الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مرشد الملك

مرشد الملك
13 نوفمبر 2013 20:45
الشيخ مصطفى المراغي هو أبرز مشايخ الأزهر في القرن العشرين، أثار كثيراً من الجدل بين علماء الأزهر وبين المثقفين والمهتمين بالحركة الوطنية وبالحياة السياسية، له خصوم وأنصار حتى اليوم، على الرغم من أنه رحل عن عالمنا منذ عام 1945، توفي في شهر رمضان، ولا يمكن لدارس يتناول أوضاع مصر أثناء الحرب العالمية الثانية أو قضية الإصلاح في الأزهر من دون أن يتوقف أمام الأمام محمد مصطفى المراغي، وعلى الرغم من هذا فإن الدراسات والكتب عنه قليلة ومحدودة. هناك كتاب أنور الجندي عنه، صدر عام 1952، وكتاب آخر صدر في عام 1957 أصدره نجله أبو الوفا المراغي، ولم يكن كتاباً بالمعنى الدقيق، بل تجميعاً لبعض كتابات وآراء المراغي وبعض ما كتب عنه أثر وفاته، وهذا ما جعل الباحثة الفرنسية فرنسين كوستيه تعد رسالتها للدكتوراه عنه، والتي نوقشت في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس، 10 مارس 2003، وترأس لجنة المناقشة د. محمود عزب مستشار شيخ الأزهر حالياً، وتمت ترجمة الكتاب إلى العربية، وصدر مؤخراً في القاهرة. سيرة ولد الشيخ المراغي عام 1881 بمدينة المراغة في سوهاج بصعيد مصر، وفي العاشرة أتم حفظ القرآن الكريم وتلقي عن أبيه بعض أسس العلوم الدينية ثم ارتحل إلى القاهرة ملتحقاً بالأزهر الشريف، وحصل على العالمية في عام 1904، وكان ترتيبه الأول على زملائه جميعاً، وأن يحصل شاب علي العالمية في هذه السن “23 سنة” يعد حدثاً بالنسبة للأزهر في ذلك الزمان، وتشير المصادر المعاصرة إلى أنه كان متبرماً من طريقة التدريس في الأزهر، وهذا ما دفعه إلى القراءة في مجالات مختلفة، ودفعه إلى أن يواظب على حضور دروس الأستاذ الإمام محمد عبده التي كان يلقيها في الرواق العباسي وكانت تدور حول قضايا التاريخ والاجتماع، وباقتراح من محمد عبده عين المراغي في شهر نوفمبر سنة تخرجه 1904 قاضياً في مدينة دنقلا بالسودان، وفي ديسمبر عام 1906 نقل قاضياً للخرطوم، العاصمة السودانية، وبسبب خلاف مع السكرتير القضائي البريطاني في السودان عاد إلى مصر مستقيلاً، ليعمل في وزارة الأوقاف، ويلقي بعض الدروس في الأزهر، وفي عام 1908 يعود إلى السودان في منصب كبير القضاة هناك، ويظل في هذا الموقع حتى عام 1919 ليعود نهائياً إلى مصر، وفي مايو 1928 عين شيخاً للأزهر بمرسوم من الملك فؤاد، وقدم مشروعه لإصلاح الأزهر، أثناء حكومة الوفد التي أوعزت إلى أنصارها في الأزهر بالتظاهر ضده، وبالفعل هتفوا ضد المراغي. ولم يتمكن الملك فؤاد من الدفاع عنه فتقدم باستقالته في أكتوبر من العام التالي، ليعين عام 1935 من جديد شيخاً للأزهر ويبقى في موقعه حتى وفاته في 21 أغسطس 1945 وتم تشييعه في جنازة رسمية مهيبة. لم يصدر في حياته سوى كتابين وفي دروس الجمعة من رمضان كل عام كان يقوم بمحاولة تفسير بعض آيات القرآن الكريم، وهو في تفسيره كان يسير على نهج أستاذه الإمام محمد عبده فقد كان متأثراً بأستاذه في قضية إصلاح الأزهر وتنقية مناهج وكتب التدريس الأزهرية من كثرة