الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ممالك اللؤلؤ..

ممالك اللؤلؤ..
8 نوفمبر 2012
تحيرت من أين أبدأ في رحلتي مع الجمال؟ وأين أجد هذا الجمال؟ فأيقنت بعد لأي أن أروع آيات الجمال ما كان في الجماد. قلت هل الجماد ينطق؟ فرد عليّ الجماد نفسه وفوّض الشعر كي ينطق عنه ويصفه، فكان الحجر الكريم موصوفاً فيه المكنون نفسه. الشعر مرمز في اللغة والجمال مصور في الحجر والمكنون ما لم تمسسه يد، فتجلى.. سألت نفسي ما سر دهشتنا بالجمال؟ فتحيرت وأجبت: ربما هي الحيرة، أو البريق، أو الندرة، أو الصناعة، أو الخلق المقصود لعجائب ما صنع وما تجلى. فقلت كل ذلك نعم، اجتمعت كل الصفات في حجر كرّمه البشر فصار كريماً. سلمان كاصد فقد جاء في تفسير الآية الأولى من سورة الكوثر في القرآن الكريم: “إنا أعطيناك الكوثر”، لما نزلت هذه الآية على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ما هو الكوثر يا رسول الله، أجاب الرسول: “نهر أكرمني الله به”. فقيل للرسول: إن هذا النهر لشريف فانعته لنا يا رسول الله. أجاب الرسول: “الكوثر نهر يجري تحت عرش الله، ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، وألين من الزبد، حصاه الزبرجد والياقوت والمرجان، حشيشه الزعفران، ترابه المسك الأذفر، قواعده تحت عرش الله عز وجل”. ويقودنا ذلك حتماً إلى العلاقة الخفية بين الحجر الكريم والنقش بالآيات والأقوال الصلواتية عليه، أي الحجر واللغة والدعاء، الحجر والحرف. النقش بالحجر نقشت أسماء الله على خواتم الأنبياء، فكانت سراً من الأسرار يحملها الأنبياء أينما توجهوا وهم يبصرونها كل لحظة. “لا إله إلا الله” “من ذا الذي يشفع عنده إلا هو” “حي قيوم” “طوبى لعبد ذكر الله من أجله، وويل لعبد نسي الله من أجله” “لا إله إلا الله محمد رسول الله” “لا حول ولا قوة إلا بالله”. وقال تعالى: “كأنهن الياقوت والمرجان”، والياقوت فارسي معرب، والواحد منه ياقوتة، والجمع: اليواقيت. وهو ثلاثة أجناس: أصفر وأحمر وكحلي.. فالأحمر أشرفها وأنفسها، وهو حجر إذا نفخ عليه النار، ازداد حسناً وحمرة، فإن كانت فيه نكتة شديدة الحمرة وأدخل النار، انبسطت في الحجر، فسقته من تلك الحمرة وحسنته.. وإن كانت فيه نكتة سوداء، قلّ سوادها ونقص، والأصفر منه أقل صبراً منه على النار من الأحمر، وأما الكحلي فلا صبر له على النار. وقال قوم: المرجان صغار اللؤلؤ، إلا أن صاحب الجمان قال: ولا يصح ما قالوا، لأن المرجان جنس آخر: وهو أحمر اللون ينشأ في قرار البحر متشجراً، ويخرج بالكلاليب، قال تعالى: “يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان”. ولو كان المرجان صغار اللؤلؤ، لما كان في هذا التكرار فائدة. والغريب أن هناك نقوشاً منها ما كان لعامة الناس ومنها ما كان لخاصة العلماء، وهذه الأخيرة تحمل أسراراً خفي مرادها، وعجب أمرها، وتفنن صانعها وخاف قارئها، ولكل نوع من النقش صورة خاصة تكشف عن مراد صاحبها. والحجر الكريم نوعان: ثمين وشبه ثمين، حيث سبقت قيمته العلاجية قيمته المادية. ومن الحجر الثمين “الألماس والياقوت واللؤلؤ والزمرد”. ومن الحجر