السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفنون الاسلامية.. مزيج عبقري بين الحضارات في الهند

الفنون الاسلامية.. مزيج عبقري بين الحضارات في الهند
15 نوفمبر 2013 20:52
د.أحمد الصاوي (القاهرة) - شبه القارة الهندية عالم قائم بذاته تختلط فيه الألوان مثلما تعايشت على أراضيها أقوام وثقافات وديانات ولغات تستعصي على الحصر، وقد خضعت أجزاء من الهند للمسلمين في الموجات الأولى من الفتوحات ولكن ما لبث النفوذ الإسلامي أن تراجع مع اشتعال الصراعات الداخلية في العصر العباسي الثاني لينحصر في الأجزاء الغربية من شبه القارة الهندية. وفيما عدا فترات متباعدة شهدت سيطرة لأسر إسلامية كالغزنويين والغوريين ومماليك الهند لم يقيض للهند أن تنعم بالسلام الشامل والترقي في مدارج الحضارة الإسلامية إلا في عصر سلاطين المغول الذين طرقوا أبواب البلاد منذ أوائل القرن التاسع الهجري بقيادة ظهير الدين بابر محمد حفيد الغازي الكبير تيمورلنك. وتشهد مقتنيات المتاحف الكبرى والصغيرة أيضاً حول العالم بأن الهند تحت حكم أباطرة المغول المسلمين لم تكن مجرد مملكة إسلامية تقتات على الميراث الفني الكبير لحضارة الإسلام وإنما إقليم تصدر طليعة الإنجازات الفنية للفنون الإسلامية كافة منافسا مراكزها الكبرى العتيقة في تركيا ومصر والشام وبلاد المغرب. التقاليد الفنية والسلام الذي نعمت به الهند في فترة حكم المغول حتى القرن 18 م في ظل سياسات التسامح التي انتهجها الأباطرة بشكل عام تجاه أهل العقائد المختلفة بالبلاد أتاح فرصة لامتزاج التقاليد الفنية للهند بالروح الإسلامية للفنون الزخرفية والمعمارية. والروافد التي استقت منها فنون الهند الإسلامية تقاليدها وإبداعاتها لم تتوقف عند ثنائية التقاليد الهندوكية والإسلامية المحلية وإنما تجاوزت ذلك لتستوعب تأثيرات شتى من أتراك غرب الصين وفناني البلاط الصفوي بأصفهان الذين توافدوا للعمل في بلاط دهلي العاصمة، خاصة في المرسم الإمبراطوري الذي أخرج للعالم العشرات من المخطوطات المصورة والمئات من المنمنمات التي تزدان بها المتاحف والمكتبات الكبرى في العالم. وقبيل أن تسقط الإمبراطورية المغولية على يد الاحتلال البريطاني كانت موجة أخيرة من التأثيرات الفنية الأوروبية قد مست منتجات الفنون الإسلامية الهندية لتمنحها شخصية أكثر حداثة ولكنها لم تمس جوهرها الإسلامي الأصيل أو شخصيتها المتفردة ولاسيما على صعيد التأنق الفني والثراء الشرقي المبهر. المنمنمات المغولية وتشرح مقتنيات المتاحف حقيقة هذا المزيج العبقري الذي اندمج في هدوء مبرزا طابعا هنديا إسلاميا لا يمكن أن تخطئه عين. والمنمنمات المغولية هي الأكثر بلاغة في الإفصاح عن هذا المزيج الفني الذي يبدو متأثرا بتقاليد التصوير الصفوي خلال القرن العاشر مثلما نرى في تصويرة تمثل رأس وحش له جسد أسد ورأس فيل من مقتنيات دار الآثار الإسلامية بالكويت، حيث رسم الفنان المنظر متأثرا بطريقة فناني البلاط الصفوي في تصوير الصخور والمناظر الطبيعية والتشكيل الدائري لتوزيع عناصر الصورة. ثم ما لبث الطابع المحلي أن شرع في التعبير عن نفسه تدريجيا في تصويرة من المتحف نفسه توضح منظر صيد لمجموعة من الأسود تنتمي للقرن 11 هـ وتتفق ألوان الصورة مع الطابع المعروف للبيئة الهندية. وخلال النصف الأخير من القرن الحادي عشر الهجري وبدايات القرن التالي له أخذت التقاليد المحلية الهندية طريقها نحو تصاوير المخطوطات، وهو أمر يتواكب مع اندماج الهندوكيين في نخبة البلاط مثلما نرى في صورة لزوجين هنديين يمثلان