الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحلام الفستان الأبيض

أحلام الفستان الأبيض
14 نوفمبر 2013 20:55
الحلم الطبيعي لكل فتاة بعد أن تنتهي من التعليم وتحصل على الشهادة، ارتداء الفستان الأبيض وتتزوج وتستقل ببيتها الخاص مع زوجها، وهكذا كان الحلم يراودني، لكن في صمت شديد، فلم أنطق «ببنت شفة» من هذا مع أي شخص حتى مع صديقاتي المقربات، إلى أن وجدت جارتنا صديقة أمي ترشح لي شاباً من أقاربها لا نعرفه بالطبع، قالت: إنه يعمل محاسباً في شركة كبرى تابعة للقطاع الخاص ويحصل على راتب كبير ولديه شقة في منطقة جديدة، فوافقت مبدئياً ووافقت أسرتي وتم الاتفاق على أن نلتقي في بيت الأسرة لقاء التعارف الأول. أسرة محافظة وجاء يحمل بعض الهدايا التقليدية في مثل هذه المناسبات، وكانت أمي قد أعدت المشروبات وبعض الحلوى، وبدأ التعارف بينه وبين أبي وقدم نفسه بأنه من أسرة محافظة وأنه سيقيم في مسكنه المستقل فور الزواج، والآن يقيم مع أبيه وأمه وإخوته الثلاثة، وهم ولدان وبنت، في مراحل التعليم المختلفة، وأنه يعتمد على راتبه في تجهيز بيت الزوجية بمساعدة من أبيه وأمه، حيث إن حالتهم ميسورة فأبوه يعمل بجانب وظيفته، في تجارة قطع غيار السيارات، وكانت آخر كلمات أبي معه، أنه موافق، لكن الكلمة الأخيرة لي وأنني صاحبة القرار، فهذا الأمر يخصني أولًا وأخيراً، وتلك حياتي ويجب أن أختار شريكي فيها بمحض إرادتي وبلا تدخل من أحد، أما أمي فهي موافقة من غير أن تعرف عنه أي معلومات، فكل ما يهمها أن أتزوج ومنذ انتهيت من دراستي قبل ثلاث سنوات جعلت مسألة زواجي قضيتها الكبرى، ومثل كل أم تتمنى أن تتزوج ابنتها بأقصى سرعة، ولكن يؤخذ عليها التعجل ولا تريد أن تتأنى وتعرف من هذا الذي سيكون زوجا لابنتها، ولم تهتم بظروفه ولا بأخلاقياته، وهذا ما كنا جميعاً نختلف فيه معها. الانطباع الأول وجلست معه لنتعارف بشكل مباشر، وكرر لي ما قاله لأبي وعرفت كل ظروفه، ووجدت قبولًا لأسلوبه وشخصيته، فهو بسيط وطموح ويحب أن يعتمد على نفسه، وبسرعة كان الانطباع الأول إيجابيا، فبدأت أجيب عن تساؤلاته، وقد أخبرته أنني طبيبة تحاليل وأعمل في معمل مشهور وراتبي منه جيد، واستطعت خلال السنوات الثلاث الماضية منذ تخرجت وعملت أن أشتري سيارة جديدة، وأيضاً ادخرت مبلغا لا بأس به، وكان هناك توافق بيننا وارتياح في هذا اللقاء وكذلك تشابه في ظروفنا، حتى إنه أبدى إعجابه بي، وأصر على أن يسمع رأيي مباشرة، فأخبرته بأنني موافقة من حيث المبدأ. شعرت بالسعادة بعد هذه الخطوة وقبل أن تطلق أمي زغرودة نذرتها من قبل، سمعت صوت تصادم كبير في الشارع فهرول الجميع إلى النافذة لاستكشاف الأمر فوجدوا أن سيارة نقل ثقيل قد صدمت سيارتي المتوقفة في الشارع وحولتها إلى قطعة خردة قديمة، شعرت كأن التصادم حدث لي وأنا داخل السيارة فقد تأثرت وقضت الواقعة على فرحتي الأولى، واعتذر مغادراً واعتذرت له عن موقف لا دخل لنا فيه لا أنا ولا هو، لكنه ارتبط بهذه المناسبة بشكل سيئ ارتباطا وثيقا فلا يذكر يوم الخطوبة أو نتذكره إلا وذكرنا وتذكرنا الحادث الذي دمرت فيه سيارتي