الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من «أدبيات» التمكين في المسألة الإسرائيلية

من «أدبيات» التمكين في المسألة الإسرائيلية
13 نوفمبر 2013 20:38
في مثل هذه الأيام من كل عام تحل ذكرى “وعد بلفور” أو تلك الرسالة التي تحمل تاريخ الثاني من نوفمبر عام 1917، والتي كتبها آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا، وقتها، إلى لورد روتشيلد، رجل الأعمال اليهودي، وفيها أعلن عن تعاطف الحكومة البريطانية مع مسعى إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وكلما حلت الذكرى علينا أن نتذكر أسماء أخرى، لسياسيين وكتاب ومفكرين، كانوا هم أول من مهد للوعد المشؤوم الذي لم يكن سوى خطوة لاحقة لجهود و”أدبيات” سابقة، بدأت قبل أعوام كثيرة سبقت عام 1917. في ميدان “بيكاديلي” الشهير في وسط العاصمة البريطانية، يرتفع نصب يعلوه تمثال بجناحين، وهو أول تمثال يصنع من الألمنيوم تخليداً لأعمال لورد شافيستبري الخيرية، السياسي البريطاني الذي أطلق اسمه أيضاً على أحد أهم شوارع لندن المتفرعة من الميدان نفسه. عرف إيرل أوف شافتسبري (1801 ـ 1885) في التاريخ بأسماء عِدّة: أنتوني آشلي كوبير؛ لورد آشلي، إيرل ولورد Shaftesbury. وُلد في لندن وتلقى تعليمه في هارو ثم في “كنيسة المسيح” في مدينة أوكسفورد.. في عام 1826 أصبح نائباً في مجلس العموم البريطاني عن إقليم “وود ستوك”. وفي عام 1851 دخل مجلس اللوردات. أبدى اهتماماً بقضايا عمالية منذ عام 1832.. لكن اهتماماته الدينية كانت أكثر وضوحاً. كان اللورد شافتسبري واحداً من القوى القيادية الكامنة وراء “جمعية نشر المسيحية بين صفوف اليهود”، مؤمناً بضرورة التنقيب عن آثار فلسطين للتدليل على صدق الكتاب المقدس وصحة ما ورد فيه، كان يطلق على اليهود دائما تعبير “شعب الله القديم”، وقد عمل جاهداً لإعادة اليهود إلى فلسطين باعتبارهم “مفتاح الخطة الإلهية لمجيء المسيح ثانية، والأداة التي من خلالها تتحقق النبوءة التوراتية”. كان شافتسبري يرى اليهود أيضاً باعتبارهم شعباً يمكن توظيفه في خدمة الإمبراطورية الإنجليزية “لأنهم جنس معروف بمهارته الفائقة، ويستطيع أعضاؤه العيش في غبطة وسعادة على أقل شيء فهم ألفوا العذاب عبر العصور الطويلة، وهم، علاوة على هذا، شعب ارتبط ببقعة جغرافية محددة خارج أوروبا هي فلسطين”. وأثناء انعقاد مؤتمر لندن عام 1840، والذي وقع فيه محمد علي حاكم مصر على ما يعرف بـ”معاهدة التهدئة في الشرق”، تقدم شافتسبري بمشروع إلى بالمرستون، وزير خارجية بريطانيا وقتها، “لتوطين اليهود في فلسطين”، أشار فيه إلى أهمية سوريا، وضمنها فلسطين، بالنسبة لإنجلترا. وكان أساس المشروع إنشاء صندوق مالي باسم صندوق استعمار سوريا. كذلك كان شافتسبري أول من نحت وروج للمقولة الاستعمارية المعروفة: “أرض بغير شعب لشعب بلا أرض”. لورانس أوليفانت لم يكن شافتسبري وحده الذي جسد ما يصفه بعض المؤرخين بـ”حمى مساعدة اليهود” التي تفشت في النصف الأول من القرن التاسع عشر، بل شاركه البعض الآخر في تجسيد تلك الحمى، ومن بين هؤلاء لورانس أوليفانت (1829 ـ 1888)، المولود في كيب تاون في جنوب أفريقيا، حيث كان والده