الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صناعة العنف في الصومال

18 نوفمبر 2011 23:02
الشخص الوحيد الذي أبدى تعاطفاً، أو لنقل كلمة طيبة، مع طفل صومالي وحيد يدعى عبدي عندما قُتل والداه في هجوم بقذيفة هو صديق للعائلة يدعى عبدالفضيل. فالرجل اشترى للولد ذي الـ13 ربيعاً لحماً وحليب نوق، ثم أرسله إلى معسكر تدريب ليصبح انتحاريّاً. فقد كان عبدالفضيل قائداً لتنظيم الشباب الإسلامي المقاتل في العاصمة الصومالية مقديشو، وقال للولد إن المسيحيين قتلوا والديه، وحثه برفقة مقاتلين آخرين من الشباب على الثأر لمقتل والديه. ويقول عبدي، وهو ولد أخرق نحيل ذو عينين مدورتين جاحظتين ويرتدي ملابس مهترئة وقصيرة: "كنت أريد القيام بذلك". كان ملقيّاً على فراش رقيق في المعسكر في جنوب الصومال العام الماضي، وكان الشوق لوالديه قويّاً إلى درجة تؤلم. كان يتوق إلى أحد يحبه ويحميه. ويقول عبدي، الذي لن نستعمل اسمه العائلي خوفاً على سلامته: "كنت أستيقظ في الصباح وأفكر في والدي وأتذكر أنني وحيد"، مضيفاً "ذلك هو أول شيء كنت أفكر فيه كل يوم". ولكن كان لديه رفيق دائم إذ يقول: "الموت كان دائماً حاضراً... فقد كنت دائماً أخاف من الموت، وكنت دائماً أفكر "متى سأموت؟". اليوم يبلغ عبدي 14 عاماً، وقد فر من المعسكر ويعيش حاليّاً في حي إيستليه في نيروبي، وهو منطقة تعج بالمهاجرين الصوماليين حيث يدفع الأولاد الغارقة أرجلهم عميقاً في الوحل عربات ثقيلة في أزقة ضيقة تصطف على طولها أكشاك ودكاكين صغيرة تبيع الحليب والأرز والمعجنات. وهو مضطر لاقتسام فراش في غرفة صغيرة مع مستأجر آخر، إذ عندما يذهب هذا الأخير إلى العمل خلال النهار، يستطيع عبدي أخيراً النوم. وفي الليل، يتسكع في الشوارع ويتسول الطعام أو النقود. إن مثل عبدي هو أسوأ كوابيس كينيا اليوم: انتحاري مدرب في قلب العاصمة، وأمي يشعر بالتهميش والإقصاء، وجائع يشعر باليأس والقنوط. والواقع أن هناك شريحة من الشباب مثله في هذا البلد، يافعون جاهزون للموت في أيدي رجال الدين المتطرفين. احتمالات العنف ازدادت بشكل كبير الشهر الماضي عندما دخلت كينيا، التي لم يسبق لها أن غزت بلداً آخر من قبل، إلى الصومال من أجل تدمير تنظيم "الشباب". ويقول المنتقدون إن العملية العسكرية الفجائية تتعلق بسياسة الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب أكثر منها بأي تهديد حقيقي لكينيا. وعلى الفور، تعهد "الشباب" بإطلاق عمليات انتحارية كبيرة في كينيا. وإذا كانت الغارة على الصومال تحظى بدعم واسع في كينيا حتى الآن، فإن بعض المحللين يقولون إن ذلك قد يتغير في حال نفذ الشباب هجمات انتقامية. والضربات الموعودة يمكن أن تأتي من مقاتلين تابعين لـ"الشباب" تلقوا التدريب في معسكرات إرهابية صومالية. وقد جُند معظمهم في الصومال، على غرار عبدي، ولكن كثيرين منهم أيضاً ينحدرون من كينيا والبلدان المجاورة. وفي هذا الإطار، يقول فيليس مويما، مدير "مركز الدعم المجتمعي" في كينيا، وهو منظمة غير ربحية بمدينة مومباسا الكينية الساحلية تعمل على إعادة تأهيل المقاتلين الصوماليين، إن الكينيين الشباب، الذين تحول بعضهم من المسيحية إلى الإسلام، يُمنحون هاتفاً نقالًا و5 آلاف دولار للانضمام إلى "الشباب"، إضافة إلى وعد بأن تحصل عائلاتهم على مبلغ كل شهر. وبعد انضمامهم، تؤخذ هواتف المجندين وبطاقات هوياتهم، ولا تسمع بعض العائلات عنهم أي خبر منذ ذلك الحين، حيث يقال للعائلات إن أبناءهم قُتلوا، كما يقول الشيخ جمعة نجاو، وهو إمام معتدل في مومباسا قال إن الشباب يستعملون كذخيرة بشرية يمكن التضحية بها في المعارك. ويقول "نجاو" خلال زيارة قام بها مؤخراً إلى نيروبي: "إنهم يُعلمونهم كيفية القتل"، مضيفاً "الشبان يُخدعون، ذلك أنهم عندما يذهبون إلى هناك، يتم تحويلهم إلى جنود. وليس من السهل الفرار، ذلك أنهم إذا حاولوا العودة إلى بلدهم، يُقتلون". غير أن قصة عبدي لا يمكن التحقق منها على نحو مستقل، ولكنها تتطابق مع روايات أخرى حول أساليب التجنيد والتدريب التي طفت على السطح في كينيا عبر منظمات مثل منظمة "مويما". فهذا الفتى يشعر دائماً بأنه في غير مكانه الطبيعي، ولا يستطيع إخفاء ذلك. يحني عينيه ويحرك أصابعه بينما يروي قصته. وعبدي، الذي لم يدخل المدرسة قط، تدرب على يد مرشده عبدالفضيل، الذي يخوض تنظيمه "الشباب" حرباً ضد الحكومة الانتقالية المدعومة من قبل الغرب في الصومال، وقوات الاتحاد الإفريقي التي تحميها، عبر قصف الأحياء المدنية على نحو عشوائي في أحيان كثيرة. كان والدا عبدي نائمين عندما قُصف منزلهما بحي "هوروا" في مقديشو عام 2009. ويعتقد أن قوات الاتحاد الإفريقي، المعروفة باسم "أميسوم"، هي المسؤولة عن القصف. وبعد مقتل والديه، ظل عبدي مشرداً طيلة شهر قبل أن يأخذه عبدالفضيل، الذي كان يعرف العائلة، ليطبخ الطعام لوحدة تابعة لـ"الشباب" تتخذ من مبنى كبير وخال في مقديشو مقراً لها. ويقول عبدي: "لقد كان يشتري لي بعض الأشياء. كان يشتري لي طعاماً لذيذاً، طعاماً خاصّاً من خارج المعسكر". ولكن عبدالفضيل ومقاتلين آخرين من "الشباب" قالوا لعبدي أيضاً إن عليه أن يسعى للثأر. فأعطوه مسدساً للدفاع عن نفسه وعلموه كيفية استعماله. وقبل نحو عام ونيف، أُرسل عبدي برفقة 90 مجنداً شاباً آخر من أجل تلقي تدريب في الجنوب. وكان مازال مطالباً بأن يطهو للمجموعة، ولكنه دُرب أيضاً على الموت. روبن ديكسون - نيروبي كينيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم سي تي إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©