الجديدة التي اعتدتها وأحببتها حتى إنني قررت بالمبلغ الذي أدخره أن أشتري نفس الماركة والموديل واللون الأحمر الذي أفضله لأشعر بأن سيارتي مازالت معي ولم أفتقدها. الاتفاق وحتى ننسى هذا الموقف المؤثر تم تحديد موعد ليأتي هو وأسرته لقراءة الفاتحة والتعارف والاتفاق، وقد بالغت أمي في كرمها معهم وأحببت أنا أخته الصغيرة لأني ليس لي أخوات بنات، وإن كانت هناك بعض الخلافات البسيطة أثناء التفاوض على الأثاث والأجهزة الكهربائية وما سيتحمله كل طرف، إلا أنه تم القفز فوقها وتفاديها بعد أن تنازل كل طرف عن تصلبه وتقاربت وجهات النظر، وفي نفس الجلسة تم تحديد موعد إعلان الخطوبة رسمياً في حفل بأحد الأندية المعروفة على أن يتحمل أبي تكاليفه كاملة، ثم يتحمل والد العريس تكاليف حفل الزفاف. استعدت أسرتي وقام أبي بحجز قاعة فاخرة في النادي ووجه الدعوات لأقاربنا وأصدقائنا وقدم مثلها لوالد زوجي ليدعو من يريد من جانبه، واشتريت فستاناً أنيقاً جميلاً بعد أن اطلعت على المجلات المتخصصة في الأزياء وآخر صيحات الموضة واستشرت صديقاتي، وقضيت ليلتي أحلم بين النوم واليقظة بهذا الحفل وأتخيل ما سيحدث فيه جالسة بجوار خطيبي ومن حولي كل الأهل والأصدقاء والجيران، وغفوت في الصباح الباكر بعد التعب والتفكير، ولكنني استيقظت على صوت هرج ومرج في غرفة أمي وهرولت مفزوعة مسرعة فوجدتها في غيبوبة وقمنا فوراً بنقلها إلى المستشفى وتم إدخالها غرفة العناية المركزة وأخبرنا الأطباء بأنها أصيبت بأزمة قلبية وحالتها حرجة، وبعد ساعتين جاءونا بالنبأ الحزين، لقد توفيت أمي وفارقت الحياة. أغلى الحبايب الجمع الكبير من المدعوين وغيرهم، تبدلت وجهتهم من حفل الخطوبة في النادي إلى المستشفى ثم إلى المقابر لتوديع أغلى الحبايب، وفي المساء في العزاء، اتشحت بملابس الحداد والسواد بدلاً من فستان الفرح، وحل الحزن بدلا من السعادة والفرحة، وما أقسى ما حدث لأنه يأتي أيضا مع مناسبة كنت أنتظرها وأتمناها، وها هي ترتبط بالذاكرة ارتباطاً وثيقاً ولا يمكن أن تمحوها الأيام، وكان من الطبيعي أن نلغي كل شيء وتأجل الحديث عن الزواج وأغلق لمدة عام كامل حتى بدأ الذين من حولنا يتحدثون عن ضرورة الخروج من هذه الأجواء ويجب ألا تتوقف الحياة، ووافق أبي على ذلك وكان الشرط أن يكون حفل العرس بسيطاً بلا احتفال ويقتصر الحضور على الأهل المقربين. اشتريت فستاناً عادياً لم أهتم به كما اهتممت بفستان الخطوبة، المخاوف تحيط بي والأفكار تلعب برأسي، أخشى أن يقع ما يعكر الصفو بعد هاتين الحادثتين، تحطم سيارتي يوم التعارف ووفاة أمي يوم الخطوبة، أخاف أن ترتبط الكوارث عندي بالمناسبات السعيدة لتفسدها، وكانت ليلتي طويلة وأنا أستعيد كل ما حدث وفي كل لحظة تمر تزداد مخاوفي، وفي نفس الوقت أحمد الله أنها مرت، حتى كانت الظهيرة وأنا أعد ملابس الزفاف فسمعت صراخاً وعويلاً من شقة جيراننا، وأسرعنا لنجد دخانا كثيفا في شقتهم وقد أمسكت النيران بكل محتوياتها، وشارك كل الحضور والسكان في إطفاء الحريق لكنهم فشلوا في السيطرة على ألسنة اللهب حتى وصلت إلى شقتنا والتهمت المطبخ ومحتوياته