الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحوار بالجراحة

الحوار بالجراحة
13 نوفمبر 2013 20:44
العلاقة مع الآخر، موضوع معرفي حيوي، له دلالات ثقافية متعددة، تتخطى الحيز الفكري?-? بمعنى الهُوية أو الانتماء?-? إلى السياسة والاقتصاد والتنمية عموماً، هكذا كان منذ نشأته الأولى، وعلى وجه الخصوص في المرحلة التي عرفت باسم “الاستشراق” الغربي، وبسبب أهميته الفائقة في عصر “القرية الكونية الصغيرة”، بات يحتل موقعاً متقدماً في جميع مراكز الأبحاث والدراسات الإنسانية، لدى شعوب الأرض قاطبة، وبخاصة منها الأمم التي تدرك بعمق حجم ومدى مصالحها الاستراتيجية، وامتداداتها الإقليمية والدولية على كل المستويات. في هذا السياق يأتي كتاب “مآذن وأبراج” للباحث حمود نوفل، الحائز على جائزة “دبي الثقافية للإبداع” بالمرتبة الأولى عن فئة “الحوار مع الغرب” دورة 2010- 2011، المرفق مع “دبي الثقافية” العدد 91 سبتمبر الماضي. الكتاب يتألف من مقدمة، وأربعة مباحث أو فصول، وخاتمة. يتناول نوفل في المبحث الأول، الذي حمل عنوان “مدخل إلى الدراسة”، دور الحضارة العربية والإسلامية، في عملية المثاقفة أو العلاقة مع الآخر، فلاحظ قدرة الإسلام على الجمع بين ثقافات متعددة، بميزة “أن الاسلام بخلاف سائر الأديان والثقافات، ليس اتجاهاً عقلياً روحياً محضاً (...) وإنما هو فلك ثقافي مستقل في جوهره ونظام اجتماعي واضح الحدود”، مهيأ لإستقبال المدنية “لأن القوانين السماوية التي تحكم كيانه أوجدت لديه قدرة فذة على تمييز النافع من الضار، في الجانب العقائدي الروحي. أما في الجانب الحياتي المادي فإنه غالباً ما يتقبل معظم ما تفتقت عنه الحضارات الأخرى”، ولكن الحضارة العربية والإسلامية، عجزت في القرون الثلاثة الأخيرة عن استيعاب ما يفيدها من الحضارة الغربية، بسبب الوهن والضعف الذي أصابها، ولا زالت الخلافات قائمة حول أسباب عجزها حتى الوقت الراهن. ويرى الكاتب أن “مشكلتنا الثقافية الآن مع الغرب، هي في مدى قدرتنا على أخذ محاسنه وترك مساوئه، وهو ينظر إلينا بوصفنا أعداء من الدرجة الأولى، لا يرضى إلا بتقبلنا كل ماعنده أو معظمه، مقابل التخلي عن ما عندنا، وعلى رأس ذلك كله ديننا الاسلام، وكل ما يتعلق بثقافتنا المغايرة لثقافتهم”. لأن الغرب لا يدرك أن الأسلام هو هُويتنا وثقافتنا، و”أنه الكل الذي لا يتجزأ بالنسبة لنا”، ولأن الاسلام مثّل “منافساً قوياً للغرب حضارة وديناً”. وبضوء ذلك الموقف تبقى العلاقة مأزومة بين الشرق والغرب. يستعرض نوفل المراحل التي مرت بها عملية تكوين الصورة المشوهة للإسلام، بدءاً من القرن الثاني عشر، ما جعلها راسخة في الوعي الغربي، ولم تستطع تفكيكها مرحلة التنوير التي ظهرت خلالها، بعض الأصوات المنصفة للإسلام والمسلمين، حتى لجنة الحوار بين الأديان التي انبثقت عن المجمع الكاثوليكي عام 1965 بمبادرة من البابا المتسامح بولس السادس عشر، ذهبت أدراج الرياح مع سلفه بنديكت، الذي إستهل بابويته باعتبار الإسلام نافياً للعقل. جراحة لابد منها في المبحث الثاني، الذي يحمل عنوان “نحو الحوار” يناقش الكاتب وجهات النظر الداعية إلى الحوار، وتلك المعارضة له، مستعرضاً ما يمكن أن نسميه الفوائد والأضرار بكلا الموقفين، فيخلص إلى نتيجة مفادها، أن الحوار أشبه بعملية جراحية “أي خطأ فيها من المرجح أن يصيب المريض بشلل مستديم، هناك مخاطرتان، وهناك