شبه الثمين: العقيق واليشم والكهرمان والجمشت والزبرجد وحجر الدم. العقيق بأنواعه المنقط بالأحمر والأخضر. وعندما نقول الحجر الكريم، فإننا لا نفصل بين ما كان ثميناً أو غير ذلك، فكأننا ساوينا الأحجار جميعها بوصف جامع غير مانع. تشترك الممالك الثلاث في صناعة الحجر، (مملكة المعادن)، و(مملكة الحيوان) ومنها اللؤلؤ والمرجان والعاج، و(مملكة النبات) ومنها الكهرمان الأصفر والكهرمان الأسود. وأحجار مملكة المعادن أكثر صلادة وقوة لتكسبها صفة البقاء. وكان القرآن الكريم قد اصطفى اللؤلؤ، فقال تعالى فيه: “وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون”، واللؤلؤ الدر، واللؤلؤ المكنون الدر الذي لم تمسسه الأيدي ولم يقع عليه الغبار، فهو أشد ما يكون صفاء ونقاء. وقوله تعالى “وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون” يعني أنهن ـ الحور العين ـ في تشاكل أجسادهن في الحسن من جميع جوانبهن كما قال الشاعر: كأنما خلقت في قشر لؤلؤة فكل أكنانها وجه لمرصاد حيث يبدو صفاء حور العين كصفاء الدر وتلألؤه. وجاء ذكرها في القرآن الكريم في غير مرة، حيث يقول تعالى: “يخرج منها اللؤلؤ والمرجان” (سورة الرحمن)، وعندما يصف سبحانه الحور العين في الجنة “كأنهن الياقوت والمرجان”. الحجر في الشعر ذكر الشعراء العرب الأحجار الكريمة في تشبيهاتهم في بعض من ضروب أغراض هذا الفن، والغريب أن الشاعر المحدث لم يتخلص من تلك الضروب على الرغم من تغير أنساق بنى القصيدة العربية، من كلاسيكيتها حتى شعرها الحديث، وأخيراً المنثور منه، إذ ظل الحجر الصفة الوحيدة التي تحمل بريقها في أي قول شعري. قال ابن خلكان في وفيات الأعيان: قال بعض مشايخ القيروان: ومعذرين كأن نبت خدودهم أقلام مسك تستمد خلوقا قرنوا البنفسج بالشقيق ونضدوا تحت الزبرجد لؤلؤا وعقيقا فهم الذين إذا الخلي رآهم وجد الهوى بهم إليه طريقا ومن المنسوب إلى أبي محمد الحسن بن علي المعروف بابن وكيع التنيسي: جوهري الأوصاف يقصر عنه كل فهم وكل ذهن دقيق شارب من زمرد وثنايا لؤلؤ فوقها فم من عقيق ومن شعر عمر بن أبي ربيعة: يَرْفُلْنَ في مِطْرَفَاتِ السّوسِ آوِنَةً وَفي العَتيقِ مِنَ الدّيباجِ والقَصَبِ تَرَى عَلَيْهُنَّ حَلْيَ الدُّرِّ مُتَّسِقاً مَعَ الزَّبَرْجَدِ والْيَاقُوتِ كالشُّهُبِ ومن شعر ابن المعتز: ما بالُ قَلبِكَ لا يَقَرُّ خُفُوقَا وأراكَ تَرعَى النّسرَ والعَيّوقَا وجفونُ عيِنك قد نثرنَ من البكا فوقَ المَدامعِ لُؤلؤاً وعَقيقَا لو لم يكنْ إنسانُ عَينِكَ سابحاً في بحرٍ دَمعتِه، لماتَ غَريقَاً ومن شعر ابن عبد ربه الأندلسي: يا لؤلؤاً يَسْبي العقولَ أَنِيقا وَرَشاً بتَقطيعِ القُلوبِ رَفيقا ما إنْ رأَيْتُ وَلا سَمعْتُ بِمثْلِهِ دُرَّاً يعودُ مِنَ الحياءِ عَقيقا وإذا نَظرتَ إلى محاسنِ وَجههِ أبصَرْتَ وجْهَكَ في سَناهُ غَريقا وفي قصيدة قيل إنها “للوأواء الدمشقي” وقيل إنها ليزيد بن معاوية: وأَمْطَرَتْ لُؤْلُؤاً مِنْ نَرْجِسٍ وَسَقَتْ وَرْداً وَعَضَّتْ عَلَى العُنَّابِ بالبَرَدِ إنْسِيَّةٌ لَوْ رَأَتْهَا الشَّمْسُ مَا طَلَعَتْ مِنْ بَعْدِ رُؤيَتِها يَوْماً عَلَى أَحَدِ كأَنَّما بَيْنَ غاباتِ الجُفُونِ لَها أُسْدُ الحِمَامِ مُقِيماتٍ عَلَى الرَّصَدِ ويقول الأندلسي ابن خفاجة: نَدّى النّسيمُ، فَما أرَقّ وأعطَرَا وهَفا القَضِيبُ فَما أغضَّ وأنضَرا والرّيحُ تَنخُلُ مِن رَذاذٍ لؤلؤاً رَطباً، وتَفتِقُ من غَمامٍ عَنبَرَا المديح والحجر وفي المديح أيضاً استخدمه الشعراء، وهذا الشاعر الصنوبري يمدح علي بن سهل بن روح الكاتب: تحيَّرُ العينُ في خطٍّ يكاد بأن يُعشي العيونَ إذا لألاؤهُ سَطعا يودُّ كلُّ أديبٍ ظلَّ يَسْمَعُهُ ألا يزالَ له ما عاشَ مستمعا وحسن لفظ آذان الفكر ألَّفه حسبته لؤلؤاً في السلك قد جمعا إن البراعةَ أدنى ما وُصِفْتَ به ولن يسودَ الفتى إلا إذا برعا أما ابن حَمْدِيس الازدي الصقلي فيصف داراً بناها المنصور بن علناس ببجاية: قصرٌ لو أنَّك قد كحلتَ بنوره أعمى لعادَ إلى المقام بصيرا أبصرتُهُ فرأيتُ أبدعَ منظرٍ ثم أنثنيتُ بناظري محسورا وظننتُ أني حالمٌ في جَنّةٍ لمّا رأيتُ الملكَ فيه كبيرا بمرخَّم الساحاتِ تحسبُ أنَّهُ فُرِشَ المهَا وتَوَشّحَ الكافورا ومحصَّبٍ بالدرّ تحسبُ تربَهُ مسكاً تَضَوّعَ نشره وعبيرا أما البحتري فيمدح الحسين بن الحسن بن سهل: وَيُرِيكَ الأحْبَابَ يَوْمَ تَلاقٍ باغْتِبَاقِ الحَوْذانِ والأُقْحُوَانِ صَاغ منها الرّبيعُ شَكْلاً لأخْلاقِ حُسينٍ ذي الجودِ والإحسانِ فَكَأنّ الأشْجَارَ تَعْلُو رُبَاهَا بنَثيرِ اليَاقُوتِ والمَرجَانِ ويمدح ابو منصور الثعالبي الأمير أبي الفضل الميكالي: إني أرى ألفاظَكَ الغرَّا عطَّلَتِ الياقوت والدُّرَّا لكَ الكلامُ الحرُّ يا من غدا معروفُه يستعبِدُ الحُرَّا التشبيه والحجر واعتمد الشعراء العرب نسق التشبيه في شعرهم لمقاربة خصائص الأحجار الكريمة بالموجودات، حيث قال الأعشى في العصر الجاهلي: وقد أراها بين أترابها في الحي ذي البهجة والسامر إذ هي مثل الغصن ميالة تروق عيني ذي الحجى الزائر كدمية صور محرابها بمذهب في مرمر مائر أو بيضة في الدعص مكنونة أو درة سيقت إلى تاجر لو أسندها ميتاً إلى نحرها عاش ولم ينقل إلى قابر وقال الفرزدق: كدرة غواص رمى في مهيبة بأجرامه والنفس يخشى ضميرها موكلة بالدر خرساء قد بكى إليه من الغواص قدما نذيرها ومن مليح الكلام ومختاره قول جرير: ما استوصف الناس من شيء يروقهم إلا أرى أم نوح فوق ما وصفوا كأنها مزنة غراء لائحة ودرة ما يواري ضوءها الصدف وقال أبو نواس: ظبي كان الله البسه قشور الدر جلدا ويقول بشار: كأنما خلقت من قشر لؤلؤة في كل أكنافها حسن بمرصاد وقال ابن الرومي: تواضع الدر إذ ألبسن فاخره فكن درا وكان الدر أصدافا وأنشد الخليل بن أحمد: إنما الذلفاء ياقوتة أخرجت من كيس دهقان وقال القائل: هي كالدرة المصونة حسنا في صفاء الياقوت والمرجان النساء والحجر وقالوا في أسماء النساء ياقوتة، كما قالوا في تسميتهن: لؤلؤة ومرجانة، وذلك مثل ما ذكروا في وصف زينتهن، كقول النابغة: بالدر والياقوت زين نحرها ومفصل من لؤلؤ وزبرجد وقد ورد عن امرئ القيس: فاسبل دمعي كفيض الجمان والدر رقراقة المنحدر وعن طرقة بن معد يكرب: وفي الحي احوى ينفض