كاملة، وليس المهم هنا الخسائر المادية وإنما الأثر النفسي والخسائر المعنوية، فحتى الحفل البسيط تم إلغاؤه وكادت الزيجة تتأجل لكن أبي وخطيبي قررا أن تتم ولا داعي للتأجيل، ويجب أن نرتفع ونقفز فوق الأحداث ونتخطاها، وما لا يمكن أن أنساه أنني كنت فعلاً محقة في مخاوفي، لكن الأسوأ أنني أصبحت أخشى المناسبات السعيدة لا الأحداث الأخرى في الحياة. الحالة المزاجية انتقلت إلى بيت زوجي وإلى عش الزوجية كأنني مكرهة على تلك الزيجة فلا يخفى أثر ما حدث على وجهي، فظلال ما وقع كل هذه الفترة مرسوم على ملامحي، وهم ينقلونني بسيارة خالية من الزينة، كما لو كنت أرملة أو مطلقة أتزوج للمرة الثانية أو الثالثة، وبالطبع لم يخف ذلك على خطيبي الذي قرر أن يخرجني من هذه الأجواء وقال: إنه لا يجب أن تكون ليلة العمر بهذا الشكل وأجرى اتصالات من وراء ظهري ورتب لنا عشاء في مطعم مشهور على ظهر باخرة بحرية، استطاع بذلك أن يخرجني بعض الشيء من تلك الحالة المزاجية. أول يوم زواج مر بسلام حتى اتصل بي أبي واخبرني انه في الطريق إلينا ليقدم لنا التهاني، وحضر محملاً بالفواكه والحلوى والأطعمة، لكن “يا فرحة ما تمت” فقد سقط على الدرج أثناء صعوده السلم، وكسرت ساقه، وخرجت أنا وزوجي لننقله إلى المستشفى وكانت المفاجأة بعد إجراء أشعة وفحوصات وتحاليل أنه مصاب بالسكري، مع أنه كان يتمتع بصحة وعافية ولا يشكو من أي مرض، وقرر الأطباء أن علاجه سيستغرق وقتاً طويلاً قد يصل إلى عدة أشهر، ويبدو أن المصائب لا تأتي فرادى وتجمعت كلها فوق رأسي منذ اللحظة الأولى التي تم فيها الحديث عن الخطوبة والزواج. أول مشكلة خلال شهر العسل أو الشهر الأول للزواج والذي من المفترض أن يكون كذلك، انشغلت كل يوم تقربياً بالذهاب إلى أبي في المستشفى ورعاية إخوتي الصغار، وقليلاً ما كان لدي وقت لاستقبال المهنئين، حتى ألحت صديقة عمري على الحضور هي وزوجها في المساء، وأتيا وقضينا وقتاً لا بأس به حاولا خلاله أن يجعلاني أنسى بعضاً من همومي، ولكن هذين الزوجين المحبين المستقرين منذ أربع سنوات حدثت بينهما أول مشكلة وأول خلاف قبل ان ينتهيا من زيارتي وخرجا من عندي غاضبين وقام بتوصيلها إلى بيت أبيها ووصل الأمر بينهما إلى الطلاق. لم يكن لهذا كله أن يمر مرور الكرام، تحدث كل من يعرفوننا عن تلك الحوادث والأحداث، واعتبروا أن زوجي هو “وش النحس” في كل ذلك لأنه منذ أن أطل علينا وأنا أخرج من مصيبة لأدخل أخرى، حتى بدأت أتعامل مع ذلك بجدية، وأرصد ما يقع معي فما من يوم أقوم فيه بتوصيله إلى عمله بسيارتي حتى تتعرض للتعطل أو يحرر لي رجال المرور عدة مخالفات، وفي أحسن الأحوال يكون الطريق مزدحماً ومتوقفاً، أما الطامة الكبرى فقد تم الاستغناء عني من عملي وأصبحت متعطلة عن العمل، وأيقنت أن هذا كله لم يكن صدفة وأن زوجي وراء ذلك مع أنني أشهد أنه زوج مثالي ولم يغضبني يوماً ويعوضني عن فقد أمي وغياب أبي. الحقيقة أنني أفكر في الطلاق لأنني لا أتحمل المزيد من المصائب، لكن لا أدري إن كنت منصفة في هذا القرار أم سأظلمه وأظلم نفسي؟.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©