النائب العام لهذه المستعمرة البريطانية، عمل سكرتيراً خاصاً للورد جيمس بروس إليجين، الذي كان مديراً للمستعمرات في الخارجية البريطانية وعمل محافظاً لإقليم كندا ونائباً للملك في الهند، كان أوليفانت كثير الرحلات إذ سافر إلى روسيا، كندا، الصين، اليابان، فرنسا، مصر، أميركا، وغيرها.. كما سافر أيضاً، وبطبيعة اهتماماته التوراتية، إلى فلسطين التي زارها أول مرة في عام 1879، وعندما ترك العمل مع اللورد إليجين عاد إليها عام 1884. ومنذ المرة الأولى انشغل بمشروعه الاستعماري لفلسطين الذي لم يكن يختلف عن مشروع صديقه اللورد شافتسبري، وانصب اهتمامه على النصف الشمالي للأراضي المقدسة، بل وذهب إلى القسطنطينية، في محاولة للحصول على فرمان يتيح له استخدام تلك المساحات التي راها مناسبة لإقامة مستعمرات وتوطين عدد كبير من اليهود فيها. في زيارته الثانية، اتخذ من اليهودي “نافتالي هيرتز لمبر” سكرتيراً له، حيث طالت إقامته هو وزوجته، وانشغلا سوياً بتأليف رواية بعنوان غريب هو “سيمبيوماتا” وهي ذات محتوى يتفق النقاد على أنه أكثر غرابة من عنوانها. لـ “أوليفانت” مجموعة أخرى من الروايات وكتب الرحلات، وله أيضاً مشروعه المدعوم بالخرائط لاستعمار فلسطين، فقد كان يرى، مثل بعض السياسيين البريطانيين منذ القرن التاسع عشر، ضرورة إنقاذ الدولة العثمانية من مشكلاتها المستعصية كي تظل حاجزاً صلباً ضد الزحف الروسي، وذلك بـ”إدخال عنصر اقتصادي نشط في الجسد المتهاوي”، جسد رجل أوروبا المريض، وقد وجد أن اليهود هم هذا العنصر، ولذلك دعا بريطانيا إلى تأييد مشروع توطين اليهود لا في فلسطين فحسب، وإنما في الضفة الشرقية للأردن أيضاً. ومع تحديده للخرائط الداعمة لمشروعه دعا كذلك إلى إنشاء شركة استيطانية لتوطين اليهود برعاية بريطانية وبتمويل من خارج بريطانيا، ويكون مركزها أستنبول. كانت بداية تحقيق جهود شاقيتسبري، الصهيونية، حين قامت إنجلترا بافتتاح قنصلية لها في القدس، عام 1838، وهو العام الذي تم فيه تأسيس صندوق اكتشاف فلسطين. ومن بين ملفات أرشيف الوثائق البريطانية، توجد وثيقة تأسيس هذا الصندوق التي تحدد أهدافه والشخصيات البريطانية التي شكلت لجنته العامة العاملة على تحقيق تلك الأهداف تحت رعاية الملكة فيكتوريا. وجاء في هذه الوثيقة أن الصندوق “جمعية تستهدف الدراسة الدقيقة والمنهجية لآثار “فلسطين” وطوبوغرافيتها وجيولوجيتها وجغرافيتها العينية، وطبائع وعادات الأرض المقدسة، بغرض تصوير الكتاب المقدس برعاية: جلالة الملكة”. هنا نلاحظ أن الأهداف الدراسية لهذه الجمعية لم تشر إلى سكان هذه الأرض المقدسة واكتفت بذكر الطوبوغرافيا والجغرافيا والأرض. أطر ونماذج لـ «الحمى» وفي سياق الأطر والنماذج التي تجسد حمى التنظير الديني المسيحي الأوروبي للمسألة اليهودية، نتوقف أمام كتاب نشر في لندن في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ويقدم، حسب عنوانه “ملاحظات حول الوضع الراهن والآفاق المستقبلية لليهود في فلسطين”، ومؤلفه آرثر جورج هاربر هولنغزورث، وهو قس أو كاهن بروتستانتي من منطقة ستوماركت في سافوك شرق بريطانيا، وظل في منصبه كأسقف في ابرشية ستوماركت حتى عام 