الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوثائق المسربة... هل تضر شرعية «السلطة»؟!

29 يناير 2011 21:44
مع هبوب رياح التغيير على منطقة الشرق الأوسط وتصاعد المشاعر المناهضة للحكومات، يأتي تسريب الوثائق الفلسطينية خلال الأسبوع الماضي، ليقوض السلطة الفلسطينية الضعيفة أصلاً وعلى رأسها عباس. فمع أن الوثائق كشفت تنازلات كبيرة قدمها الجانب الفلسطيني لإسرائيل بشأن القدس واللاجئين والحدود فشلت في تأجيج غضب شعبي واضح ما ولّد حالة من الارتياح لدى السلطة الفلسطينية، فإن ردود الأفعال الخافتة الصادرة عن الفلسطينيين بجميع شرائحهم، بدءاً من صاحب محل البقالة وليس انتهاء برجل الأعمال، تناقض التآكل العميق لشعبية عباس الذي راهن بمشواره السياسي على التفاوض مع إسرائيل. وفيما رحب الغرب بالاستعداد الذي أبداه عباس لتقديم التنازلات التي أشارت إليها الوثائق المسربة، مازال يسعى رئيس السلطة الفلسطينية إلى تعزيز موقفه لدى الرأي العام الفلسطيني والوصول إلى مرتبة سلفه عرفات الذي بنى سمعته كقائد ثوري كافح طويلاً من أجل انتزاع حقوق الفلسطينيين. لكن حتى في حال التوصل إلى اتفاق للسلام فإنه يصعب على عباس إقناع الشعب الفلسطيني بتبني بنوده، وهو ما يعبر عنه "علي أحمد" الذي يملك محلاً للبقالة في رام الله قائلاً: "لم يعطِ أحد اليهود مثلما أعطى عباس، سواء تعلق الأمر بالأرض، أو الحدود، أو الأمن... لقد أعطى الكثير وتخلى عن القضية". ويبدو أن الفلسطينيين بعد عقدين من مباحثات السلام التي فشلت في تحقيق هدف الدولة، ملوا من العملية السلمية، بحيث عبر 27 في المئة فقط من الفلسطينيين عن أملهم في رؤية دولة فلسطينية بعد خمس سنوات، حسب استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للسياسة والبحث في ديسمبر الماضي. هذا التشكيك الفلسطيني في جهود السلام دفع عباس إلى مقاطعة المفاوضات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بعدما رفض هذا الأخير تجميد الاستيطان، لكن فشل السلام لا يخدم مصلحة السلطة الفلسطينية التي راهنت على العملية التفاوضية، في حين يقوي مكانة خصمها "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة. هذا وقد أدى الانقسام الفلسطيني إلى تأخير عقد انتخابات وطنية في الأراضي الفلسطينية، كما أشاع أجواءً من التضييق السياسي الذي أكده 27 في المئة من المستجوبين في الضفة الغربية حسب الاستطلاع نفسه، حيث أعربوا عن ثقتهم في إمكانية التعبير السياسي الحر فيما عبر الباقي عن صعوبة التعبير الحر. ومع أن الوثائق المسربة ركزت فقط على فترة المفاوضات التي انطلقت ابتداء من عام 2008، يرى المراقبون أن ما كشفته تلك الوثائق سيهز من ثقة الفلسطينيين في السلطة، وهو ما يؤكده "سام بحور"، رجل الأعمال والمحلل السياسي الفلسطيني في رام الله، قائلاً: "إن ما كشفته الوثائق سيكون له تداعيات على المدى البعيد، وسيثير تساؤلات حول شرعية السلطة الفلسطينية التي يشكك فيها العديد من الأطراف. وهو ما سيعمق من أزمة الشرعية المتفاقمة". وفي ردودها على الوثائق، ظهر على السلطة الفلسطينية بعض الارتباك والغموض، حيث سارع المسؤولون الفلسطينيون في البداية إلى نفي ما كشفته الوثائق باعتبارها مزورة، لكن الموقف تغير لاحقاً عندما اعترفت السلطة بصدقية الوثائق منتقدة الطريقة التي عُرضت بها والتي "كانت مجتزأة وخارجة عن سياقها". هذا في الوقت الذي هاجم فيه البعض وسائل الإعلام، متهمينها بخدمة أجندات خاصة في المنطقة. وفيما انحاز العديد من الفلسطينيين إلى قادتهم، ورأوا ما جاء في الوثائق مجرد محاولة لإضعاف القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة "فتح"، فإنهم هاجموا سراً السلطة لما قدمته من عروض سخية لإسرائيل دون أن تحصل على مقابل. وفي هذا السياق تقول "دلال سلامة"، النائبة البرلمانية السابقة من حركة "فتح"، وقد جاءت إلى مقر الحركة لحث قادتها على التحدث إلى الناس لمنع ردود فعل سلبية، "إن الرأي العام يفهم الإطار الذي أتت فيه التسريبات، وهو ضرب السلطة الفلسطينية، لكن لا يمكن إنكار التأثير الذي تمارسه الوثائق على الناس". ويخشى المراقبون من أن تؤدي الهوة الشاسعة التي كشفتها الوثائق بين السلطة الفلسطينية بمواقفها المتنازلة وبين الرأي العام المتحفظ على أي تنازلات، إلى عرقلة جهود استئناف المفاوضات والقضاء على فرص العملية السلمية المتعثرة. ورغم استمرار عباس في تصدره استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن شعبيته تفوق 50 في المئة لدى الرأي العام، متجاوزاً رئيس الحكومة المقالة (هنية) بعشر نقاط، فإن عباس لم يكن أبداً رجل الجماهير، هذا فضلاً عن تراجع شعبية "فتح" ذاتها بعد أن أصبحت مقترنة في أعين الفلسطينيين بالفساد. واللافت أن أغلب الفلسطينيين في الضفة الغربية ركزوا في متابعتهم للحدث على الطريقة التي عالجت بها وسائل الإعلام الوثائق المسربة، قائلين إنها طريقة طغى عليها أسلوب الإثارة والتشويه، فيما لم يحظَ مضمون الوثائق بنفس القدر من الاهتمام رغم ما يثيره من أسئلة حول القضايا الجوهرية ذات الحمولة الرمزية الكثيفة؛ مثل القدس الشرقية التي قيل إن المفاوض الفلسطيني مستعد للتنازل عن أحياء فيها، والتخلي عن جزء كبير من اللاجئين الذين لن يعود منهم سوى القليل. جوشوا ميتنيك رام الله ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©