الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آسيا جبار : اللغة الفرنسية غنيمة حرب

آسيا جبار : اللغة الفرنسية غنيمة حرب
22 مارس 2009 03:17
في البداية كان هناك ''خروجي'': عار بلوغي سن الزواج· حرية حركة جسدي كامرأة· هذا دون أن أدرك إلى أي حد كان على صوتي أن يخفت، أن يدفن، ذاك أنه خرج إلى حيز النور· عزلة الرحيل· الخروج من جناح الحريم في مستهل الخمسينيات - لمئات أو لبضعة ألوف نساء المغرب العربي نظيري - بفضل دراسة اللغة الفرنسية كان يعتبر حظاً سعيداً· إنها تخرج، على حد تعبير أم عن ابنتها في وصفها لسعادتها تجاه أو رهبتها من هذه الفرصة اليتيمة، ''انها تخرج لأنها تقرأ''، هذا بكلمات اللغة العربية الدارجة، أي لأنها تذهب إلى المدرسة وكأن اللغة الفرنسية عند الآخرين أصبحت ألواحاً حجرية تنتصب في الأفق، بينما يتجه الجسد نحو هذا الهدف· العنصر الهام كان السير في حد ذاته: مسار فردي في صمت متفق عليه· وكأن التحدث باللغة الفرنسية كان سيستر عري جسد يجرؤ على المغامرة في الحيز الذي فصل، والذي لا يزال يفصل في أحيائنا الصاخبة بين الزنقات القديمة وبين المناطق الراقية، أو المناطق الفقيرة المزدحمة، وإن لم يتحول خلع الحجاب إلى ضلال فالفضل في ذلك يعود إلى هذا الملاذ، إلى اللغة الفرنسية بصفتها ''قراءة أو دروساً''، وبالتالي صمتاً قبل أن تتحول إلى حرية يساء استعمالها· وإن كانت فكرة الكتابة قد جالت في خاطري من حين خروجي من سن المراهقة، لكن ما كان ممكناً أن تتحول إلا إلى الهمس· فرغم السراب الذي يتكون في أذهاننا عبر تاريخنا المشترك إلا أننا خرجنا من عزلتنا فرادى الواحدة بعد الأخرى· كل واحدة منّا تسير وحيدة في الشارع تحت أنظار الأخوة والأقرباء الأعداء· لغتنا الفرنسية هي لغة المتوحدات، هي كتابة تتكون في أحشاء الارتعاش· فكل المحاولات الأولى للنساء العربيات في ''الخروج إلى خارج، و''الخروج باستخدام لغة غير عربية'' انطوت على خطر النبذ المزدوج: أولاً نبذ الكتابة ذاتها ولو كانت متلعثمة ''وسرعان ما تختزل إلى كتابة شعبية فولكلورية''، يتبعها نبذ الجسد الذي نطق بها· الكتابة بلغة مختلفة تكاد تتحول في أنظار البعض إلى ما يشبه ممارسة الجنس مع إنسان من دين غير دين الأجداد؛ وهنا يتغاضى دين الإسلام عن الذكور لدى ارتكابهم هذا المحرم، لا بل يذهب إلى أبعد من هذا فيكسبهم قيمة إن كان التلويح بلغة أجنبية يمثل إيماءة مأمونة المخاطر من طرف بعض ''عناصر الشباب الذكورية الغاضبة'' من الذين عاصروا الفترة التي سبقت· صحيح أن اللغة الفرنسية أشبه ما تكون بغنيمة - كسب عظيم تحمله الكاتبة من حقل حربها الداخلية ''وأغنيتها'' في كل مرة تخرج خارج جناح الحريم - غنيمة اقتنصتها من جارها القريب، من أخيها أو قريبها، وهكذا تضحي لغة مغروسة في ذاكرة الجموع التي تعيش تحت الظلال·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©