الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المؤمن الحق يثق في خالقه وينتظر اليسر بعد العسر

المؤمن الحق يثق في خالقه وينتظر اليسر بعد العسر
18 نوفمبر 2011 01:41
خلق الله الحياة وجعلها داراً للابتلاءات والمحن، والمؤمن الحق فى مسيرتها إنسان لا ينظر إلى بدايات البلاء وقشوره، إنما يثق فى ربه وخالقه فتراه ينتظر الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، والفسحة بعد الضيق. وأصحاب هذه الصفات هم أصحاب المعالى والهمم العالية الذين وطنوا أنفسهم على احتمال المكاره دون ضجر أو ملل، ومواجهة الأعباء مهما ثقلت بعقل روى، وقلب سليم لا مداخلة فيه لريبة أو شك . والمؤمن بذلك إنسان موفور الثقة بربه وخالقه لا يرتاع لغيوم تظهر فى الأفق، ولو تبعتها غيوم وغيوم، بل يظل متيقناً أن بوادر الصفو لا بد آتية، وأن الصبر مع النصر، وأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا، ولن يغلب أبدا عسر يسرين. طبيعة بشرية وإذا كان الإنسان بحكم ما ركب فيه من طبيعة بشرية يدعو بالشر دعاءه بالخير، فهو يعبر بذلك عن قصور نظرة لديه لا يمكن أن تحيط بعلم الله، ومن ثم يكون كما قال الله تعالى «وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً». وإذا كان المرء تمضى به الحياة بين عسى أن تحبوا، وعسى أن تكرهوا فإن ثقته فى حكمة ربه وخالقه تجعله يقول دائماً«واللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، ومن ثم لن يقع شيء فى ملك الله إلا بعلم الله، ولن يقع شىء فى ملك الله إلا بمراد الله ، كما أن وجود الشر فى الحياة ليس بعجز من الله وإنما وفق فلسفة الابتلاءات والمحن التى قال الحق سبحانه وتعالى عنها ((وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً )) . وقال سبحانه وتعالى عنها ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا)) . ثقة الإنسان ومدار التسليم بذلك كله مرجعه إلى ثقة الإنسان فى حكمة باريه وخالقه إذ يقول لنفسه رضينا بحكمه ثقة فى حكمته، ومرجعه كذلك إلى إيمان الإنسان التام الكامل بأن انفراج الأزمات والشدائد مرهون بمطلق التسليم لله تعالى . ألم يأتك نبأ عن خليل الرحمن وقد أمر بذبح ولده الذى أقر الله به شيخوخته الحانية، فأسلم الوجه والفؤاد لله وكانت جائزة الفداء مقترنة لتسليمه للنداء ، يقول سبحانه ((.فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)) . وهكذا الحال مع كافة رسل الله تعلمنا سيرهم ألا ننظر إلى أوليات نزول الابتلاء ، وإنما يمتد بصرنا لنأخذ العبرة والعظة من النهايات السعيدة التى ختمت بها حياتهم ، وكانت عليها أحوالهم فيوسف عليه السلام يشفق القلب النقى مما درج عليه فى طفولته وفى ريعان شبابه إذ يسرح بك الخيال إلى براءة طفل ألقى حسداً من أخوته فى الجب وغياباته ، وزج به كيداً من امرأة العزيز فى السجن وظلماته ، هذه هى البدايات الحزينة المؤسفة بيد أن الأعمال بخواتيمها ، ومن ثم كانت النهايات السعيدة التى عبر عنها الحق سبحانه وتعالى بقوله »وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ». فمكنه الله من حكم مصر وربوعها وأتم عليه نعمته ، وجمعه مع أهله فى خير حال، ، أترى لو عاش يوسف حياة الطفولة الطبيعية أكان يصل إلى ما وصل إليه ؟ قصة موسى ويأتى موسى عليه السلام فى بنى إسرائيل طفلاً وليداً فتخشى عليه أمه من فرعون وجنوده، وترى نجاته فى إلقائه فى اليم وحيداً ، وتربيته فى بيت عدوه فريدا»وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ« . عندما يقرأ الإنسان ذلك فى صفحات البداية لطفل رضيع يرتاع القلب لحاله ، ويشفق لمآله بيد أن القلب ينشرح لنهاية حالمة حملت له الاصطفاء للنبوة والرسالة ، والعلو والتمكين له ولقومه »وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ،وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ« . وتمضى الحياة بموسى ، فتجمعه الأقدار مع العبد الصالح ( الخضر ) فينظر إلى الظواهر القريبة لحوادث الابتلاء فيما دار بينهما ، بيد أن الخضر بعلمه اللدنى يبصره بالمآلات والمقاصد التى تظهر حكمة الحكيم ، ورحمة الرحيم سبحانه فى الأشياء وإن بدت فى ظاهرها شرا ، بيد أنها تحمل فى رحمها كل خير لدى الرضا والتسليم بها، يقول سبحانه «فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا، قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا، قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا، فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا، وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا». التذكير برحمة الله ومن ثم ورد أن الخضر قال لموسى فى معرض التذكير برحمة الله وفضله عند نزول المحن والبلاء ، يا موسى لقد لمتنى على أننى خرقت السفينة ونسيت أن نجاك ربك وأنت طفل رضيع فى اليم ، ولمتنى أننى قتلت الغلام ونسيت يوم قتلك المصرى ، ولمتنى أننى بنيت الجدار بغير أجر ونسيت أنك سقيت لابنتى شعيب من غير أجر ، يا موسى لا تلومن لئلا تلام . إن الإيمان الصحيح يقوم فى جوهره وحقيقة أمره على بشاشة الروح ، وإعطاء الله الرضا من القلب ثقةً بوعده، ورجاء لما عنده فبالبشاشة والرضا، والثقة والرجاء يكون صحيح الإيمان. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©