الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجليات مدينة الخيال

تجليات مدينة الخيال
16 نوفمبر 2011 22:59
من جبال أربيل (كردستان) إلى أبراج دبي، يقدم الفنان العراقي وليد سيتي تجربة تشكيلية متميزة، ومختلفة عن التشكيل العراقي بسماته وهويته المألوفة بألوانها وتكويناتها، فهو يشتغل في منطقة خيالية حالما بالتغيير والتطور، وبهذا يسعى الفنان وليد سيتي إلى خلق مدينة اليوتوبيا المثالية، الحديثة، ولكن من دون التخلي عن عناصر الهوية الأساسية، وذلك في معرض له في غاليري “إكس في أيه” (XVA Gallery) في مركز دبي المالي العالمي يحمل عنوان “من أربيل إلى دبي: السعي وراء اليوتوبيا”. ويتزامن هذا المعرض مع عودة الجناح العراقي إلى بينالي فينيسيا Venice Biennale الرابع والخمسين المقام للفترة ما بين يونيو ونوفمبر الجاري، الذي يشهد عودة الفنانين العراقيين إلى مكانتهم في الساحة العالمية للفن المعاصر، وكان الفنان سيتي أحد الفنانين العراقيين الستة المشاركين في هذا البينالي العالمي. في معرضه “من أربيل إلى دبي: السعي وراء اليوتوبيا”، الذي افتتح مؤخراً في دبي، يسلّط الفنان التشكيلي وليد سيتي الضوء على أوجه التشابه بين مدينة أربيل التاريخية ومدينة دبي ذات الطابع المتغير. ويبدو ذلك جلياً من عنوان معرضه، في محاولة منه لتمثيل صراع المدينة في الحفاظ على هويتها التاريخية وسط عالم طموح ومتغير بمزيج من أعمال الفنان الجديدة من أعمال تركيبية ولوحات ومنحوتات ورسوم. و”اليوتوبيا” مفهوم فلسفي يطلق على المكان الذي يبدو كل شيء فيه مثالياً. وبعين الفنان ينظر سيتي إلى تسمية الكثير من الأماكن في أربيل اقتداءً بمعالم دبي مثل “روتانا” و”أمباير ورلد” و”دريم سيتي” و”المارينا” و”دبي بازار”، حيث يعتقد الفنان بأن مدينة أربيل تشهد حالياً العديد من التغيرات بعد تجاوزها عقوداً من الحروب والاضطهاد لتمتلئ آفاقها بمناظر الرافعات ولينتشر البناء على قدمٍ وساق في أنحاء المدينة، حيث قال “تشهد أربيل تحولاً يفوق مستوى الإدراك”. وكما جاء في بيان المعرض ففي مجموعته الفنية الجديدة يحاول الفنان وليد سيتي أن يعبّر عن شعور بحيرة وضياع يطال فكرة المدينة المثالية وعن مخاوفه المتعلقة بالآثار البيئية والاجتماعية التي تتعرض لها أربيل، وذلك عن طريق استخدامه للمجسمات المتماثلة وتمثيله تخطيط المدينة كعنصر أساسي وتضمينه رموزاً مختلفة مستقاة من تراثها. ويأتي ذلك في محاولة للتركيز على العناصر المستقلة والمترابطة في الوقت ذاته في إشارة إلى التوجه نحو التواصل العالمي في هذا الاتجاه والقوى الاقتصادية التي ترسم الوجه الجديد للمدينة. ويرى الفنان أن دور قلعة أربيل كنقطة محورية في أعماله – وهي التي طالما ارتبطت بالنسيج الاجتماعي للمدينة وكانت جزءاً هاماً من هويتها المدنية على مدى قرون من الزمان – جاءت لتسجل نهاية حقبة زمنية. كما أن أعماله تأتي لتعبر بقوة عن انعدام الجدال وجدية المخاوف المتعلقة بالجوانب التاريخية والبيئية والاجتماعية والشخصية الفريدة على أطراف المدينة الكاملة كما يراها الفنان. يستخدم سيتي الصخرة والشكل الهرمي، ولكننا لسنا أمام شكل واقعي، يقول أحد النقاد: لم تكن صخرته كما هي صخرة (سيزيف) ثقلا أبديا. فهي في أعماله محور لمناورة ماضي ومستقبل أناسه القابضين على صخور بيئتهم بما ملكوا من قوة. ولم تكن قوتهم هذه إلا توحدا وبذرة للطبيعة الصخرية الأولى. وإن شكلت صخرة الكعبة المقدسة محورا لبعض أعماله، فإنه