1845. وقد تضمن هذا الكتاب دعوة مباشرة لبريطانيا لفرض حمايتها على اليهود ومنحهم الامتيازات (1). يبدأ هذا الكتاب بوصف أدبي للأرض المقدسة، ثم يلجأ الكاتب إلى استخدام لغة عنصرية صليبية فجة في وصف لاذع لسكان فلسطين العرب، فيصفهم بـ “البدو الجوالين، واللصوص” وليس لهم بيوت يستقرون فيها، وبدون أي صلات تربطهم بالأرض، ويقول إنه وسط المدن المحطمة والقرى هناك عدد محدود من العائلات المسيحية «غير المتحضرة، وغير العارفين بشكل صحيح لأصولهم ولأي جنس ينتمون»، ثم يأتي إلى الأتراك الحاكمين للبلاد، ويتحدث عن ظلمهم وإرهاقهم للناس بالضرائب. وبعد أن يتحدث عن الأرض الحزينة النادبة بانتظار سكانها يصل إلى «أن اليهود الذين يتزايد عددهم فقراء، يعيشون في المدن المقدسة، القدس والخليل وطبريا، كُنسهم (معابدهم) لا زالت موجودة. وليس لديهم حقوق، وحتى الملاكين منهم فهم عرضة للسرقة من “السكان المحمديين، والضباط الأتراك، والبدو العرب”. ويخلص الكاتب إلى أن المهاجرين اليهود إلى فلسطين “لا يمكنهم بسبب هذه الأوضاع الحصول على تعويض لأموالهم وعملهم فهو يمكن أن يكدح لكن محصوله سيتعرض للسرقة من الآخرين، اللصوص العرب يمكنهم أن يدخلوا ويحملوا ماشيتهم وطيورهم». بالنسبة لهونغورث، وملاحظاته حول الوضع في فلسطين، لم تكن إقامة الدولة اليهودية في فلسطين عملاً إنسانياً وعادلاً بل ضرورة سياسية في الذهن البريطاني لحماية الطريق عبر آسيا الصغرى إلى الهند. وقد لاحظ هذا الأمر هوراس ماير كلن، في كتابه “الصهيونية والسياسة الدولية”، والذي كتب فيه أن فكرة بعث إسرائيل باعتبارها ممكنة التحقيق على صعيد السياسة العملية والمستوى الديني، انتشرت في بريطانيا وفرنسا بين غير اليهود بشكل أوسع وأشد من انتشارها بين اليهود. ومن بين الكتابات الدالة على ما ذهب إليه “كلن”، تأتي كتابات توماس كلارك، أبرز أساتذة التاريخ في جامعة أكسفورد. وبعد كتابه “فلسطين لليهود”، نشر كتاب: “الهند وفلسطين.. أو إعادة اليهود”. وهو الكتاب الذي يعد نموذجاً لذلك التطور الملحوظ للتنظير الديني المسيحي لتوظيف اليهود في خدمة السياسة والأهداف البريطانية (2). في الجزء الأول، والذي يبدو أنه كتبه في عام 1861، يعرف توماس كلارك نفسه كمسيحي وإنجليزي، وأنه ينتمي لأمة ظلت لقرون عدة الحامي والمدافع عن اليهود. ويظهر الكاتب وكأن خطابه المسيحي المتعاطف مع اليهود امتداد لخطاب الحروب الصليبية، متهماً الإسلام بانتهاك الهيكل المقدس. يستهلك الكاتب الصفحات في وصف للبيئة الدولية وبخاصة وضع روسيا وفرنسا ومصالحهما الإقليمية المتعارضة. ويصل في تحليله إلى خلاصة مفادها أن مصالح بريطانيا الإستراتيجية لتأمين طريقها نحو الهند هو في احتلال فلسطين. وكذلك تأمين الجيش اليهودي وإعطائه الفرصة للحصول على، وامتلاك، الأرض. يتحدث عن تقسيم الإمبراطورية العثمانية ونشوء الأمم والقوميات وأن من حق اليهود، قبل غيرهم، المطالبة بحقوقهم. ويؤكد على ضرورة احتلال فلسطين من قبل اليهود وتحت حماية بريطانيا. في الجزء الثاني من كتابه، والمعنون بـ: “الطريق الأقرب إلى الهند”، يلفت صاحب الكتاب الانتباه إلى جانب هام من جوانب المسألة الشرقية، “وتحديداً