المردشان مظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجد وقال الصنوبري: كأنما النرجس في روضة إذا شنته الريح من قرب أقداح ياقوت تعاطيكما أنامل من لؤلؤ رطب وقال إبراهيم النظام: يقي بلؤلؤ في جوف لؤلؤة من كف لؤلؤة فاللون حي ماء ماء وفي ماء يديرهما ماء جرى فيهما الفكر وهمي ويقول أبو الفرج بن هند: البحر يخزن دره في قعره وغناؤه المبدول للرواد ويشبه علي بن جهم الورد بالياقوت، يحيطه الزمرد، وفي وسطه تبر مسبوك، فيقول: كحقة عاج ضببت بزبرجد صوت قطع الياقوت في عطن القطن وغيره قال: كان محمر الشقيق إذا تصوب أو تصعد أعلام ياقوت نشرن على رماح زبرجد الحداثة والحجر ومن الشعراء المحدثين من برع حقاً في تضمين أصناف من الأحجار الكريمة في قصيدة اعتبرت من عيون الشعر العربي وهو الشاعر إيليا أبو ماضي حيث يقول: نسي الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيهاً وعربد وكسا الخز جسمه فتباها وحوى المال كيسه فتمرد يا أخي لا تمل بوجهك عني ما أنا فحمة ولا أنت فرقد أنت لا تصنع الحرير الذي تلبس واللؤلؤ الذي تتقلد أنت لا تأكل النضار إذا جعت ولا تشرب الجمان المنضد أنت مثلي يهش وجهك للنعمى وفي حالة المصيبة تكمد العرب والحجر ألف العرب عن الأحجار الكريمة والجواهر واللآلئ، ويعتبر كتاب ابن ماسويه في “الجواهر وصفاتها” من أوائل ما كتبه العرب في علم الحجارة النفيسة، وإن سبق تأليفه على أول كتاب عربي مطبوع في هذا الفن، وهو “الجماهير في معرفة الجواهر” للبيروني، بنحو قرنين من الزمان، فهو على هذا يعد وثيقة في غاية الأهمية تكشف لنا بداية اشتغال العرب في العلم المذكور وتصنيفهم، فيه إضافة إلى ما ينفرد به من معلومات حضارية قيمة تتصل بتجارة الجواهر، من لآلئ وأحجار، خاصة اللؤلؤ وطرائقهم في استجلابه، ومواطن استخراج الحجارة في المشرق القديم، وأثمانها وأوزانها المختلفة، وأوصاف كل نوع منها، ومزاياه، وخصائصه التي يختص بها عن غيره، وما يذكره من أسماء جغرافية كالبحار والجبال والمدن والجزر، ومصطلحات فنية تتعلق بعلم الجواهر الكريمة في ذلك العصر. ويعد كتاب “الجماهير في معرفة الجواهر” لأبي الريحان محمد البيروني، من خير ما كتبه العلماء العرب، في هذا الموضوع. وقد رجع عند كتابته إلى دراسة الأحجار الكريمة، دراسة علمية، ونقد ما كتبه علماء الهند، والعرب الذين تقدموا زمانه. وقد اشتمل كتاب البيروني، على وصف اثنين وعشرين حجراً من الأحجار الكريمة وقد فاق أبو الريحان جميع العرب، في هذا الفن. كما ألف شهاب الدين التيفاشي كتابه المشهور: “أزهار الأفكار في جواهر الأحجار”، وقد وصف فيه خمسة وعشرين نوعاً من الأحجار الكريمة، وتناول كل نوع منها على حدة، ذاكراً خصائصها وصفاتها. وأسهم محمد النجاري، المعروف بابن الأكفاني، والذي يعد من أعلام المؤلفين في الأحجار الكريمة، في التأليف بالحجر وله: “نخب الذخائر في أحوال الجواهر”. وقد اهتم علماء أوروبا بالدراسات العربية التي تناولت الأحجار الكريمة، وكان أول مستشرق يهتم بهذا الفرع، هو العالم الهولندي: سي. ف. رافيوس، لأنه وجد في الشعر العربي، تشبيهات عديدة، باللؤلؤ والمرجان، والجواهر النفيسة. ومما يذكر أن علماء الاستشراق اهتموا بالعلوم العربية ودراستها بإنعام وتأمل. وعلماء العرب اهتموا بعلاقة الأحجار الكريمة باللغة العربية، فنجد أن أكثر علماء الأحجار، خاصة البيروني، والتيفاشي، والأكفاني، وغيرهم، يعالجون القضايا اللغوية في شرح معلوماتهم عن الأحجار. ولقد حصل في مجرى الحركة الفكرية العامة، في العصور الأولى من العهد الإسلامي بعد أن تم الإقبال على دراسة القرآن الكريم، والحديث الشريف، الميل لنقد النصوص، ووضع القواعد اللغوية، وقد رافق ذلك حيوية جديدة، في جميع المفردات التي لم تقف في دورها عند الأشعار والأمثال، بل تعدت ذلك إلى كثير من الأسماء المختلفة. ونجد مثل هذه المعالجة في كتاب: “فقه اللغة” لثعالبي، وكتاب “المخصص” لابن سيده، وحتى في “الفصول والغايات” للمعري، وغيرها.. المسبحة والخرز ومن الغرابة أن الأحجار الكريمة زينة المرأة ولا يلبسها الرجل، غير أنه يستخدمها في مسبحته تذكيراً لاسم الله وتعداداً له، وهي ترصع التيجان والسيوف والخناجر، وكل ذلك يجتمع معاً في صفة الولع الرجولي بها. السُّبحة، أو المِسبَحة، قلادة مكونة من مجموعة من الحبات “خرز” مثقوبة، يجمعها خيط يمرر من خلال ثقوب في الحبات لتشكل حلقة، حيث تجمع نهايتي الخيط ليمرر بقصبة وليس شرطاً من نوع ولون الحبات نفسه. ويفسر محمد سامي محمد أبو غوش في كتابه “الأحجار الكريمة تاريخ السبحة” فيقول: “إن فكرة السبحة هي تطور طبيعي وحتمي من فكرة القلادة. إلا أنه من الصعب التحديد الدقيق الزمني من تحول استخدام القلادة كسبحة للأغراض الدينية، بيد أنه يمكن القول والافتراض أن فكرة السبحة بدأت عند السومريين قبل (5000) سنة و(سومر دولة قديمة في بلاد الرافدين بداية الألفية الثالثة ق.م. لكن كان بداية السومريين في الألفية السادسة ق.م). ويضيف: “من ثم انتقلت إلى بقية الحضارات الأخرى كالفرعونية والهندية والفارسية وغير ذلك من الحضارات اللاحقة، وبما إن الأحجار الكريمة المصنوعة منها السبحة تتصف بالديمومة أو تلك التي عرف عنها قوة الصلادة أو القدرة، فضلاً عما تخيله الإنسان من مظاهر روحانية وسحرية ألهبت حسه كونها من المواد تتصف بالصفات الأسطورية أو ما تعلق منها بالخرافات الشائعة آنذاك، سواء بالنسبة للرجل أو المرأة على حدّ سواء، إن للمعتقدات الروحانية والخرافات أثراً واضحاً على الاهتمام بتلك الأحجار، كل أمة حسب معتقداتها وإيمانها بالخرافات والأساطير. وللمعتقدات الطبية الخرافية القديمة تفسيرات وأسباب أدت إلى استخدام الناس للقلائد الدينية، والواقع المستخلص قد تكون مرتبطة بالشعائر المتوارثة والمستخدمة آنذاك، وقد تشمل العد والحساب أيضاً في عد الصلوات أو لغرض التأمل الديني”. الندرة البالغة إن دخول الأحجار الكريمة وشبه الكريمة في صناعة السبحة بشكل رئيسي مثل مسابح العقيق والأحجار البلورية وعين النمر والفيروز واللازورد وغيرها، وكذلك من الأحجار العضوية، كالمرجان واليسر والكهرمان، هي صناعة رائجة بشكل كبير، فالعدد المنتج من هذا النوع من الأحجار كبير نسبياً على الرغم من الندرة البالغة جداً