الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوميات جنرال في المطبخ السياسي

يوميات جنرال في المطبخ السياسي
6 مارس 2008 03:04
تفطنت زوجة الجنرال'' ديغول'' يوماً لخادمة تعمل في قصر الإليزيه بصدد التقاط صورة فوتوغرافية لسرير نوم الجنرال في الجناح الخاص بإقامته، ولما أخبرت الزوجة الرئيس الفرنسي بما شاهدته أمرها بفصلها في الحال معللاً قراره بخشيته من استغلال الصورة لمحاولة جديدة لاغتياله (بعد أن نجا بأعجوبة من محاولات سابقة)، كما عبر لها عن انزعاجه من وصول الصورة ربما إلى بعض الصحف المتخصصة في نشر الفضائح، ولأن زوجة الجنرال ديغول سيدة فاضلة وغير مسيسة فقد ناقشته في الأمر متسائلة في براءة وطيبة: ولكن أين الفضيحة والسرير كان مرتباً؟ فأجابها ديغول: ''الفضيحة يا سيدتي أن الأمر يتعلق بسريري أنا''· هذه الحادثة وغيرها، أوردها الوزير الفرنسي والمفكر السياسي آلان بيرفيت الذي عمل ناطقاً بأسم ديغول، في مذكراته بعنوان ''ديغول·· الذي كان''· السيف والقلم وقد برز الجنرال ديغول قائداً عسكرياً بصيراً قبل أن يصبح رئيساً لبلده، وكان خطيباً بارعاً وكاتباً مشهود له قد اكتملت فيه رئاسة السيف والقلم، ويروى أن نائباً في البرلمان الفرنسي معارضاً لسياسة ديغول اتجه إليه قائلاً في مناسبة معينة: ''باسم أصدقائي (وهو يعني هنا المنتمين إلى حزبه) أرجوكم سيادة الجنرال أن تغيروا سياستكم''، فرد عليه الجنرال ديغول في الحال وبحضور بديهة: ''باسم سياستي أطلب منكم حضرة النائب أن تغيروا أصدقاءكم''· صورة رجل وقد رسم بريفيت المؤلف الجانب الخفي وغير المعروف من شخصية ديغول من ذلك مثلاً قوله: ''إن الجنرال عموماً لا يضحك إلا لكلام صادر عنه هو ويجر للضحك من يكون معه، فهو رجل حركة وفعل حتى في لحظات الغبطة والانشراح''· وكشف آلان بيرفيت أن الجنرال ديغول كان يقبل فكرة أن تدمج فرنسا أقليات من العرب أومن الزنوج الأفارقة، ولكنه كان يرى أن عدد المدمجين لا بد أن يبقى عدداً ضئيلاً، وبعد استقلال الجزائر ارتفعت أصوات تنادي بإدماج عدد كبير من الجزائريين (الموالين لفرنسا) في المجتمع الفرنسي، ولكن ديغول كان له رأي آخر، وقد استمع إليه بيرفيت يقول: ''إن كل من يعتقد أنه بالإمكان إدماج المسلمين في فرنسا يتسم بقصر النظر: حاول أن تخلط الزيت بالخل في قارورة واحدة وحرك القارورة وسترى بعد برهة أن كل مادة ستنعزل عن الأخرى، فالعرب هم العرب والفرنسيون هم الفرنسيون···''· ويؤكد الكاتب أن رؤوس الأقلام التي دونها ابان قربه من ديغول، كانت وفية لما سمعه وشاهده مما يعني أنها غير محرفة للأحداث والحقيقة· وينتقد بيرفيت االمفكر والكاتب الفرنسي الشهير أندريه مالرو الذي عمل وزيراً للثقافة في عهد الجنرال ويتهمه بأنه نسب لديغول في ما كتبه عنه كلاماً ''تخيل فيه ما يمكن أن يقوله ديغول لو كان مالرو''· من أهم ما جاء في الكتاب الكشف عن الأسباب الحقيقية التي دفعت بالجنرال ديغول للتخلي عن بعض المستعمرات، فقد ساد الاعتقاد بأن ديغول قبل منح الاستقلال للدول العربية والأفريقية المستعمرة لاقتناعه بأن عهد