الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«البصيرة» فيلم إماراتي محوره إنسان يهزم اليأس

«البصيرة» فيلم إماراتي محوره إنسان يهزم اليأس
18 نوفمبر 2011 23:05
تشهد السينما الإماراتية تطوراً نوعياً لا تخطئه العين المتابعة، ثمة إقبال واضح من السينمائيين المواطنين نحو رصد العديد من الظواهر الاستثنائية التي تشهدها الدولة على مختلف الصعد، وإن كان للجغرافيا وتداعياتها من أمكنة ومطارح ووظائف نصيب كبير من هذا الاهتمام، فإن للفرد الإماراتي حصته كذلك، دائماً ثمة عين يقظة مستنفرة ترصد أعمال المبدع الحقيقي الذي يدرك جيداً مقدار كون التمرد المدروس والمقونن على قواعد الزمن وشروطه إحدى السمات المفصلية التي يجدر بمنجزه النقي أن يتصف بها، والتجربة الإماراتية في مجال الفن السابع لم تكن يوماً خارج إطار هذا الإدراك الجوهري. من بين العلامات الفائقــة التوهـج في سياق الحراك الســينمائي الإماراتي الحالي، يمكن التوقف عند فيلم “البصــيرة” الذي تعاون على إخراجه كل من أحمد زين وناصـر اليعقــوبي. وهو يتناول شــخصية إماراتية فائقــة التمايز بقـدر ماهي بالغة العادية، كما يقــارب حدثاً زمنياً مثيراً للدهشـة بالرغـم من كـونه متاخـماً للمألوف. وعن السبب الذي جعل اثنين من المخرجـين يتوليان مهمة إنجاز فيلم واحد يقول أحمد زين: لم تكن المهمة سهلة، وتعين على الكثير من المشـاهد أن تكون في عرض البحر، والأهم أننا كنا نتعامل مع شخصية استثنائية في طبيعتها وشروط أدائها، لذلك كان لابد من وجود شخصين يديران أجهزة التصوير، ويحرصان على أن لا تفلت منهما شاردة أو واردة، وهي تجربة مثيرة للاهتمام وجديرة بالتقييم الجدي، خاصة إذا كان الهدف هو الخروج بعمل مميز، وليس الاكتفاء بإضافة بند جديد إلى السيرة المهنية الفردية. ضوء في العتمة يتمحور فيلم “البصيرة”، كما يقول زين، حول شخصية المواطن محمد الحسـيني من إمارة رأس الخيمة، وفيها تدور أحداثه، أما السبب الذي جعل الرجل شخصية سينمائية مثيرة ومحط اهتمام الكاميرات، فهي كونه فاقداً لنعمة البصر، ومسـتعيضاً عنها بمنحة البصيرة، في حال مماثلة ثمة إحدى حالتين يمكن للخاضع للامتحان الرباني أن يتمثلهما، حيث بوسعه أن يكون في موقع المستدر للشفقة، أو المثير للدهشة، وقد تبنى الحسيني الخيار الثاني، فحق له أن يستقطب الضوء الذي ضنت به عليه صروف الدهر.. صديق البحر يتوسع محدثنا شارحاً ملابسات الموقف: شخصيتنا السينمائية رجل في منتصف العقد السادس من عمره، ما يعني أنه نشأ في ظروف ما قبل الطفرة النفطية، وكان عليه، كشأن أقرانه وأبناء جيله، أن يحصل عيشه من أحشاء البحر الذي طالما كان ملاذ الإماراتيين وملفى ظنونهم، ومحط خيباتهم أيضاً، باكراً شد الحسيني رحاله نحو الأزرق الكبير، يساعد والده على التقاط الرزق من شباك اتقنت أنامل معروقة بالجهد، ومطعمة بالصبر، حياكتها في أمسيات هادئة، حالمة. أحياناً كان الفتى يغوص في أعماق المحيط باحثاً عن أحلام لؤلؤية الملامح، وذات لحظات نادرة كان يصحو من حلمه البحري ذاك على همس محارة تخبئ بعضاً من حظوظه مع الرزق بين حناياها الصلدة.. يضيف المخرج: سارت الأيام بمحمد الحسيني، متأرجحة بين