أمام القاضي وأخرى لسيدة هندية الملامح في حديقة القصر. أما التأثيرات الأوروبية فتتجلى في العديد من الأعمال الفنية التي انجزت في أخريات القرن 12 هـ وبداية التالي له، خاصة من زاوية الاهتمام بالتجسيم ومراعاة قواعد المنظور وتمثيل الظل والنور. منتجات الفنون وفيما يتعلق بالفنون التطبيقية نجد أن الطابع الهندي كان أكثر تجذرا ووضوحا في كافة منتجات الفنون الإسلامية، حيث حرص الفنانون وهم من المسلمين والهندوس على حد سواء على أن تمثل الزخارف البيئة الهندية وبدا ذلك واضحا في استعارة بعض الوحدات الزخرفية والموضوعات الفنية المألوفة في الفنون الهندية القديمة والابتعاد عن أسلوب التجريد في رسم النباتات المختلفة، وهو الأسلوب الذي تميزت به الفنون الإسلامية منذ ازدهارها في العصر العباسي وحلت مكانه في فنون الهند الإسلامية محاكاة تامة للطبيعة، ولكنها ظلت تلتزم بالطابع الزخرفي الإسلامي في الخطط التشكيلية واللونية. ونرى هذا الطابع الفني الذي ميز الفنون التطبيقية خلال عصر أباطرة المغول في لوح من الخشب تحتفظ به دار الآثار الإسلامية بالكويت، وهو يؤرخ بالقرن 11 الهجري. وزخارف هذا اللوح المنفذة بالحفر والتلوين معا توضح كيف التزم الفنان بأسلوب التكرار المتماثل لعناصره الزخرفية مترسما خطى أقرانه من فناني العالم الإسلامي بينما أعمل أسلوبه الفني الخاص في رسم الورود والأزهار بشكل قريب مما عليه تلك النباتات في الطبيعة الهندية. نرى الطابع الفني نفسه على منتجات أخرى منها الرخام ففي أحد ألواحه التي كانت تزدان بها جدران القصور نجد الفنان يلتزم بالتكرار المتماثل للمناظر التي تمثل طيورا تقف على نباتات في مناطق مربعة مع مناطق أخرى مستطيلة تحتوي رسما لشجرة السرو بينما يرسم الطيور والنباتات بأسلوب قريب من الطبيعة. ونشاهد الأسلوب نفسه أيضا في زخارف نفذها الفنان بالذهب المكفت في الفولاذ بدورق للبارود، حيث تتماثل الزخارف النباتية الدقيقة على جانبي هذا الدورق. القرون الهجرية وإذا كانت الأندلس قد تفردت في القرون الهجرية الأولى بصدارة منتجات العاج الإسلامي بحكم صلاتها مع المغرب الذي كان معبرا للعاج الإفريقي فإن الهند تحت حكم المغول تفردت بإنتاج قطع كاملة ورائعة من تحف العاج، خاصة من رقع وقطع الشطرنج، حيث تعتز الهند بأنها كانت المخترع والمصدر الأول لتلك اللعبة التي حملها المسلمون إلى العالم بأسره خلال العصور الوسطى. ومن قطع اللعب تحتفظ دار الآثار الإسلامية بالكويت بست عشرة قطعة نحتت من العاج وزخرفت بالحفر والتلوين والتذهيب أيضا وعلى الرغم من التماثل بين قطع اللعب من ناحية الشكل والزخارف النباتية فإن المعول عليه في التمييز بينها كان ألوانها التي توزعت بين الأحمر والأخضر والأسود ويعود إنتاجها للقرن الحادي عشر الهجري. ومن المتحف نفسه هناك علبة صغيرة يغلب على الظن أنها من إنتاج الهند المغولية في الفترة التاريخية ذاتها، وقد نحتت ببراعة على هيئة كروية ذات قاعدة متسعة نسبيا وزخرف البدن بتضليعات متماثلة بينما نحت الغطاء الدقيق بتضليعات مماثلة وثمة كتابة بالخط الكوفي تزين المنطقة أسفل فتحة العلبة مباشرة. إضاءة على الرغم من أن سلطات الاحتلال البريطاني نقلت العديد من التحف الهندية للمتاحف والمجموعات الخاصة ببريطانيا فإن تجار العاديات ما زالوا يمدون صالات المزادات بأوروبا وأميركا بقطع فنية مما تدخره الأسر الهندية العريقة بمنازلها وتلقى تلك القطع إقبالا من هواة جمع التحف الفنية والأثرية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©