لبعض تلك الأحجار، إلا إن أغلب ما صنع من هذه المواد كمسابح هي من حجر الياقوت الأحمر والأزرق، وغالبية مناراتها وفواصلها مصنوعة من الذهب أو البلاتين، ومطعمة بالماس صغير الحجم أو غيره من الأحجار الكريمة. تصنع السبحة من مواد مختلفة، فقد تصنع من التربة المجففة وتلون بألوان مختلفة منها الأسود أو الأزرق الشذري (لون الشذر) أو اللون البني الترابي أو تصنع على شكل حبيبات خزفية، كذلك فقد تصنع من مادة اليسر المجلوب من البحر الأحمر وتصنع قرب مكة المكرمة، حيث يتم تشكيها ونقشها وتطعيمها بنقط من الفضة أو الرصاص، فضلاً عن استخدام الصدف أو المرجان أو خشب أشجار الزيتون ونواة الأثمار وهي المشهورة في المناطق قرب مدينة القدس، ويصنع بعضها من الأحجار الكريمة مثل الياقوت والجمشست والمرجان واللؤلؤ والكهرب والفضة والذهب، ومن نفائس الحجر والمواد الأخرى، أو من العاج المنقوش والمحفور، كما قد تصنع من المواد البلاستيكية الرخيصة. لقد استطاعت السبحة أن تعبر رحلتها الزمنية عبر الديانات المختلفة الوثنية والسماوية ما يقارب 3000 سنة من دون أن يمارس عليها أي نوع من قوة الإقصاء أو الرفض أو الازدراء. اللغات والحجر إن مصطلح Gemstones في اللغة الإنجليزية والمؤلف من كلمتين ومرادفها في اللغة العربية الكلمتين “الأحجار ـ الكريمة” أو ما يقابلها في اللغات الأخرى وتعني الأحجار الطبيعية التي تتكون في باطن الأرض لا دخل للإنسان في تكوينها إطلاقاً، ويقوم باستخراجها من الأرض، كالألماس والياقوت والزفير والزمرد. وجاء ذكر الأحجار الكريمة في كل لغات الأرض، في دياناتها، وآدابها، ومعتقداتها بلا استثناء في الديانات الأرضية “البوذية” حتى آخر الديانات السماوية “الإسلام” ذكرت الأحجار الكريمة بقداستها وشفافيتها وتكريمها. هذه الطقوس الاحتفائية السوسيو/ ثقافية بالأحجار الكريمة، تنبع من قناعات متشابهة برمزيتها، بما تحتوي تلك الأحجار من غموض سيطر على الحكمة الملهمة التي تتمركز حول الثيو/ صوفية، حيث ارتبطت تلك الأحجار بالأفكار التي أفرزت مفاهيم اجتماعية عن روحية وعضوية تلك الأحجار كونها رموزاً لطاقة متمركزة فيها. تنبع تلك الطاقة من داخل الفكر لتتحول عبر المصادفة والممارسة إلى طاقة تنتقل إلى الحجر، يساعدها في ذلك بريقها وكينونتها الجمالية التي هي نتاج عضوي لمخاض وولادة الطبيعة، إنها روح الطبيعة. في الكوزمولوجيا المندائية “الصائبة” (ديانة عراقية قديمة) والتي تشير إلى الكينونة الأسمى بتكريم وتعظيم الأحجار الكريمة التي توصف بأنها غريبة، متفردة، بمعنى أنها بعيدة لا يمكن فهم كينونتها لكونها تفوق الوصف، وبسبب غموضها وتجريدها، فإن المندائيين يتكلمون عنها دوماً بصيغة الجمع الحيادي “الأحجار”، نعم هي أحجار بعيدة، طبيعية تتكون في باطن الأرض ولا دخل للإنسان في تكوينها إطلاقاً، ويقوم باستخراجها وتشذيبها ونحتها لتلائم ما يريد أن يصغها فيه، الألماس، والياقوت، والزفير، والزمرد. الأساطير والحجر أسرت الأحجار الكريمة عقل الإنسان وقلبه منذ عشرة آلاف عام، يميزها قوى طبيعية خارقة ارتبطت بهاجس الإنسان الاجتماعي بشكل رئيسي، وموضوعاتها