الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استنطاق الخطيئة والغفران

استنطاق الخطيئة والغفران
13 نوفمبر 2013 20:52
بين الخطيئة والغفران كمفهوم توزعته الديانات والثقافات بأسرها يتأرجح الإنسان في سعيه الدؤوب للخلاص أو البحث عن ضوء يشير إلى نهاية النفق وبدء المتنفس مع كل إحساس يشعره بثقل الكلمة وعبئها، ومع هذا المفهوم الذي رسخ في أذهان الناس عبر مقروءات ونصوص تناقلتها الأجيال وسارت بها من حبكة إلى أخرى ومن رواية إلى رواية ومن فكرة إلى فكرة، ظلت غالبا إشارة ضمنية لحكايات بدء الخلق وارتباطها بالمرأة خصوصا، فهي في مجمل تلك المرويات الموروثة مرتبطة بالفاكهة المحرمة والغواية والسقوط وصولا إلى المقولة “أجرة الخطيئة هي الموت” وليس نهاية بالشيطان.. هذه الهواجس التي تطايرت أمامي بشكل خاطف وأنا ابدأ بمصافحة أول أعمال الفنانة فاطمة النمر في معرض الخطيئة والغفران، والذي أقيم في مدينة جدة غرب السعودية قبل أيام، ترى كيف يقول الفن كل هذا بطريقته ؟ خصوصا وأن المضمون البصري لا يدخل بنا عادة في كل الإشكاليات بل يكتفي بالإشارة والتلميح والإيحاء الخاطف.. هل تكفي التعبيرية اللونية واختيار أكثر من طقس وعوالم لتقارب هذا المفهوم عن كثب؟ تأخذنا النمر مرة نحو امرأة منكسرة وجريحة تغطي بكفيها على وجهها وكأنما لا تريد أن يراها أحد، ومرة أخرى إلى امرأة حزينة فوق رأسها تلك التفاحة المقضومة الشهيرة في كل الحكايات بينما تعصب المرأة عينيها في إشارة إلى مالا نملك له سوى أن نسلم بمقولات الناس عنه، الرمز ظل حاضرا أكثر من المرموز إليه وأصبح تعميما منذ أول وهلة عندما يكون الحديث عن الخطيئة أو لنقل عن المرأة، فأيهما الرمز وأيهما المعصوب على عينيه من دون أن ير حقيقة الأمر.. نساء كثيرات توزعن في صالة العرض في أكثر من ثمانين لوحة جسدت ذلك الواقع وتلك الأسئلة، مدار كالحوار الطويل بين الإنسان ومفاهيمه التي لم يفكر غالبا في أهميتها وفي مخرجات معطياتها الجاهزة والتي لعبت عليها كل المصالح وخصوصا في المجتمعات الذكورية، ليس ذلك فقط بل كانت سلعة أحيانا تقدم كإعلان تجاري للترويج عن ماركة جديدة أو للفت الانتباه نحو زجاجة عطر أو شيء يمكن استهلاكه، من لوحة إلى أخرى وعوالم اللوحات لا تقول لنا كل شيء بل تترك تلك الفسحة للتأمل، وأن نساهم بوضع اللون الذي يمتزج مع أفكارنا حول هذا المفهوم.. لم تكن النساء، في لوحات النمر، كلهن منكسرات أو جريحات أو ممن تشير لهن أصابع الأفكار الرديئة بل هناك مَن خطيئتها أنها تجسد الغواية شكلا أو إيحاء، وبعبارات مثل: توقف ومغلق، ولا.. يمكن قراءة الدلالات المختلفة التي تشير إلى رفض ذلك التعميم وإسقاط رمزية الخطيئة على المرأة بشكل لا يمكن محاورته، وبالتالي ثمة فسحة للغفران وهو التضاد المقصود في عنوان المعرض تلك الفسحة التي ليست من حق جنس بشري دون الآخر.. كلنا قد نخطئ هذا ما تقوله النمر في لوحاتها وبالتالي لا بد أن نكون جميعا مهيأين للغفران والصفح كمقابل موضوعي تستمر به الحياة بدلا من تكدس المفاهيم المغلقة.. وبحضور يجسد الفنانة أم كلثوم برداء النمر وأخرى لبلقيس الملكة الشهيرة وكأنما النساء في اتحاد تاريخي معلن يصرخن ويرفضن ويردن أن يراهن العالم من منظور آخر.. ومخزون كبير في هذه اللوحات يحاول محاوره كل المفاهيم الرجعية أو التصورات الأحادية التي سيطرت على الكثير من مجالات الثقافة وبالتالي وعي الإنسان ودرجاته المتفاوتة، وأحيانا بيقين قاطع يملكه دون أن يحاول تحريكه أو مساءلته، لذا فاللوحات تنأى أحيانا عن خصوصية المجتمع وتذهب للبحث عن قواسم مشتركة بين الثقافات وهذا مثلا ما يجعل أم كلثوم واقفة هناك تطرح المزيد من الأسئلة.. الخطيئة والغفران الذي اشتغلت عليه فاطمة النمر الاكريلك والكولاج والنص أو العبارات التي تمنح دلالات غير المباشرة ضمن استراتيجية ملونة في كل مرة بما يمنح تصورا تطمح إليه ويمكن قراءتها ضمن هذا المفهوم الخطيئة والغفران.. تلك المفردتان اللتان يفصلهما حرف عطف صغير لكن المسافة طويلة ونسبية أحيانا يصعب تأطيرها ويصعب عدم قراءتها ضمن الأعراف والتقاليد وفضح المغالطات الكامنة في استنطاق هذه القيم المعرفية، وهذا ما جعل النمر تتنقل بحرّية في عوالمها بين المواضيع والسياقات المختلفة والأزمنة المتراكمة متكئة كذلك على استنطاق هذه الثنائيات لتصنع المقاربة الحديثة والنقد والتفسير لكل ما اعتراها في الماضوي وبصنع إحداثيات جديدة لهذه المنطقة الحرجة في حياة البشر..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©