السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مملكة الرموز والماء

مملكة الرموز والماء
16 نوفمبر 2011 23:00
من اسميهما أشتقا تسمية “تهرملون” لعنونة عملهما الجديد الذي يسافر بنا عبر الزمن ويحكي حضارة دلمون الشهيرة. هما المصمم الفنان تهامي عربي والفنانة التشكيلية رملاء الحلال، اللذين يقدمان عملا فنيا خياليا فانتازيا يحاول قراءة واقع تلك الحضارة أمام مرآة اليوم، خصوصا فيما يختص بالسلعة والمنتجات الشهيرة من مقاهي ومتاجر وأجهزة الكترونية وأحداث مهمة في عالمنا وغيرها من نسيج عالم اليوم. وتكمن المفارقة في اسقاط تلك الحضارة بمفاهيمها ونقوشها وفلسفتها على انسان اليوم في ظل عالم استهلاكي وعصري، قد لايحفل كثيرا بقيمة الأثر سواء كان تراثا أو ثقافة، تلك الثقافة التي قد لا تعنيه إلا كقصة ورمزا، فهي أيضا باتت لدى البعض رمزية يستهلكها في لغة الحكي مثلا، ليس هذا فقط بل إشارة الفنانين رملاء وتهامي إلى ما يمكن أن يعاد صياغته وما يمكن أن يشكل حلقة وصل عميقة بين حضارتين، كل حسب اهتمامه فتصبح الرموز الدلمونية منقوشة على خواتم قد تستخدم للزينة، وتصبح الحياة بأيامها موثقة ومسجلة ولو بخيال الفن على الاسكتشات والأعمال الأخرى. هناك خاتم سمي “خاتم ستاربكس” وهو يجسد الشخصية الدلمونية مع محاكاة شعار المقهى الشهير، الخاتم على شكل تاج عروس. وهناك رجل دلموني ودخان يتصاعد هو إما القهوة أو ماء، وهذا يتوافق مع شعار المقهى ومع روح دلمون مملكة الخلود والماء، وهناك خاتم “ماكدونالدز” وقلادة “آبل” وهو يقارب بين هذه الشركة الشهيرة وبين أحد العناصر التي اشتهرت بها تلك الحضارة في صناعة الحلي. كل شيء يتحول إلى قيمة دلمونية أو بالأصح “تهرملونية” حيث هي الوجه الجديد الذي يحور الأشياء ويربط بين فلسفتي دلمون وبين المنتج الجديد حتى دعائيا كما في لوحة “اسكتش لستاربكس” ايضا، وبقايا سياسية المأخوذ من رمز الاتحاد السوفييتي سابقا. وقد سمي العمل “بقايا سياسية” كناية عن انتهاء تلك المرحلة، ولكن المتأمل في الرمز الجديد سيلاحظ الانسان الدلموني على الشعار مصورا حالة دلمونية شبيهة بقيمة أو معنى الرمز لدى انسان اليوم. إنها رحلة عبر الزمن قد يتأملها المتلقي في عدد من الصياغات الحياتية حيث يتأسس معها وعي متجدد يمكن أن يتخيله مع تصورات أخرى بعد أن وضع الفنانين بصمتهما الخاصة ولغتهما، فكيف سيكون المتلقي بعيدا عن تخيل هذا وهو يقرأ تاريخا عن الاتحاد السوفييتي أو ليبيا والكتاب الأخضر، أو وهو يمر بإحدى تلك العلامات التجارية المشهورة، أو حتى وهو يبتسم عندما يلبس خاتما ليتخيل هذه الخواتم المعروضة في عملهما، ووصولا إلى عمل لعله أكثر راهنا من كل ما مضى وهو عمل تحت مسمى “محاكاة الكتاب الأخضر”.. صفحة منه توضع في زجاج يعبر عن عزلة المحتوى الفكري، كما كتب في منشور العمل الفني، ثم نقرأ عبارة معمر القذافي المشهورة: “أتعرفون من أين جاء الغرب بكلمة ديموقراطي” ثم يشير إلى أن لها علاقة بالديمو/ كراسي، ومعناها كما تعبر المقولة “ديمومة الكراسي”، وهو منقول يعبر عما يعبر عنه العزل الفكري فيه عن تكهنات غير منطقية. ثم نلحظ قفصا صدريا بشكل دلموني يعبر عن تهميش الثوار وكأنهم مجرد بضاعة مستهلكة من أجل قائد أعلى وهذا مانعثر عليه ـ حسب العمل/ المنشور ـ من أثر في الحضارة الدلمونية عن روح الأسطورة وخضوعها للإله أنكي حارس الماء وما مارسه من قتل وتعذيب، أو كما يشير المنشور المرافق في مقولتهما: “كما تخيلنا وجود المنتجات الاستهلاكية في العصر الدلموني، تخيلنا وجود بعض التقنيات الحديثة في الصياغة، وذلك للتعبير عن رؤية حقبتنا التخيلية تهرملون”. إذن تهرملون هي الحقبة الخاصة ـ والخاصة جدا ـ التي مهما كان ارتباطها بذلك الماضوي في الحضارة الدلمونية أو بالآني في عصر المنتج الحديث بكل تفاعلاته، العصر الاستهلاكي والسريع والعابر، يبقى أثرا خاصا وعملا فنيا لا يكتفي بقيمته الجمالية فقط، بل يترك من خلالها الأسئلة ممتدة عبر هذه الأجيال، ولو بتصور ظريف أحيانا وقادم مما يخلقه العمل من تأمل خيالي يعيش بنا في أقاليم وأمكنة أصبحت قريبة وفي المتناول، حتى أن الفنانين يتخيلان وجوده كمنتج تهرملوني في إحدى الشوارع كجزء من حملة دعائية للتعبير مثلا عن جمالية الخاتم كرمز للأناقة يظهر في صورة بها عصا المقهى الشهير مغموسة في كوب قهوة مليء بالبن ويد مغشاة بطلاء الأظافر.. كل هذا يضيف طقوسية خاصة على المنتج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©