التي كانت لا تكاد تقتصر على مسائل العلاقات الاجتماعية في البداية، كانت الاكتشافات الكثيرة للأحجار الكريمة المعروفة في يومنا هذا مثل الزمرد والياقوت والزفير والألماس هي الشرارة التي أطلقت العنان لتفكيره ليكون أكثر بعداً عن الواقعية ويخلو من التأملات الفلسفية والميتافيزيقية، بل على العكس فقد سيطرت خصائصها الفيزيائية على عقله وتفكيره، وبسبب عدم قدرته على تفسير تلك الظواهر لذلك عبدها وقدسها مثلما قدس الشمس والقمر والرياح والمطر والرعد وأي ظواهر طبيعية أخرى أحاطت به ولم يفهمها، ومن المؤكد أن هذه الأساطير قد ألفت في مرحلة فكرية أكثر نضجاً ورقياً، فجعلها مرادفاً لمفاهيم إنسانية وقيم عليا. البشر عرفوا الجواهر والأحجار الكريمة منذ نحو 40 ألف عام، وأيامها كان الإنسان البدائي يستخدمها في صناعة العقود والتمائم والحلي، كما يصنع منها لصلابتها رؤوساً لسهام الصيد!. ويقول الدكتور زكريا هميمي في كتابه “موسوعة الأحجار الكريمة”: إن الإنسان بدأ شيئاً فشيئاً في استخدام أنواع عديدة من الأحجار الكريمة، وبدأت عمليات التهذيب والتقطيع والصقل والتلميع والتشكيل في صورة قلائد تحاكي بعض مفردات الطبيعة، وهو ما كشفت عنه بعض القلائد والعقود البابلية التي عُثر عليها على ضفاف نهر الفرات والتي تعود إلى عام 5000 قبل الميلاد وهي مصنوعة من (الأوبسيديان) (صخر بركاني يشبه الزجاج)، ومن بعض الصخور الطبيعية وبعض الأصداف والمحار. الغوص والبحث عن اللؤلؤ في الإمارات.. نمط حياة كان الغوص والبحث عن اللؤلؤ من أبرز المهن التي شكلت مصدر العيش للإنسان الإماراتي في العصور الغابرة، وشكل نمط حياتهم لعقود طويلة. وبحسب المصادر المتخصصة في هذا الموضوع فإنه يتم الاعداد للغوص قبل بدء الموسم بحوالي شهر• ويبدأ موسم الغوص مع بداية الصيف وينتهي عندما يبدأ الطقس بالبرودة، ويتكون طاقم سفينة الغوص من: النوخذة وهوربان السفينة والمقدمي: رئيس البحارة، والسيب وهو الذي يسحب الغيص، والجلاس وهو الذي يفتح المحار، ووليد وهو الذي يقوم بالاعمال الخفيفة في السفينة، والنهيم وهو مغني السفينة، والطباخ• والمغاص هو المكان الذي يستخرج منه المحار الهير وتبدأ من رأس الخيمة حتى الكويت، وقد يكون فيها المحار كثيرا وبعضها قليل، ويختلف الهير من مكان الى آخر، فبعضها رملية، أو طينية، أو يابسة• واللؤلؤ من الأحجار الكريمة التي عرفها العرب في الجاهلية والإسلام، وورد ذكره في القرآن الكريم في أكثر من موضع حيث يقول سبحانه وتعالى في سـورة “الرحمن”: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ*بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ*فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ*يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ*. وكان ما يقرب من 85% من إجمالي سكان إمارة أبوظبي يعملون في مهنة الغوص أو تجارة اللؤلؤ حتى الحرب العالمية الثانية. أما أنواع اللؤلؤ، التي استخرجها الإماراتيون، فهي كثيرة ومواصفاتها متعددة، منها: الجيوان: ولؤلؤة الجيوان معروفة باستدارتها الكاملة وكبر حجمها وجمال لونها