عسر ويسر، ابتسمت له يوماً فمنحته الزوجة المحبة والأبناء الصالحين، وتجهمت أياماً فجعلته في مواجهة الصعاب والمخاطر، أما المرحلة الحاسمة في قسوتها فحلت يوم فقد الرجل قدرته على الإبصار جراء خلل بيولوجي تفاقم مع الزمن. لعبة الدهشة عند هذه اللحظة المفصلية ظن المحيطون به أن رحلة محمد مع البحر ووعود الماء قد انتهت، وأنه صار عليه أن ينكفئ نحو دواخله التي غدت أكثر وضوحاً من محيط خارجي اتشح بظلام دامس، من عمق تلك الهوة السوداء التي ابتسمت لمحمد، بؤرة غامضة من بؤر الضوء التي تدهش بها الأزمان عابريها في غفلة محببة، بجرأة لا يتقنها سوى المباغتون من أبناء الحياة الذين يملكون خاصية المبادهة، ويبرعون في إثارة الكثير من دوائر الدهشة في مياه الحياة الراكدة، أبناء البحر هم، ولا يسعهم التنكر لأصولهم المنطوية على الكثير من ابتكارات المفاجأة. ويتذكر المتابعون ليوميات محمد الحسيني جيداً ذلك اليوم حين قرر بعد الإنتهاء من صلاة الظهر أن يجهز نفسه لرحلة صيد بحري، كان قد استوعب واقعه الجديد، وأدرك أن عليه متابعة سيره دون بصر يساعده على تلمس معالم الدرب أمامه، لكنه بالمقابل بدأ واثقاً من أن لديه من البصيرة ما يكفيه لإكمال المشوار. جهز بمعونة اثنين من معاونيه مركب الصيد وانطلق نحو العمق مجدداً، كان عليه أن يعيد تكييف حواسه المتراجعة مع معطيات مكان فائق الرحابة لطالما شكل جزءاً حيوياً من ذاكرتها.. هي الجولة الأولى في معركة استعادة الذات من براثن العدم الزاحف، جولة أمكن لتوصيف حيادي أنجزه المحيطون أن يشير إلى انتصار حاسم تمكن الرجل الضرير من تحقيقه خلالها، ومثل هذه الانتصارات لا تأتي منفردة عادة، بل هي تكون غالباً فاتحة زمن جديد عنوانه الأبرز تخطي العراقيل، والقفز فوق حواجز العجز وانعدام الفاعلية، كان التواصل المتجدد مع البحر هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام محمد ليثبت لنفسه أولاً ولعارفيه تالياً، ولنا جميعاً استطراداً، أن العزيمة الصادقة هي المعيار الفاصل بين الاستمرار وبين الاستكانة لصروف الدهر.. اعتماداً على المراس والصبر يقول المخرج أحمد زين عن هذه الحكاية المعبرة: رأينا أنها تستحق التوثيق والتعميم، ليس فقط لما تستبطنه من عبر، وإنما في الأساس لما تقدمه من دلالات لا تتيحها سـوى التجارب الحياتية المعاشة، هكذا قررنا استنطاق التجربة المميزة حتى أبعادها القصوى، سعينا لترجمة تلك المشاعر المتأججة في دواخل الرجل، التي دفعته لتحمل مخاطر محدقة وأكيدة في إطار تحقيق توازنه النفسي. كما حاولنا اكتشاف مكامن القوة في الذات البشرية التي تتيح بلوغ ما يبدو مستحيلاً في أحايين كثيرة، وسلطنا ما تيسر لنا من أضواء كاشفة على الذات البشرية الشغوفة بتأكيد فعاليتها خاصة في لحظات الانكسار. وكما هناك نقاط ضعف في دواخلنا، هناك أيضاً بواعث قوة لا يصعب استخراجها اعتماداً على المراس والصبر، حيث أمكن لمحمد الحسيني الذي اعتاد استخراج الرزق من أعماق البحر أن ينتشل عوامل الثقة من جوف الذات المتراكم فيها كثير من عوامل الإحباط، هكذا يفعل الصيادون المتمكنون عادة.
المصدر: أبوطبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©