الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إليوت والكتابة اللاشخصية

إليوت والكتابة اللاشخصية
6 مارس 2008 03:06
لقد تمتّع ت· س· إليوت بمكانة عظيمة بوصفه واحداً من الكتاب الحداثيين الطلائعيين، ولذلك فقد كان نقده له قيمة مرموقة عند نقاد الجدد الأنجلوأميركيين والعرب على السواء· ويعود اهتمام إليوت بتغيير النقد نتيجة لما اكتشفه مع معاصريْه جيمس جويس وإزرا باوند بأن النصوص الحديثة قد أوقعت الأشكال التقليدية للنقد الأدبي في مأزق خطير· وأعاد إليوت من أجل حلّ هذا المأزق تعريف التقليد، مشيّداً مفاهيم نقدية ستكون حاضرة عند النقاد بشكل مركزي مثل المعادل الموضوعي والتقليد والموهبة والشخصي، عند دراسته النصوص المعتمدة للدراما اليعقوبية والشعر الميتافيزيقي· إن إليوت كان يسعى إلى إعادة تفعيل مفهوم التقليد في الأدب ليعيد بناء وجهة نظر حديثة للتاريخ الأدبي، معارضاً النظرية الرومانسية، تلك التي تؤكد الموهبة الفردية وتتجاهل التقاليد· وإليوت يرى أن أي مبدع عظيم لابد أن يطور في التقاليد بعد أن يتحصل على بصيرة تساعده في معرفة المكان الأهم للتقاليد الأدبية، وهي لا توجد في أي عمل مكتوب، وليست مشاعة جماهيرياً· ويمكن العثور عليها في نظام مثالي مشكّل بواسطة أعمال في الماضي تُستدعى بواسطة نصوص جديدة في صورة مختلفة، لكنها تؤسس استناداً على تقاليد تعقد استجابتها للتراث انطلاقاً من مكنة معرفية لا تنحصر في الموهبة الذاتية أو الشخصية· ولذلك فالتقاليد خاضعة باستمرار لإعادة التشكيل· لقد قدم إليوت مفهوماً نقدياً ليناقض به الرومانسية التي تعلي من الموهبة على حساب التقاليد، ولذلك كان يؤكد أهمية أن يكون الشاعر لاشخصياً، والإبداع من وجهة نظره ينتج عن طريق محو كل ما هو شخصي، أي أن الجزء الأهم من عمل المبدع يظهر في التضحية بذاته والقضاء على الشخصي الذي يساعد على تقويض المبدأ الرومانسي وإحلال مسافة كلاسيكية بين خبرة الشاعر وقصيدته· وكان هذا الموقف من إليوت نتيجة فهمه السلبي للذات الشعرية، التي يسمها بأنها متشظية وتتمتع بالفوضى، على خلاف عقل الشاعر أو تجربته التي تحاول بصورة مستمرة أن تعيد تشييد الفوضى في وحدة جديدة، لكن مصدر هذه الوحدة لا يكمن في عقل الشاعر، وإنما في النص الذي يتضمن المعادل الموضوعي لخبرة الشاعر· وهذا ما يجعلنا نشير إلى أن إليوت كان يطمح إلى السيطرة على العاطفة وتنظيمها من أجل إقصاء الفوضى واللانظام في الخبرة، ثم يرى أنه لا يمكن معادلة عاطفة الشاعر بعاطفة القصيدة التي يبدعها الشاعر؛ لأن خبرة الشاعر مفككة وواقعة في الشخصي اللامنظم، ومن هنا فإن الشاعر لا يعبر عن الشخصي· ثم إن الشعر في النهاية لا يطلق العنان للعاطفة، ويجعلها تنساب، وإنما الشعر هروب من العاطفة، وهو ليس تعبيراً عن ما هو شخصي، وإنما فرار منه، حتى أن ناقداً مثل وليام كارلس يتأثر به، ويصر على أنه لا يوجد في الأدب إلا ما هو موضوعي· ten.harekahtla@ila
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©