الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صائد الأحلام.. بصنارة التأمل والانتظار

صائد الأحلام.. بصنارة التأمل والانتظار
13 نوفمبر 2013 20:40
الكون شرفة، والبحر نافذة تطل منها على نجوم الأعماق، هنا في الماء، الموجة كثيب أبيض، ثلجة رغوة الصابون الإلهي، تحدق أنت، وقلبك يهفهف بوريقات اللهفة، في انتظار ما يأتي بعد رفرفة الزعانف، وهزات الحلقة الحلزونية، عند شفة الرمل، داخل نسيج الماء، أنت مثل بوذي في حال الذهول الأبدي، أنت مثلك لا شبيه لك إللاك، وكأنك النجمة التي تلألأت ثم انطفأت في وعاء السكون والتلاشي، أنت المتوائم مع البحر في سطوته ونخوته، وصبوة الموجات الراعشات كأنها الخصلات الغافية على نهد ومهد، أنت الجار المتوحد مع الزرقة الأبدية، الناكص إلى حيث تترعرع الأعشاب الناعمة، عند حواف الميلاد، عند النهر الخالد، لأنثى عازفة على وتر الرعشات المبجلة، أنت المنصهر في الحرقة، المنحدر في الدقة أنت في التاريخ تفاصيل، وصحائف وكتب، أنت الشغب، والسغب، والخصب، والخطب، أنت الأشياء حين تتلاقح في الاتحاد المذهل، أنت المتطور من كائنات ذكية وسخية، وعفيفة وشفيفة، أنت نقطة الالتقاء ما بين النجمة والغيمة، وأنت من الماء زرعت أحلام الأجنة، وأنت اليقين المستبين، في ثنايا اللوعة الإنسانية، حين يكون الشغف من صفات العشاق، وحين يكون التلف من سمات الأشواق، وأنت بين هذا وذاك، جمرة النار في موقد الكواكب المثابرة. رصيف التأمل الكون مثل وجه امرأة، لعينيها سر اللألأة، الشفتان هلالان، عاكفان على تلاوة أشواقها القديمة، وأنت هنا على رصيف التأمل، بالنون والقلم تسطر أحلامك، والقرطاس صفحة الماء ترفع خداً للسماء، وتلبي نشوة الارتقاء، ونشوء الجاثيات على رُكب الرمق الأخير، أنت المزمل بالكامن الرهيب، ومخمل رغباتك يلف لفيف الأحداق الزائفة. بحرك هذا، فجرك، وصدرك، ونحرك، وبقاؤك، ونقاؤك، وصفاؤك، ورجاؤك، وسخاؤك، ونماؤك، وسماؤك، وإلهك، ونبوءة قلبك وفيحاء دربك، وحصاد ما ينزه العرق من عطر الجسد الأبي. أنت هنا، ما بين الثرى والثريا، خيطك وصنارتك، القلب والوريد، وأحلام صبا، وصبابات، وصبوات، وانسكاب الوعي مطراً وسِبراً وصبراً، وأخباراً تتوالى ورداً، تؤكد أن أصل الحكاية غواية، ولا يسقط الشيطان من الحسبان، حتى وإن تورعت الأذهان، واستفاق القلب على نداء المساء أو حتى عفوية الشيخ الهندوسي الجليل. أنت، هنا قبعتك الماء، ونعالك جلد قدم متعجرفة، في تجاويفها المعنى والمغزى، وخطوط زمن تضاريسه تكتب بأقلام التعب. أنت الجسور الغيور، الهصور، أنت المنصوب والمجرور، ثغرك مثل زعنفة ناشفة يبللها الملح، وتأخذك الريح إلى حيث ينساق القارب المعتق بزيت الحوت، المنقش بـ «النو». الكون، أضيق من ثقب إبرة، عندما لا تهتز الشباك، وعندما تعزف الزعانف عن التصفيق، وعندما لا تغازل الشفاة الصغيرة سَمِّ الخياط. الكون، يتساقط كسفاً عندما لا تبادرك السمكات بالمعرفة، وعندما تكون الموجة آزفة تتلو آزفة، وأنت في الخضم ريشة تذروها الرياح. الكون، يا سيدي، كتابه غير كتاب الفلسفة، الكون مثل امرأة، إن جحدت ساورها الظن أنها القدرة الجارفة، وأنت.. أنت ليس إلا بعض الأسئلة تفسدها الإجابات المسترسلة، والسقوف الخضيضة، والأقل من مسافة أنملة.. أنت يا سيدي في أحلامك نقاط ضوء، وأخرى مبتذلة، لأنك حين تعاقر بنت الجان لا يجدر بك أن تهدي ولا تهوى، أنت مثل الجلجلة، في ساعة حشر ونشر، أنت مثل البلبلة في السياسات المسترجلة.. أنت في الأصل من ماء ولجلجلة ولما استوى الماء على الجوري، جاشت بك الروح كما تخفي جل نظرياتك المؤجلة، فحلمت وعلمت بأن البحر أصل الأشواق، وفصل الأحداث، لذلك جاهرت بالعشق، وطوقت الذراع باليراع، وأسهبت في التساقي حتى تساوي الليل والنهار وحتى أتقنت الازدهار، وأيقنت أن للبحر رائحة الجسد، وأن للموجة رعشة الإخفاق، وفي عيون السمك يسكن البريق، ويشتد الحريق، وأنت أنت المستفيق من بُعدٍ فلسفي، ومن تاريخ لو أحصيت عشاقه، لزادوا عن حبات الرمل، وفاقوا صلابة الصخر في تلك الجبال الرمادية. أنت في الأمل، مقلة قلقة يساورها الظن، أن يأتي أو لا يأتي الذي يكمن في