فيما يتصل بالطريق إلى ممتلكاتنا الآسيوية العظيمة”، ويشرح أهمية هذا الطريق إلى أوروبا، تجارياً وسياسياً، ويقدم قراءة في الإستراتيجية البريطانية تجاه الوضع الدولي في تلك المرحلة والتي تعتبر فرنسا وروسيا الخطر الأكبر على مصالح إنجلترا، وبالتالي فهو يعتبر الدولة العثمانية هي حائط السد... وأن الخط الرئيسي هو تأمين طرق التجارة بحيث يضع اليهود في فلسطين نقطة التأمين الإستراتيجي الأهم لهذا الطريق. كتابات أخرى مبكرة ما سبق ذكره عن كتّاب وكتب وتنظيرات، سابقة للوعد المشؤوم، كانت له أيضاً كتابات لسياسيين وكتّاب من غير اليهود عالجوا في كتاباتهم ما كان يطلق عليه آنذاك المسألة التركية أو المسألة الشرقية، وهي المسألة التي يبدو واضحاً أنها ارتبطت أيضاً بـ”المسألة الإسرائيلية”، وقد أكد هؤلاء على أمرين: ضرورة سيطرة بريطانيا على الشرق الأدنى، وبالتحديد سوريا (وتشمل فلسطين) واستخدام اليهود، أو العبرانيين، في استيطان فلسطين أو سوريا لتثبيت السيطرة البريطانية على المنطقة وحماية طريق الهند. وكان أحد هؤلاء الكولونيل شارلز هنري تشرشل (1814 ـ 1877) وكان من ضباط الحملة البريطانية التي حاربت قوات محمد علي باشا المصرية، بقيادة ابنه إبراهيم، في سوريا عام 1840. وكتب في مقدمة كتابه “جبل لبنان” الصادر عام 1853: “إن كنا نريد الإسراع في تقدم المدنية واردنا توطيد السيادة البريطانية في الشرق فمن الواجب أن تقع سوريا ومصر تحت سيطرتنا ونفوذنا بهذا الشكل أو بذاك”. الدعوة نفسها تبناها المستشرق البريطاني، سير أوستن هنري لايارد (1817 ـ 1894)، عالم آثار، وعضو مجلس العموم في خمسينيات القرن التاسع عشر، وقد أعلن في خطبة له، في إطار معالجته للمسألة التركية: “علينا أن لا ننسى أنه إذا كانت مصر طريقاً من الطرق إلى الهند فسوريا ووادي دجلة والفرات هي الطريق والدولة التي تسيطر على هذين القطرين تتحكم في الهند” (3). في التاسع من فبراير عام 1849، تناولت صحيفة “التايمز” البريطانية بعض اكتشافات لايارد، “المحامي الذي تخصص في الآثار.. والذي تثبت أعماله تطابق الحكاية التوراتية مع الآثار المكتشفة في الأرض المقدسة”. وأوضحت الصحيفة أن لايارد “يرجو أن يتم عمل نظام لتصنيف هذه الاستكشافات في المتحف البريطاني”. وقبل “لا يارد” كان هناك هنري هارت ميلمان (1791 ـ 1868)، مؤلف كتاب “تاريخ اليهود” الصادر في لندن عام 1829(4). وُلد “ميليمان” في لندن، وكان الابن الثالث لسير فرانسيز ميلمان، طبيب الملك جورج الثالث. لمع نجمه كشاعر في عام 1812، وفاز بجوائز أدبية عدة قبل أن يصبح، في عام 1818 كاهن ابرشية “القديسه مارى”. كان من بين أعماله الشعرية قصيدة بعنوان: “سقوط القدس”، وضعها عام 1820، وأخرى بعنوان “شهيد أنطاكية” وألفها عام 1822. تأثر بالشاعر البريطاني لورد بايرون وكان انتخب أستاذاً للشعر في جامعة أوكسفورد عام 1821. وجاءت موسوعته عن تاريخ اليهود التي صدرت طبعتها الأولى عام 1829، في بداية تحوله إلى حقل آخر من حقول النشر.. وكان بهذه الموسوعة أول رجل دين مسيحي يعتبر اليهود قبيلة شرقية معترفاً بشيوخها وأمراء العهد القديم في سرد تأريخي بهدف التوثيق، الأمر الذي عرضه