حيث أن لونا أبيض مشبع بالحمرة. اليكة: وتأتي في المرتبة الثانية من حيث كافة المواصفات ماعدا الاستدارة فهذه اللؤلؤة أقل استدارة من الجيوان. القولوه: تأتي في المرحلة الثالثة من حيث المواصفات إلا أن لونا وردي غامق، ويميل شكلها إلى الشكل الكمثري. البدلة: وهي اللؤلؤة الرابعة من حيث المواصفات ويميل لونها إلى اللون الأزرق قليلا. ومن ألوانها: الأبيض المشرب بالحمرة: وهو أفضل الألوان على الإطلاق والأكثر رغبة عند الناس والتجار. النباتي: يشبه لون نبات السكر. الوردي: يأخذ لون الورد وهو أيضا محبب عند الناس. الأسود: ويعتبر الأسود من الألوان النادرة ولذلك كان غالي الثمن. الأخضر وهو أردأ الألوان. لوحة الغلاف اللوحة التي تزيّن غلاف هذا العدد من “الاتحاد الثقافي” تحمل عنوان “”الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” Girl with a Pearl Earring، للرسام الهولندي يوهانس فيرمير (1632 ـ 1675). والمعروف أن شهرة فيرمير ظلت محصورة في زمنه وفي وطنه، إلى أن اكتشفه سنة 1866 الناقد الفرنسي تيوفيل توريه وكتب عنه سلسلة مقالات، ما جعله من فناني أوروبا المعدودين. وفي السنوات الأخيرة، سلّطت عليه الأضواء الباحثة الأميركية تريسيه شيفالييه في كتاب يحمل عنوان اللوحة التي تحتل غلافه. فكتبت سيرته، انطلاقاً من قصة هذه اللوحة. والناظر إلى لوحة “الفتاة ذات القرط اللؤلوي” يقع على خلفية سوداء، كأنها ليل يضيئه وجه فتاة ربيعية مثل وميض راسخ، تلتفت بثبات، ولكن بخفر إلى من يطالعها. بشرة موردة تنم عن بياض ثلجي. عينان مكورتان تفرجان عن سؤال دائم، وشفتان مكتنزتان كأنهما مساقط للضوء. وهناك حيث العتمة التي تلف الأذن المتوارية خلف الوجه المائل، تبرق كرة بيضاء صغيرة. لم يكن فيرمير فقيراً، لكنه عاش بائساً. اكتوى بتسلط ثلاثي: زوجته الفجة، وأمه الشرهة للمال، ومروّج أعماله المرابي. وقد انعكس هذا الجو المشحون على أعماله التي لم تتجاوز الـ36 لوحة، وتشهد كلها على النظرة الداخلية/ الباطنية لمحيطه. كان فيرمير يواجه بؤسه بالصمت. صمت ثقيل أحياناً، ولكنه شفيف دائماً، يتحصّن بالعزلة، إلى أن حضرت “جريت”، فأصبحت العزلة عزلتين.. انضمت “جريت” إلى طقم الخادمات في منزل فيرمير، لكن سرعان ما شبكها الصمت مع مخدومها. كانت أكثر علاقة بين اثنين مثقلة بالكلام، لكنه من ذلك النوع الذي يبقى منكمشا في رحم الصوت. ولولا أن أصبحت تلك الفتاة “موديلا” لسيّدها، لظلت علاقتهما مخنوقة إلى الأبد. شاركت “جريت” فيرمير رؤاه، فهي التي أشارت عليه بإضاءة تلك العتمة خلف الأذن بقرط لؤلؤي، فحملت اللوحة روحها (وروحه). وقد أعد المخرج البريطاني بيتر ويبر عام 2003 فيلماً شاعرياً مستمداً من كتاب تريسي شيفالييه. وقد أدى فيه الممثل كولين فيرث دور فيرمير، وتقمصت الممثلة سكارليت جوهانسن دور الخادمة بطلة اللوحة. عرّفتنا جوهانسن على “جريت” الحقيقية. “جريت” الخارجة من اللوحة، بصوتها وصمتها، بقهرها وصمودها، بدمعها ودمها، وهي التي تولّت بنفسها ثقب أذنها لكي تعلّق فيها قرط اللؤلؤ الوهّاج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©