القلب، والدرب وسيع سعة الأشواق المحدقة في ثنايا الكائنات. أنت في الأمل، مهجة مثابرة، تقضي مع الماء نشوة الالتصاق، والتعافي بشهقة وافية، تخضك وتهزك وترجك، وتلقي بك على مهد الاسترخاء بعد حومة صارمة، والرشفات من ريق البحر، رضاب ينهي العذابات في ليلة متوجسة، ويفضي بك إلى نهايات قصوى وذروة جازمة. أنت في الأمل، نطفة متدحرجة، في فجوة الكون، ثم في الأحشاء الساخنة تحرك أشياءك المقدسة، تتحرك وتفرك جفون اللهفة، بطلعة بهية، ندية، لا تسخر أبداً من تكوين الأشياء، لا تفتخر ولا تتذمر، لأنك من وعاء الصبر خرجت، من بوتقة الجَلَد انبثقت، من موقد الأحلام طلعت، وطالعت النجوم بتألق ونسق، تناسقت مع حرير الشمس، فحِكت قماشة الأمل، وأسرجت الجياد، باتجاه السماء، ولا شيء يثنيك ولا يغنيك عن ثراء العزيمة المتأصلة، لاشيء يقصيك عن شفة البحر، وحورك الأزلي مع صنارة مشاغبة، وخيط يعتكف في الأعماق، كراهب صلى لله واحتسب، كقديس يرتل أنجيله في الليالي المعتمة، ويخصب الفؤاد بالتلاوات المبجلة.. أنت في الأمل، أنشودة بحرية، لم يشبها غفوة ولا غشاوة، ولا ركاكة لفظ ولا لعثمة لسان. أنت في الأمل جزيرة تؤمها طيور الشوق، وتحتشد في أرجائها أعشاب الزهر والازدهار، أنت في الأمل، يا سيد المقل، طيف وطور، ودور في خفايا الزمن، تحرك وجدانك عافية الصحراء المبهرة. المرأة والماء أنت في الأمل، عين على الماء، وأخرى على امرأة، بللت الخصلات بعرق المواقف المدهشة، وعففت الجديلة، بعد حشرجة الريح تحت الجلد، وبعد القشعريرة الأخيرة.. أنت في الأمل، لحن وفن وشجن، وأنت في الزمن نار وثلج، وصبوة مائدة في قوارير الصفاء، أنت مثل الأنبياء في عزلتك وتلقي النداء، حين يصفو للبحر بال، وتبالغ الصنارة في غرس وجدها في قلب المحتوى، أنت في الأمل أغنية شعبية، لسان حالها يقول: «البارحة يوم الملا رقود باطن حشايا فيه وسواس أبكي على مزموم نهود لها في الخلايا يصير رماس العين دعجا والهدب سود والخد لامع مثل قرطاس» أنت في الأمل، الجذر والبدر، والنوايا السابحات في فضاء الأغنيات. أنت في الأمل، نهر يغسل قماشة الزمن بماء الجسد، ويفرك ساقي أنثى بالماء والبَرَدْ.. ويطهر عشب الأرض بالعذوبة.. أنت في الأمل خضاب امرأة نقش على الراحتين، شهوة الفرح، وأناخ بعير الجسد على لون أشبه بلون الشفق. أنت في الأمل جمال امرأة تاقت إلى الرضوخ، لأجل نخوة، لأجل سنبلة تخرج من برعم الحياة، ولأجل رضوان فحولة، ناهلة من التاريخ فقاعات وزبد.. أنت في الأمل، كأنك الجنين النازل من شرنقة الانتباه، المفصح عن لغو ولغة المسفر عن صرخة الأبد، واحتجاج كوني ضد الضجيج. أنت في الأمل، قهر من دهر، من خديعة أجّجت النيران والأشجان، وأخصبت الأرض بحرمة أكاذيب، ناخت تحت أرجلها الحقيقة. أنت في الأمل، كتبت على الرمل بأصابع القدمين، ما حكته الجدات عن بابا ورياه، وما وشت به الليالي السود من عتمة فاضحة، وما غدرت به الوحشة الضارية.. أنت في الأمل، تصيد أسماكاً في الهواء، وتزرع في البحر غافة الزمن، وتحرث في الماء بحثاً عن جذر نخلة ضائعة في حلقات التاريخ.. أنت في الأمل، تسكب النار على الماء، يحترق البحر، وتفارق الزعانف الأعماق، وتسطو الغيمة على النجمة، ويصطاد القمر بريق عينيك، فتخبو، وينكفئ الوجود في حضنك، وتختبئ جل الطعوم في سجايا الخلق الرفيع.. أنت في الأمل، تزهو يداك، فتبدو الألوان قوس قزح، تناولك السماء رغيف الأمنيات البعيدة، تمد يداً، ترفعها لعلك تملك ما يملكه البحر من ثراء المعاني، ولعل الماء يطهر بعض الرذيلة، لعل الموجة الطائشة تخطف نجمة من شجرة السماء، لعلها تهديك بريقها لتكون أسور اللقاء الأول، وقصيدة لفاتحة قنبلة، تدفئ بها شفتيك، ثم تبلل الأرض بعذوبة اليقين. أنت في الأمل، حفلة ساهرة مع البحر، جمهورك أسماك وخيوط شباك، وصناعة راقصة في جوف الماء، والعزف لريح الشمال. أنت في الأمل، نرجس إلى حد الأنانية، من نسل أو ريب، من فصيلة الذرات المتلاصقة، المتلاحقة، لأجل ميلاد خف في باطن السماء، أو في أحشاء امرأة.. أنت في الأمل، قبلة شافية قد تأتي أو لا تأتي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©