الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد الحوسني: حاجات وآمال.. صوت ذوي الاحتياجات الخاصة

محمد الحوسني: حاجات وآمال.. صوت ذوي الاحتياجات الخاصة
22 مارس 2009 02:29
لعل في رفع نتيجة الحوار من الختام وجعلها في المقدمة؛ ما يوفر على القراء الدخول إلى الحوار بقناعة مسبقة وتوقعات غير صائبة! فالاعتقاد أننا أمام مجرد قصة غريبة لشاب كفيف تحدى إعاقته بالعلم والعمل وبالتفوق والتألق حداً يجعله يعمل مذيعاً، هو نصف الحقيقة فقط· أما الحقيقة الكاملة فعساها تتمثل في حوار أشبه بدرس مع معلّم الآمال محمد الحوسني· في عام 1989 هزت أم محمد لأول مرة مهد وليدها الكفيف، واستسلمت لمشيئة الله عازمة أن تمضي حياتها بالوقوف أمام مسؤولياتها كأم لابن لا يبصر، ولم تكن تعلم آنذاك أن ثمة امتحاناً آخر ستخضع له بعد سنوات حين تلد أيضاً ابنة كفيفة· لدى محمد الشاب البالغ 20 عاماً من عمره، 3 أشقاء بينهم أخت أصغر منه، في الصف الأول الإعدادي تشاركه فقدان حاسة البصر، ويشاركها تحمّل صعوبات الحياة التي يزينها لها كونه نموذجاً لتحدي الإعاقة ومثلاً أعلى للمبصرين ناهيك عن المكفوفين· علوم منزلية في طفولته تلقى الحوسني علوماً مهمة قدمتها له والدته وسلحته بها خلال طفولته المبكرة كي يكون إنساناً خلوقاً ومتعلماً، يقول: ''كان دور أهلي كبيراً في بناء شخصيتي· فالوالدة تعبت كثيراً في سبيلي، وخففت عني المعاناة بتحملها قدري، وبنصائحها وكلامها المشجع،وكانت تعلمني الأخلاقيات والسلوكيات إلى جانب تدريسها لي العلوم وشتى الدروس، ولم يكن آنذاك معمولاً بطريقة ''برايل''· كنا نسكن في المنطقة الغربية، ولا تتوفر فيها مراكز احتياجات خاصة، فانتقلنا إلى أبوظبي لأجل دراستي· كان عمري نحو 4 سنوات حين انتسبت لمركز أبوظبي لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، ودرست فيه صفوف الروضة والأول والثاني والثالث· بعدها صدر قرار دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في مدارس التربية، فكنت من الدفعة الأولى التي طبق عليها القرار''· حدث غير متوقع ويشير الحوسني إلى صعوبات تلك المرحلة، ويقول: ''كنت متردداً وخائفاً لأن التجربة في حد ذاتها جديدة لا سابقة لها في الدولة· كما أنه لم يكن هناك تقبّل لفكرة وجودنا بين باقي الطلاب، إذ كان ثمة خوف وقلق من الصعوبات التي يمكن أن تواجههم وكذلك تواجهنا· فمررت في بداية الأمر بعدة صعوبات، لا أنكر أنني كنت مهمَلاً لا يسألني المدرسون ولا يمنحوني فرصة المشاركة والتفاعل خلال الحصة· إلى أنه حدث ما لم يتوقعوه! دخل موجه اللغة الإنجليزية إلى صفنا خلال الحصة وتوجه بأسئلة للتلاميذ، فلم يستطع الإجابة عنها أي أحد، بينما كنت أرفع اصبعي طلباً للمشاركة، وحين أجبت كانت إجابتي صحيحة· نظرة جديدة منذ ذلك الوقت تغيرت النظرة إلى الحوسني، وبدأ التغيير في التعامل معه لأنهم عرفوا إمكانياته واجتهاده، يقول:''ساهم اجتهادي وإتاحة الفرصة لي بالمشاركة في الحصص؛ بتشجيعي أكثر فتفوقت في صفي ونلت في الصف الرابع المركز الرابع· وتم كُسر الجليد بيني والمعلمين، لكن استمرت المشكلة قائمة لبعض الوقت بيني والتلاميذ فهم صغار السن ولا يستوعبون بسهولة وجود تلميذ يختلف عنهم من جهة البصر· ومع مرور الأيام وخوض تجارب معهم ومزيد من الاحتكاك زالت مشكلة التواصل، خاصة حين بادرت بتقصي اهتماماتهم ورغباتهم لأعرف ما الذي يحبونه ويتابعونه ويتحدثون عنه كثيراً! فاكتشفت أن أكثر ما يجمعهم لعبة كرة القدم، فتابعت هذه الرياضة وتعرفت على قوانينها وكيفية لعبها وأهم الأندية التي يذكرونها، وصرت أناقشهم في أداء اللاعبين وأشجع هذا وأنتقد ذاك وفق تعليق ووصف المذيع في الملعب· وأمارس كرة القدم مع أخي لكنني أغير من قوانينها أحياناً لتناسب وضعي إذ أضطر للمسها باليد''· عالم المبصرين ومن هذا الباب دخل الحوسني إلى عالم زملائه المبصرين وبنى معهم علاقات طيبة وصاروا يزورونه في بيته ويزورهم في بيوتهم·· يقول: ''بدأت الصعوبات في المرحلة الإعدادية تخفّ، لكن ظلت بعض الأمور المربكة تحدث، إذ أذكر ذات مرة حاول المدرس أن يبعدني في الحصة الأخيرة من الدوام عن صفي بحجة أن المدير يطلبني، وفي مكتب مدير المدرسة حاولوا تعطيلي كي لا أعود إلى الصف، فانتهى الدوام وعدت