الاستعمار ولى وانتهى، ولكن يتبين مما ورد في الكتاب أن المسألة اقتصادية قبل أن تكون سياسية، فقد صارح ديغول وزيره آلان بيرفيت قائلاً له: ''إن المستعمرات كلفتنا نفقات كبيرة ولم تعد مثلما كان الأمر في البداية مصدراً للثراء لنا، ولكنها أصبحت تنهكنا مالياً·· كانت آفاقنا تتمثل في استغلال موادها الأولية والمدفونة في أراضيهم واستغلال أراضيهم الزراعية وكنا نحقق ربحاً مادياً كبيراً ونخفي ذلك وراء الادعاء بأننا جئنا لحمايتهم وإدخالهم إلى الحضارة في مهمة حضارية تنويرية، ولكن ومنذ الحرب العالمية الأولى ثم الثانية زادت تكاليف إدارة المستعمرات والربح لم يعد يوازي النفقات''· سأله بيرفيت والنفط؟ فأجابه ديغول: ''لا بد من ضمان تزوّدنا به، ولكن ما يتطلبه منا الإنفاق على الجزائر يفوق مالا قد نغنمه منها من غاز ونفط''، وهذا الرأي يدعّم ما ذهب إليه الشيخ الجزائري محمد الهادي السنوسي في معارضته لكل من يقول إن ديغول أعطى الجزائر استقلالها، مؤكداً أن الذين يزكون ديغول ويلبسونه لباس النبل والشهامة إنما يزيفون الحقيقة· رأي في عبدالناصر وفي معرض الحديث عن دعم مصر للثورة الجزائرية ووقوف عبدالناصر إلى جانب النظام الجزائري الجديد برئاسة أحمد بن بلة فإن ديغول لم يكن مرتاحاً لذلك التقارب وعبر عن ذلك في حديث له مع الوزير آلان بيرفيت قائلاً له في لقاء بينهما: ''إن عبدالناصر يريد أن تكون الجزائر النجمة الرابعة بالجمهورية العربيبة المتحدة، ولكن ذلك لن يحصل لأن لا الحبيب بورقيبة ولا ملك المغرب يقبلان باندماج بلديهما في اتحاد مغاربي تسيطر عليه الجزائر ولا في جمهورية عربية متحدة تحت قيادة عبدالناصر، ثمّ ماذا يمكن أن يقدم جمال عبدالناصر للجزائر؟ لا شيء على الإطلاق· المال؟ فهو أشد حاجة منها إليه''· عن لبنان والعراق وسوريا ولديغول رأي أيضاً في الوضع السياسي والاجتماعي ببعض البلدان العربية، فقد ذكر ألان بيرفيت نقلاً عنه قوله: ''إن بلداناً مثل لبنان والعراق وسوريا كانت دائماً مقسمة، فالدروز في خصام دائم مع المارونيين وهؤلاء بدورهم لم يكن أبداً بينهم وبين العلويين أي تفاهم، كما أن السنيين في العراق لن يتفاهموا أبداً مع الشيعة أو مع الأكراد· إنها بلدان محكوم عليها بالتجزئة والانقسام بسبب اختلاف ماضيهم ولغاتهم واعتقاداتهم ولا أحد منهم على استعداد لتحمل الآخر·· إن العرب يكرهون بعضهم بعضاً ويفضلون الفرنسيين''· تكهن بوحدة ألمانيا مقابل الرأي السابق عن تشتت العرب وعدم قدرتهم على توحيد كلمتهم، أورد بيرفيت ما سمعه من ديغول في جلسة مغلقة عام 1962 عن يقينه بأن ألمانيا التي كانت مقسمة وقتها إلى جزءين ستتوحد· يقول: ''إن ألمانيا كالشجرة ذات الجذع الواحد والتي انقسمت إلى غصنين اثنين· إنه أمر لا يمكن ان يستمر طويلاً لأن كل غصن يشكو من ابتعاد وغياب الجزء الآخر عنه، ان ألمانيا الشرقية هي التي تتألم أكثر وستثور ذات يوم وان مصلحة فرنسا من زاوية أنانية تفضل أن تبقى ألمانيا مقسمة ولكن هذا الانقسام لن يبقى أبدياً وستتوحد ألمانيا''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©