الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصر موسى المعماري.. أُقيم على أنقاض قصة حب فاشلة

قصر موسى المعماري.. أُقيم على أنقاض قصة حب فاشلة
22 مارس 2009 02:37
منذ أن كان صغيراً، يسكن وأهله في غرفة بُنيت من الطين، والأحلام الوردية والتطلعات المستقبلية، تراوده في طموح جارف نحو تنفيذ عمل جبار يحمل اسمه، ويدخل التاريخ من خلاله··· منذ طفولته سعى إلى تحقيق إنجاز رسمه على الورق، وأراد أن يبصر النور، في حكاية جميلة مليئة بالعزم والتصميم، حيث أمضى نصف عمره وهو يبنيه قطعة قطعة، وحجر حجر··· إنه موسى المعماري الذي يحمل قصر موسى اسمه في الشوف، ويعد فريدا من نوعه، فلا تذكر اسم هذه المدينة، إلاّ ويرافقها القصر الذي دخل التاريخ الحديث من بابه العريض، نظراً لجودته وعظمته وللفنون المتنوعة به التي ارتبطت بعملية البناء والعمران، وبالأحجار الملونة المختلفة عن الأحجار الاخرى، حيث لكل قطعة لون وشكل· صاحب قصر موسى في الشوف موسى المعماري تحدث عن الفكرة التي راودته منذ طفولته، والتي شغلت تفكيره عن الدراسة وإكمال العلم· قال: منذ صغري وأنا أحلم ببناء قصر عظيم شاهق وفريد من نوعه في العمران والمحتويات والأثاث، فكرة انغمست في عقلي وأنا في سن الطفولة، ولا أدري لماذا كان هذا الهاجس وكأنه ''لعبة'' أتلهى بها، لا تفارق خيالي في ما أنوي وأريد، حتى أنني كنت أقضي الساعات لوحدي، اناجي الاحلام التي تراودني حول هذا القصر العجيب الجميل، والذي جسدته على الورق أولاً، ولا أزال احتفظ بهذه الأوراق والرسوم، لأنها تذكرني ببدايات ما حلمت وتمنيت· علقة ساخنة وكطفل صغير، كان همي بناء هذا القصر، كنت أرسم تخيلاتي على الورق، في خطوط عريضة، وأنهمك في تخطيط لوحة تشكيلية لهذا البناء، حتى أنني كنت أنسى نفسي لساعات طويلة، ولا أعود إلى واقعي إلاّ على صراخ وغضب أستاذ الصف، وتوبيخه المستمر لي بسبب شرودي، ولطالما ''أكلت'' علقة ساخنة من عصاه نتيجة لهذا الإهمال· ويضيف: اعتدت عليه، حتى أنه في إحدى المرات طردني من الصف، بعدما شاهد ورقة تحوي رسماً لقصر كبير، وأظن أن هذه التطلعات الكبيرة على طفل صغير، كانت بسبب حالة الحرمان والقهر التي عشتها وأهلي· وأيضاً كانت حالة رفض من قبلي على وضع الفقر والعوز، وكأنني أهرب من غرفة الطين، إلى قصر أعوض من خلاله الحرمان القاسي الذي واجهته· حققت أحلامي ولا أحد يصدق أن الورقة التي تحمل رسم قصر الاحلام بعد بنائه، خبأتها في علبة بقيت ترافقني زهاء أكثر من ربع قرن إلى أن حققت أحلامي· وقد استغرق بناء القصر أكثر من عشر سنوات، جمعت فيه تراث وتاريخ لبنان، تجد في داخله مجسمات عن حرف لبنان القديمة، والحياة الاجتماعية، عدا الغرف العديدة التي تضم تماثيل لأشخاص لبنانيين في إطار فلكلوري، ترمز إلى القرن التاسع عشر وأوائل القرن الحالي·· وهناك تماثيل ومجسمات لاحتفالات الدبكة اللبنانية، والعمل القروي، ومنه: طحن الحبوب بواسطة الجاروشة، وعازف الناي يطرب الجالسين، وشراب الماء لم يكن بالكوب بل كان بواسطة إبريق الفخار، وخياطة الاثواب وخبز المرقوق على الصاج، وصانع القهوة العربية أي المهباج، بالإضافة إلى مجموعة من الأسلحة القديمة من العصر العثماني حتى الانتداب الفرنسي للبنان، وتعد هذه المجموعة من أكبر المجموعات بالشرق الاوسط، وتبلغ (16) ألف قطعة سلاح· علمتني الحياة وسطرت بعض الكلمات في إحدى ممرات القلعة، وكتبت على إحدى اللوحات: ''علمتني الحياة أن هذا العالم لن يتوقف عن استمراره بعد موتي· كما أن الأرض لن تحجم عن دورانها، والشمس لن تكف عن شروقها وغروبها''· واليوم تجاوزت سن الـ ،76 وأجد متعة في استقبال الزوار والسياح، فهذا المشهد يعيدني إلى عمر الصبا، وأحمد الله على الإعجاب الذي يبديه زوار القصر، وهذا ما ينسيني التعب والجهد والصبر الذي بذلته حتى اكتمل هذا الحلم، لا يتصور أحد مدى سروري وفرحي عندما أتواجد على مدخل القصر·· عند بوابته حيث أحكي قصته لكل زائر، وقد ألفت كتاباً عنه بعدما أصبح قصر موسى من أشهر معالم لبنان· ضرب جنون وبعيدا عن الفقر وغرفة الطين، أحببت في صغري فتاة كانت تمثل لي الدنيا كلها، وأنا كأي شاب يافع تعلقت بها كثيراً، لكنها لم تتحمل فقري ووضعي، بل كانت هذه الحبيبة تحلم مثل أي فتاة بالقصور والذهب والمال الوفير، وبسبب وضعي التعيس، تركتني وذهبت مع فارس الأحلام الذي أنعم الله عليه بالذهب والنقود، وهذا ما ولد عندي الحرقة والجرح، فضاقت بي الدنيا حزناً وتعاسة، فقررت أن يكون لي قصر أجمل من قصور الملوك والسلاطين، وهذه الأمنية نقلتها إلى أهلي وأصحابي الذين أشفقوا عليّ، واعتبروا هذا العمل ''ضرب جنون''، فلم أرضخ للصعاب والعراقيل، فبدأت بالبناء قطعة قطعة، وكنت كل مدة أضع لبنة جديدة من الحلم، فاستخدمت أروع الحجر والرسم من دون مساعدة أحد لفترة تزيد عن الـ 15 سنة، وهكذا بدأ مشروع حياتي·
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©