أمل بالنجاة، فإذا كان الجراح بارعاً أنقذ المريض (...) هكذا هو حالنا، لقد أصيب جسدنا بطلق يهدد كيانه”، والحوار هو الجراحة المحفوفة بالمخاطر، ولكن لا بد منها. في المبحث الثالث، يتناول الكاتب، العقبات التي قد تعترض الحوار من الجهتين، فمن الجانب الغربي، يعتقد الكاتب أن أهم المشكلات، تكمن بما يسميه “قوة الثقافة وعنصرية الفكر”، وتعود القوة الثقافية إلى التفوق الحضاري بكل معطياته التقنية والعلمية والاعلامية. اما العنصرية الفكرية فهي تبدأ من عدم اعتراف الكنيسة الكاثوليكية حتى الوقت الراهن بالاسلام كديانة سماوية، إذ لا تعتبره أكثر من “مجرد عقوبة ربانية للمسيحيين العاصين كما رأى ذلك المستشرق الانكليزي هنري بريدو”، أما في الجهة المقابلة فإن أهم المشاكل تكمن، بما يسميه الكاتب “ضبابية الرد وسوء التقدير” أي التفاوت في تصورات المسلمين للغرب، ما يحتم تفاوتا بطبيعة الردود على المواقف الغربية، التي يصل بعضها إلى ما ينافي الاسلام. فضلا عن التخلف في الأدوات والوسائل المعرفية والاعلامية. مقترحا ما يسميه الكاتب “مرتكزات أساسية في قضية الحوار” تقوم على توصيل المفاهيم الصحيحة عن الاسلام والرسول، والرد على الافتراءات الدينية، مثل مقولات “إنتشار الاسلام بالسيف” و”الاسلام دين العنف” و”القرآن ليس بكتاب إلهي” و”الإسلام ينافي العقل والعلم” وغير ذلك من “أفكار مغلوطة عن ثقافتنا”. خطى الأسلاف في المبحث الرابع يبحث الكاتب “طرق الحوار مع الغرب”، ويرى أننا أمام خيارين يتعذر علينا أن نتغافل عن ذكر أحدهما، “إما أن نتلمس أسلوب الغرب يوم أن كان الشرق قوياً (...) فأخذوا خيره المعرفي وأمنوا من تغلغل معتقده بينهم إلى حد ما. وإما أن نتلمس طريق أسلافنا في حوارهم مع الآخرين، صدق في الأفكار ونشر لما تحمله صدورهم من خلاص للعالم دون تغيير أو تبديل”. ويختم المبحث بوضع تصور لكيفية الإعداد والشروع بالحوار المؤهل بالكوادر العلمية والامكانيات المادية للقيام بهذه الخطوة. في الواقع إن الكتاب لم يخرج عن المقولات الإحيائية، التي قال بها التيار الإسلامي منذ نحو قرنين، من دون جدوى لأسباب عدة، ليس أقلها أن العرب والمسلمين عموماً لم يتمكنوا- حتى الوقت الراهن- من الارتقاء بالإسلام إلى ذرى جديدة تليق بدوره، كونه جامعاً للعلوم الدينية والدنيوية، بتعبير علماء المسلمين من السلف الصالح، أو على الأقل “لأن القوانين السماوية التي تحكم كيانه أوجدت لديه قدرة فذة على تمييز النافع من الضار، في الجانب العقائدي الروحي، أما في الجانب الحياتي المادي فإنه غالباً ما يتقبل معظم ما تفتقت عنه الحضارات الأخرى” بتعبير الكاتب الكاتب حمود نوفل. ويمكن لنا أن نتساءل أيضاً، بضوء نتيجة المبحث الأول: هل كانت مشكلة اليابانيين الثقافية مع الغرب وحضارته، هي في مدى قدرتهم على أخذ محاسنه وترك مساوئه، وهو ينظر إليهم بوصفهم أعداء من الدرجة الأولى، بسبب الانتحاريين “الكاميكازيين” الذين قتلوا 4900 بحار أميركي في الحرب الكونية الثانية، ما جعل الغرب الأميركي يدمر اليابان، ويقضي على سكان مدينتين، من أهم المدن اليابانية بالقنابل الذرية؟ وهل يشكل الغرب في الوقت الراهن مشكلة للصين والهند وتركيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، وغيرها من القائمة الطويلة التي دخلت الحداثة من أوسع أبوابها؟!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©