ومن خلال مغزاها الأنثروبولجي يكرس مفهوم المركز بؤرة المصير الاجتماعي والسياسي ومركزا للتعايش والألفة. وإن كان المكعب يمثل رمزا مقدسا هنا، فالسكن كذلك. وهكذا نرى أنه لم يكن عبثا أن تستحوذ على الفنان فكرة إنشاء مستوطنته الصخرية وسط متاهة لندن وصخب تضاريسها الإنشائية ومسلكها المائي. وهو ضمن هذه التجربة يشكل، كما يرى بعض النقاد، استثناء بين مجايلية في ابتعاده عن العناصر التي عبثت كثيرا في منجز التشكيليين العراقيين على اختلاف قومياتهم. والمقصود بها التفاصيل الزخرفية الفولكلورية وتوابعها وذيولها. فإن كان المنجز التشكيلي العراقي في زمن ما بحاجة لها ضمن أداء يتماشى وحراك هذا المنجز، فإن الزمن الحالي تعدى ذلك لآفاق مفهومية أكثر التصاقا بزمننا وبواقع حالنا. وهذا ما سعى سيتي إلى تحقيقه. لقد اشتغل على إبراز القوة التخاطرية الخفية ما بين الصخرة (رمزا وبيئة وسكنا) وحيوات ساكنيها. وبديلا من هذه الرموز والعناصر التي ارتكز إليها الفن العراقي المعاصر، وما يزال كثيرون مستمرين في اعتماد مفرداته الموغلة في التراث منذ جلجامش حتى اليوم، فالفنان وليد السيتي يرتكز على “موروث” مختلف، موروث يرتبط بحساسيته الشخصية ومخياله العربي والغربي في آن، الذي يجمع المفردة الواقعية مع المكونات الحديثة الغرائبية، ليأتي هذا المزيج الخاص في عمل فني يستوجب التدقيق بتفاصيله، وعدم الاكتفاء بقراءته السطحية، أو القراءة العابرة التي تفصح عن الشكل فقط دون المضمون. كما إنه في جانب آخر يقدم لوحات قماشية تمثل نقطة فاصلة في متوالية اللوحات والأعمال المجسّمة التي تعيد تجسيد شكل الجبل الذي يعتبره مكاناً أثيرا للتأمّل في البشر وعاداتهم وتاريخهم وتجاربهم. ويتساءل سيتي في هذا العمل عن حالة الحرب المهيمنة والوحشية والقمع، فمن يشاهد العمل يشعر بالوجع، إذ استخدم الفنان شعيرات كثيرة حول مكان محدد على شكل يشبه دبابيس اذا ما وضعت على الجسد تؤلمه حتى لو كان وخزها خفيفاً. والفنان في ذلك يمزج الدائرة بالمربع، يدمج الحلقة الصوفية بالبرج المتعالي في سماء المدينة الحديثة، ليقول كم إن المدينة باتت قاتلة، لكنها ضرورية، فمن خلال تكرار كتل صغيرة وخيوط رفيعة، يتمكن الفنان من بناء عالمه المعقد والمنفتح على التأويل. عالم ينتمي للجبل حقا، بكل ما يحمله الجبل من إرث غير قابل للاستنفاد، لكنه جبل يقوم ضمن مشاهد شديدة الحداثة، وهنا يلتقي موروث الفنان بتجربته الخاصة المتميزة. السلالم التقليدية المستخدمة في البيوت العادية، تحضر هنا في مشهد يفترض أنه حديث، لكنها تعكس التداخل الطبيعي بين عالمي الحداثة والقديم، فنحن أمام لوحة تحاول التعبير عن إمكانية التكيف بين هذين العالمين. لكن الرؤية الأساسية تكمن في التعبير عن طغيان الحداثة وعالمها على البشر في كل مكان، وفي لوحة من اللوحات لا يمكن العين أن تخطئ أنها أمام دبي و”عجقة” أبراجها التي تفتقد للشعور الإنساني. وأخيرا، وكما يشتغل على الرسالة المزدوجة موضوعيا، يمثل عمل وليد سيتي مزيجا من التركيب المجسم والفيديوات، وهو يستعين بالعملة (ورقة الخمسة آلاف دينار العراقية) التي تصور شخصية عراقية بارزة، ولكنه يمزق العملة التي كبرها وجعلها بحجم الحائط من الوسط، حيث رسم الشخصية، ويعرض من خلال الجزء الممزق فيلما للشلال المتدفق. وهو يشير إلى أن هذا التدفق مصطنع في فصل الصيف لشح المياه فيه وهو لا يتدفق فعلا إلا في الشتاء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©