لانتقادات أدت إلى تأخير ترفيعه الكنسي الذي لم يحدث إلا عام 1835، عندما تولى كنيسة سانت مارجريت، ثم ويستمنستر، إلى أن أصبح عميداً لكنيسة سان بول عام 1849. ووقتها كان قد حقق شعبية واحتل مكانة مرموقة. نتوقف أمام المجلد الثالث من موسوعة ميلمان عن تاريخ اليهود، والذي يحتوي على 12 فصلاً اطلق على كل فصل اسم “كتاب”. ويبدأ هذا المجلد بالكتاب السادس وهو عن حصار القدس في العهد الروماني، ثم تتوالى الكتب أو الفصول، عن انتهاء الحرب، عهد الحكماء وبطريركية الغرب واليهودية والمسيحية واليهودية والمحمدية، وما أسماه بالعصرين الذهبي والحديدي لليهود، ثم اليهود في إنجلترا والطرد اليهودي من إسبانيا.. واليهودية المعاصرة. في الفصل الأخير من الكتاب يورد ميلمان أن اليهود تطوروا “ومع أنهم ما زالوا أغنياء إلا أنهم لم يعودوا يشكلون خطراً أو منافسة وأن منهم من تولى مناصب وزراء للمالية” ثم يشرح أحوال وأوضاع اليهود وإعدادهم في بلدان أوروبا في القرنين الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. في معرض حديثه عن اليهودية المعاصرة تطرق المؤلف إلى موضوع الانعزال اليهودي داخل المجتمعات الغربية، و”أن هذا تحول من انعزال ازدرائي إلى انعزال شعب مقدس، ولكنهم في عصر التحولات القومية الكبرى في فرنسا وبروسيا واجهوا الضربة الكبرى بنقد لاذع باعتبارهم جزءاً من منظومة سلطة المقدس وأصل المسيحية، ومن جهته فقد قضى “فريدريك العظيم” في بروسيا، في قانون اصدره في عام 1750 بتقليص أعدادهم إلى الحدود الدنيا وفرض الضرائب والغرامات على الباقين منهم في بروسيا”. وفي موقع آخر من الكتاب يشير “ميليمان” إلى قانون آخر صدر في بريطانيا في عام 1753، لـ “تطبيع حياة اليهود، حيث منحوا الجنسية بعد ثلاث سنوات ولكنهم منعوا من المناصب الحكومية ومع هذا فقد أصيب المجتمع بالفزع من دخولهم مجالات الحياة المختلفة”. وباختصار يمكن استخلاص أهم ما جاء في هذا الكتاب من موسوعة ميلمان في النقاط التالية: أن بقايا الموقف المعادي لليهود في الديانة المسيحية تجلت في القرن الثامن عشر (1700 ـ) عبر سلسلة من الإجراءات العازلة أو الطاردة من المجتمعات الغربية وهو الأمر الذي ساهم في تأسيس الأرضية الدينية والفكرية والسياسية الداعمة لفكرة الغيتوات (الأحياء المغلقة)، وعلى الرغم من التقدم الذي طرأ على وضعهم من الناحية القانونية، بمعنى المساواة، فتح المجالات لهم في السياسة والتجارة، إلا أن عمق الثقافة المسيحية المعادية لليهود ظلت متأصلة، وهذا الوضع شكل من الناحية الدينية لبعض المسيحيين أساس التنظير لفكرة إخراجهم من أوروبا إلى فلسطين. لكن هذه الأفكار الدينية المسيحية لم تتحول إلى تفكير ورؤية سياسية إلا بعد الثورة الصناعية وتوسع ظاهرة الاستعمار الخارجي، وبالتالي بدأت مع مطلع القرن التاسع عشر تظهر الأفكار السياسية الداعية إلى توطينهم في فلسطين في نقطة التقاء استراتيجية لتأمين طرق التجارة مع آسيا، والتي مهدت في نهاية الأمر لوعد بلفور وما تلاه من احتلال، أو انتداب، بريطاني، مهد بسلسلة من قوانين التمكين، لإعلان الدولة الإسرائيلية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©