السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوباما... وتعافي الاقتصاد الأميركي

7 نوفمبر 2012
بالنظر إلى العوامل الكثيرة التي لا تخدم الاقتصاد الأميركي، يعد التعافي الذي تحقق حتى هذه اللحظة معجزة حقيقية، لا سيما ونحن إزاء تعافٍ فريد من نوعه وغير مسبوق في تاريخ الاقتصاد الأميركي، إذ لأول مرة يتم فيها الخروج من حالة الركود التي عاشها الاقتصاد دون توسع القطاع العقاري، وفي ظل انكماش قدرة الحكومات المحلية والولايات على التوظيف للسنة الثالثة على التوالي، هذا بالإضافة إلى تحسن الاقتصاد رغم استمرار ثقل الديون على العائلات الأميركية لتتجاوز نسبته 100 في المئة من الدخل ما بعد الضرائب. لكن ورغم كل هذه العراقيل تمكن الاقتصاد الأميركي من تفادي العودة مجدداً إلى دائرة الركود، والأمر أكثر من ذلك، حيث تُواصل الصادرات الأميركية، التي تعتبر أساسية لتحفيز النمو والدفع بالاقتصاد، الصمود في وجه الأزمة المالية المستفحلة في أوروبا، بل مقاومة التراجع الملحوظ للنمو الاقتصادي في الصين والهند، وارتفاع قيمة الدولار ما يجعل من الصادرات الأميركية باهظة الثمن. ولا ننسى أيضاً أن أسعار النفط تعرضت لتقلبات شتى على مدى السنوات الثلاث الماضية نتيجة الأحداث الدولية المتلاحقة مثل "الربيع العربي"، لذا يبقى الملفت في استعادة الاقتصاد الأميركي لعافيته ليس البطء الذي تم به، بل تحقق من الأساس في ظل ظروف ضاغطة لا تسمح بذلك. فقد كانت الاحتمالات مُشرعة على سقوط الاقتصاد الأميركي في حفرة الركود بسبب البيئة غير المساعدة على الصعيد الدولي، لكنه لم يفعل، حيث سجل الاقتصاد في الربع الثاني من العام الجاري نمواً وصل إلى 847 مليار دولار ليتجاوز ما حققه خلال نفس الفترة في 2009، وهو ما يعادل نسبة نمو تقدر بحوالي 2.2 في المئة، وإذا كانت النسبة ما زالت بسيطة، إلا أنها بعيدة تماماً عن مخاوف الركود. ويمكن تعقب الجزء الأكبر من هذا التعافي الذي يعيشه الاقتصاد الأميركي حالياً إلى السياسات التي أقرها أوباما والكونجرس، حيث تم التركيز على دعم الاستثمارات التي ساعدت بدورها القطاع الصناعي ونشاط البناء التجاري، كما قدمت الحكومة الفيدرالية الدعم للولايات المتضررة، هذا بالإضافة إلى خفض الضرائب على الطبقة الوسطى لتحفيز الاستهلاك. وما زال تحقيق معدل نمو أكثر في المستقبل يعتمد على المزيد من الإجراءات نفسها، لا سيما وأن هذه السياسات الفيدرالية عززت من قوة القطاع الخاص من خلال الاهتمام أكثر بالنشاط الصناعي عبر قانون التعافي والاستثمار الذي أُقر في الكونجرس عام 2009. ومن السياسات الأخرى المفيدة تقوية الاستثمارات وتمويل صناعة السيارات، يضاف إلى كل ذلك الوقوف إلى جانب الأسر الأميركية التي تضررت من تبعات الأزمة وناءت تحت وطأة الديون الثقيلة من خلال تمديد تعويضات البطالة، وخصم الضرائب على العمال، ثم رفع مخصصات التأمين الاجتماعي. كل هذه الإجراءات تستهدف تدعيم الطبقة الوسطى وتعزيز دخلها، والنتيجة يمكن مشاهدتها من خلال الأرقام، حيث توسع الإنتاج الصناعي بنسبة نمو سنوي بلغت 5.6 في المئة خلال الفترة من يونيو 2009 إلى يونيو 2012 لتغطي بذلك على الخسائر التي تكبدها القطاع الصناعي قبل بدء الركود الاقتصادي، كما توسع نشاط البناء بفضل الإنفاق الحكومي في الولايات والحكومات المحلية على مشاريع إقامة الطرق وبناء المدارس ومد السكك الحديدية، وتشييد المستشفيات وغيرها من المشروعات التي أدت إلى نمو قطاع البناء بحوالي 3 في المئة خلال السنة الجارية ليعوض التراجع الذي شهده القطاع بسبب الأزمة، هذا بالإضافة إلى ارتفاع الدخل ما بعد اقتطاع الضرائب بنسبة 1.2 سنوياً من 2009 وحتى 2012 مما ساعد على تخفيف عبء الديون عن كاهل الأسر الأميركية. كل هذه التطورات رافقها صعود معدل التوظيف في أميركا ابتداء من فبراير 2010، واليوم أصبحنا نتوافر على ثلاثة ملايين وظيفة إضافية مقارنة بما توافرنا عليه في 2009، وتزامن ذلك مع انخفاض نسبة البطالة التي تدنت دون مستوى 8 في المئة للمرة الأولى منذ أربع سنوات. ومع توسع الإنتاج الصناعي الأميركي، جاء أيضاً تحسن القدرة التنافسية للولايات المتحدة على الصعيد الدولي الذي انعكس في معدل نمو الصادرات السنوي على مدى السنوات الثلاث الماضية بوصوله إلى نسبة 8 في المئة، لذا تظل الملاحظة الملفتة بشأن الاقتصاد الأميركي هي قدرته على مواجهة الظروف الصعبة لتحقيق هذه الإنجازات وليس ما إذا كان حققها بالسرعة المطلوبة. وهذا لا يعني أن لا نطالب بوتيرة أسرع في تحقيق النمو وتحسين الأداء العام للاقتصاد وخلق عدد أكبر من الوظائف للأميركيين، بل بالعكس يظل الدرس الأول المستخلص من الأزمة هو إزالة العراقيل أمام الاقتصاد لمواصلة طريقه قدماً والاستمرار في إقرار نفس السياسات التي حفزت النمو مثل مساعدة الولايات المنفردة على إبقاء موظفيها بدل تسريحهم. أما الدرس الثاني المستفاد من الأزمة فهو قدرة صناع السياسة على اتخاذ القرارات الصحيحة، فقد أثبت السياسات المتبعة منذ اندلاع الأزمة في 2009 مثل خفض الضرائب على الطبقة الوسطى وتوسيع الإنفاق الحكومي على قطاع البناء والتدخل لإنقاذ صناعة السيارات أنها فعالة ومؤثرة من خلال دورها في إنقاذ الاقتصاد ومنع سقوطه في مستنقع الركود. كريستيان ويلر باحث بارز في «مركز التقدم الأميركي» وأستاذ السياسات العامة بجامعة ماساتشوستس ببوسطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان سيانس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©