إلى منزلي· وحين قامت أمي بتعليمي دروسي اكتشفت أن الحصة الأخيرة كانت قصيدة عن المكفوفين، وأُحرج مني المدرس الذي واجهته في اليوم التالي وأخبرته أنني لا أحزن وأنزعج من كوني كفيفاً فهذه مشيئة الله، وأن التعلم شغلي الشاغل لئلا تكون هناك فوارق علمية بيني وزملائي· فاعتذر مني وشرح لي القصيدة التي أذكر منها قول الشاعر:''اُحس الهواء فهو دليلي···عن يميني أسير أو عن شمالي''· ويستفيض الحوسني شارحاً كيفية تلقيه لعلومه المدرسية، يقول:''كنت أعتمد على الاستماع في الصف، وأنتبه جيداً لشروحات المعلمين فأصواتهم أولى درجات عبوري إلى النجاح وأحضّر دروسي في البيت عن طريق طريقة ''برايل'' لأنني كنت قد تأسست في مركز أبوظبي لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة· وكنت طيلة مراحلي الدراسية أحصل على أحد المراكز الخمسة الأوائل· ونلت عدة جوائز وشهادات تقدير· وعلى الرغم من دراستي في القسم الأدبي، حصلت مراراً على الدرجة النهائية في الفيزياء التي كانت تستهويني''· العصا البيضاء واجه الحوسني أقداره بإرادة وثبات خاصة حين أنهى دراسته الثانوية وفكر في إكمال دراسته، يقول: ''حصلت على الشهادة الثانوية عام 2006 وكنت آمل في دراسة القانون، لكن مشاركتي آنذاك في برنامج إذاعي ''صباح النور'' بعد ترشيح الأستاذة هويدا الهاملي لأتحدث عن ''العصا البيضاء'' باتت ميولي تتجه إلى الإعلام لأنني أحببت الإذاعة ودورها التنويري في المجتمع· فقررت الانتساب لجامعة الإمارات، للدراسة في كلية ''الاتصال الجماهيري'' لكنني اصطدمت برفض الإدارة الحاسم لطلبي الدراسة في قسم الإذاعة والتلفزيون، لاعتقادهم بصعوبة تعاملي مع الكاميرا والميكرفون! فحولوني لدراسة ''العلاقات العامة'' ولم يحُل أي شيء فيما بعد دون تعرفي على أجزاء الكاميرا والميكرفون، والحمد لله جاءهم الرد من برنامج ''حاجات وآمال'' الذي وضّح قدرات وإرادة الإنسان الكفيف، وحقق بعض آمالي''· حاجات وآمال في مطلع هذا العام، خاض الحوسني تجربة جديدة عليه كلياً، بل جديدة على الدولة وعالمنا العربي، تتصل بالإعلام، يقول: ''أخوض الآن تجربة التقديم الإذاعي، وأعمل مع إذاعة القرآن الكريم في تقديم برنامج ''حاجات وآمال'' الذي يقدمه الزميل هلال خليفة وأشاركه التقديم، خاصة فقرة ''ملتقى الكفيف'' وثمة آلية معينة نعتمدها مع المخرج وغرفة الإشراف لتسيير بث البرنامج دون صعوبات، حيث أشير لهم خلال البث بإشارات حركية بأصابعي كل منها تعني أمراً معيناً، سواء التوقف، أو العودة للبث، أو قراءة الرسائل، أو استقبال مكالمات· بينما إشاراتهم لي صوتية بالطبع''· جهد مشترك ويتصف الحوسني بالإيثار وحب التعاون وتقدير العمل الجماعي والاعتراف بمساندة زملاء العمل له لإيمانهم بقدراته وشجاعته، فيلح على وجودهم معه خلال الحوار، وعلى التقاط صور تذكارية، ويعلق ضاحكاً ''صوروني واياهم وعقب بشوف الصور براحتي''·· ثم يضيف قائلاً: ''أعتمد غالباً على تحضيرات معدة البرنامج الأخت فاطمة البلوشي، وأركز على نقاط معينة أناقش بها ضيفي، أو أسئلة محددة أجيب بها على المستمعين الذين لا يصدق معظمهم أن المذيع الحوسني كفيف البصر! والحمد لله يحظى البرنامج بنجاح ومتابعة جيدة نتيجة لجهود زملائي المخرجين والمشرفين عبدالمجيد المرزوقي وعبدالرحمن المرزوقي وكامل طاقم البرنامج''· صوت وصورة ويطمح الحوسني أن يتخرج من الجامعة ويكمل برنامجه ''حاجات وآمال'' وأن يكون صورة مشرفة وصوتا لذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحظون في الدولة بدعم كبير من حكامها الكرام، ويشكر مؤسسة زايد للرعاية الإنسانية الشاملة ومركز أبوظبي لذوي الاحتياجات الخاصة، فبفضل المؤسسة تجاوز صعوبات كونه كفيف البصر· وبفضل والدته تجاوز صعوبات الحياة، فقد كانت عيناه التي يبصر بهما ونور حياته·· يقول: ''لا أعرف الألوان لكن يمكنني إحساسها، فالأحمر بالنسبة لي مرتبط بالدفئ والحرارة والنار· والأخضر مرتبط بالعشب والشجر، والأصفر مرتبط بالرائحة والعطور، والأزرق مرتبط لدي بالبحر والسماء، والأبيض مرتبط بالبرودة نوعاً ما· وأحاول دائماً أن أساعد شقيقتي من خلال تجربتي وأساندها وأزرع بها الأمل، كي تمضي في حياتها نحو النجاح''·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©