منقطع النظير إذ قفزت من الطريقة التلقينية إلى الحوارية إلى طريقة التدريس بالأهداف إلى طريقة التدريس بالكفاءات، وغيرها من طرائق التدريس، ويبقى المدرس الكيّس هو الذي يحسن انتقاء الطريقة المثلى في التدريس، وإذا تعلّق الأمر بالنقد المسرحي فأنا أرى أن أنجع طريقة هي الطريقة التطبيقية الحقّة التي تتمثل في الانطلاق بالطالب من داخل العمل إلى خارجه، حيث تقف به في كل مرة عند تمحيص جانب من جوانب العرض المسرحي وتفسح أمامه الطريق ليفصح عن مكنون قدراته النقدية لتصل به في الأخير إلى محاضرة تلملم فيها شتات ما تقدم به الطلبة بتوجيه من أستاذهم. ولا يتم ذلك إلا بالاعتماد على الوسائط التكنولوجية من حاسوب وجهاز الداتاشو والفيديو والشرائح الفيلمية “Slides” وغيرها، بوصفها أدوات تبليغية ضرورية، دون الاستغناء عن الكتاب الورقي، وهذا ما يصطلح على تسميته بالوسيلة التعليمية، التي قد تكون في هذا المقام وتبعا لطبيعة المقياس نصوصا وعروضا مسرحية، لأن الوسائل التعليمية تؤدي دورا أساسيا ومُهمّاً في نقل المادة العلمية إلى المتعلم ببساطة ووضوح مع اقتصاد في الوقت والجهد المبذول. ولا يعقل إهمال مسألة تلقي المتعلم في هذا المقام من تركيز وفهم ومناقشة وتدوين وتعليق وتساؤلات... وغيرها مع تحفيز الطلبة على الارتجال ودرء التخوف من الإدلاء بآرائهم في تقييم الأعمال المسرحية ونقدها. وما لا ينبغي أن يغفل عنه المعلم هو تحديد الهدف المتوخى والمنشود من وراء العملية التعليمية؛ إذ قد يكون معرفيا أو فنيا جماليا أو إيقاعيا... ولا يمكن تجسيد مثل هذه الأهداف في غياب التفاعل البناء والمشترك فيما بين المعلم والمتعلّم، الذي تبقى ناصيته بيد المعلم بالدرجة الأولى إذا كان متشبعا بروح العمل الجماعي والتعاون والتفاني والحفاظ على نقاط التواصل الإيجابي البعيد عن تقزيم وتشييء قدرات المتعلم. * أكاديمي جزائري * ورقة مقدمة إلى ملتقى نقد المسرح العربي ـ رؤية مستقبلية الذي انعقد في الشارقة بتاريخ 15 ـ 16 أكتوبر 2011
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©