الشروح والهوامش، وفي العقيدة تأثر بكتاب محمد عبده “رسالة التوحيد”، حيث الدعوة إلى التحرر من جدل علماء الكلام، والعودة إلى صفاء العقيدة الأولى، كان من أنصار الانفتاح على العصر وتقديم الإسلام إلى المعاصرين، خاصة في أوروبا، لذا دعا طلاب الأزهر إلى دراسة اللغات الأجنبية لمتابعة ما يكتبه المستشرقون، وفي عهده تم إرسال أول بعثة من طلاب الأزهر إلى الجامعات الأوروبية لإتمام دراساتهم العليا هناك، وحاول ترجمة القرآن الكريم إلى عدد من اللغات الأوروبية، لكن هذا المشروع توقف، حيث هاجمه عدد من علماء الأزهر ورفضوا ترجمة القرآن إلى غير العربية لكن هذا المشروع تحقق فيما بعد وإن كانت الترجمة تحمل عنوان “ترجمة معاني القرآن”. دور الدور السياسي الذي لعبه المراغي هو ما أثار عليه الكثيرين داخل الأزهر وبين القوى السياسية المصرية، كان المراغي على خلاف دائم مع الوفد، ولم يكن قادة الوفد يحبونه، لأنه في تصوره لإصلاح الأزهر رأي أن يكون الجامع العريق مسؤولية الملك مباشرة، وكان الوفد يرى أن تكون المسؤولية لدى الحكومة والبرلمان، ولما سقطت الخلافة العثمانية سعى المراغي مع الساعين لإعادتها على أرض مصر، وأن يكون الملك فؤاد هو الخليفة، ثم حاول ذلك في زمن الملك فاروق وأغضب ذلك منه الأحرار الدستوريين، وكان قريباً منهم وأغضب الوفد، ولكي يكون ملك مصر هو الخليفة، كان لابد من إصلاح الأزهر ليكون ملجأ للمسلمين في العالم كله ويقدم الإسلام إلى الدنيا كلها، وكان هناك تيار من علماء الأزهر يرفض ذلك الدور للمراغي ويراه خطراً على الأزهر الذي يجب أن يهتم بالعلوم الإسلامية والدعوة فقط من دون الدخول في السياسة. كان المراغي يرى أن مصر بحاجة إلى الإنجليز لتحقيق الإصلاح والنهوض، وقد أثار عليه ذلك الكثير من الوطنيين، وكان الإنجليز يحترمونه وقدروا له موقفه أثناء الحرب العالمية الأولى حين وقف ضد الدعوة التي تبنتها الدولة العثمانية في ضرورة الانحياز إلى ألمانيا ودول المحور ضد بريطانيا والحلفاء. كان الملك فاروق يحب المراغي، واعتبره مرشده وملهمه الروحي، خاصة في السنوات الأولى من حكمه، حيث أطلق فاروق لحيته، وكان يصلى الجمعة في المساجد الكبرى بالقاهرة، وكان يتصدق ويقيم الموائد للفقراء، خاصة في رمضان، يعد الملك فاروق المؤسس الفعلي لفكرة موائد الرحمن التي انتشرت في رمضان بمصر خلال العشرين عاماً الأخيرة، ورأى الوفد في دور المراغي إلى جوار الملك عملاً يضر بالديمقراطية، لأنه يخلط ما هو ديني بما هو سياسي. وقد اتهم المراغي بأنه كان يقف ضد المسيحيين فقد تصدى للمبشرين البروتستانت، وكانت هذه التهم سياسية، فقد شهد له الأب قنواتي بأنه كان متسامحاً وشهد له آخرون من رجال الدين المسيحي بسعة الصدر والتسامح. كان المراغي شخصية مهمة سواء في موقعه كشيخ للأزهر أو في الدور السياسي الذي لعبه إلى جوار الملك فاروق، فضلاً عن إصلاحاته الدينية داخل الأزهر وفي المجتمع، حيث كان من الذين شاركوا في وضع قانون الأحوال الشخصية عام 1929 وبسبب ذلك ما زال اسمه ودوره يشغل الباحثين والدارسين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©