(1)
حياتنا صناديق في صناديق في صناديق... نولد من صندوق، وندفن في صندوق، وبين الصندوقين نظل نتنقل مثل «جهاز العروس»، من صندوق إلى صندوق، حتى نفنى ولا نستحدث. افهم يا مواطن إنك من الصندوق إلى الصندوق تعود... محملاً بوعثاء الصناديق العابرة للكرامة والمشاعر والإنسانية.
من صندوق الخداج تنتقل إلى صندوق السرير الهزاز، حيث يهزهزونك بكل سماجة وأنت تصرخ وتصرخ، إلى أن تكتشف انهم يتوقفون عن الهز إذا سكت، فتسكت حتى تتخلص من هزهم ولزهم وقبلاتهم الملغمطة للوجه والفم.
تصحو على الدنيا فإذا أنت في صندوق يسمونه غرفة نوم مشنشلة بألعاب تافهة وأسماك بلاستيكية ينبغي أن تفرح كلما رأيتها تتصادم ببلادة. ثم تكتشف أن غرفتك هي جزء من صندوق أكبر يسمونه شقة... وشقتك غالباً ما تكون جزءا من صندوق أكبر يسمونه عمارة، هي واحدة من مجموعة صناديق يسمونها إسكان ما أو حي.
تصحو على صندوق يصدر أصواتاً يسمونه الراديو والمسجل، ثم صندوق آخر يصدر أصواتاً وصوراً يسمونه التلفزيون، ثم يضعون على ظهرك صندوقاً مملوءاً بالكتب المدرسية يسمونه «شنطة»، ويرسلونك إلى صناديق غرف الصف، حيث تتنقل من صندوق لصندوق حتى يصبح دماغك صندوقاً من البلادة..
تكبر وتنضج على نارهم الهادئة لتصل إلى صندوق الاقتراع والانتخابات حيث يزورون إرادتك عيني عينك، وأنت لا تدري ما يحصل مثل الأطرش في الزفة:
من صندوق اتحاد الطلبة في الجامعة.
إلى صندوق الانتخابات العشائرية.
إلى صندوق الانتخابات البلدية.
إلى صندوق الانتخابات النيابية.
تكبر لتكتشف أن الصناديق تحاصرك.. وعلى رأسها من صندوق النقد الدولي.
تكبر لتكتشف أن ثرواتك المحلية تتحول أيضاً إلى صناديق شتى من صندوق الأيتام إلى صندوق التنمية إلى صندوق المعونة،، إلى ... إلى .. إلى ... حرف جر يجر ما قبله وما بعده.
(2)
تنتظر وزارة الداخلية حل مشكلة فلسطين وعودة اللاجئين وانتهاء احتلال العراق حتى تسمح بالتظاهرات التي لا تنظمها هي بالذات.
تنتظر الجهات الإعلامية لحين زوال أي خلاف مع الحكومات واختفاء الشللية ومراكز القوى من أجل أن تسمح بالحريات الصحفية.
تنتظر وزارة التربية، القضاء على الأمية حتى تنشر المدارس في القرى النائية وتغطي نقص المعلمين.
تنتظر وزارة الأشغال نشوب حرب عالمية ثالثة من أجل إصلاح الطرق.
تنتظر وزارة المياه لحين تعقيم الشعب والحد من تناسله من أجل توزيع المياه بشكل عادل بين المواطنين.
(3)
كان الأسد قويا وجبارا، وقد أرغم الفلاح على أن يجعل من ابنته الجميلة خطيبة له. وافق الفلاح مجبراً وصار الأسد يتردد على خطيبته، وأراد أن يفتح صفحة جديدة مع الفلاح، فسأله ذات يوم عن رأي ابنته فيه كخطيب، فقال الفلاح:? إن ابنتي معجبة بك وتحبك كثيراً، لكنها تخاف من مخالبك، وتخشى أن تجرحها من دون أن تقصد. ?الأسد العاشق عاد إلى الخطيبة في اليوم التالي وقد قلع جميع مخالبه حتى ترضى عنه. وبينما هو خارج من البيت سأل الفلاح عن رأي ابنته فيه الآن فقال:? لقد فرحت جداً واطمأنّت من مخالبك لكنها لا تزال تخشى أنيابك التي قد تعضها فجأة وأنت تقصد المداعبة.? عاد الأسد في اليوم التالي مبتسماً بثقة، وقد قلع جميع أنيابه، وأراد الدخول لزيارة خطيبته، لكن الفلاح استقبله بالعصا وطرده شر طردة وهو يقول:
- اذهب أيها القط الأحمق، فما عاد لديك ما تخوفني به.
ghishan@gmail.com
عدد اليوم
