الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روائي إسرائيلي يقرأ أزمات مجتمعه «بأثر رجعي»

روائي إسرائيلي يقرأ أزمات مجتمعه «بأثر رجعي»
8 نوفمبر 2012
صدرت الترجمة الفرنسية لرواية إسرائيلية جديدة بعنوان “بأثر رجعي” Rétrospective مؤلفها ابراهام يهوشوا (76 عاماً)، وهو أحد أهم وأشهر الروائيين الإسرائيليين المعاصرين. وهو شاعر أيضاً وفي روايته الجديدة، فإن المؤلف يتعرض إلى مكانة الدين في المجتمع الإسرائيلي اليوم، وهو لا يخفي تشاؤمه من الوضع السياسي الراهن في إسرائيل علماً بأنه عضو في جمعية تدعو إلى السلام الدائم مع الفلسطينيين والعرب، سبق له أن شارك عام 2003 في لقاء “جنيف” الذي جمع إسرائيليين وفلسطينيين في مبادرة ترمي إلى التقارب وبناء جسر من التفاهم بين الشعبين. والروائي الإسرائيلي، تمت ترجمة مؤلفاته إلى 28 لغة، وهو متحصل على عديد الجوائز العالمية ونال عام 1995 الجائزة التقديرية لإسرائيل، وهي أكبر جائزة أدبية. ويدين اراهام يهوشوا بناء المستوطنات، وسبق له عند وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش أن نعاه في مقال مطول بإحدى أكبر الصحف الإسرائيلية، ووصفه بالشاعر العظيم.. معاناة مخرج سينمائي وبطل الرواية الجديدة، الصادرة عن دار Grasse الفرنسية، اسمه يايير موزاز وهو مخرج سينمائي، وهي أول مرّة يختار فيها المؤلف بطلاً من الفنانين، ففي رواياته السابقة احتار ابراهام يهوشوا أبطاله من المهندسين او المحاسبين او أصحاب الحرف وورشات إصلاح السيارات، وهو يعلل اختياره هذه المرة لفنان كبطل لروايته الجديدة برغبته في إبراز قوة الخيال والمعاناة في عملية الإبداع الفني. والبطل في الرواية له عمر المؤلف تقريباً نفسه، وتتاح له الفرصة بمناسبة تكريمه لإعادة مشاهدة مجموعة أفلامه، ومن بينها تلك التي أخرجها في شبابه، وينكب عليها لتحليلها من جديد واسترجاع ذكرياته عند إنجازها، ومن بين أهم ذكرياته معاركه الأيديولوجية ضد اليهود المتشددين في الدين، وقد رأى النقاد أن هناك الكثير من وجوه الشبه بين ملامح بطل الرواية والروائي، فكلاهما له الموقف نفسه من رجال الدين المتشددين وله أيضاً الهواجس نفسها من وضع إسرائيل اليوم. ويقول إبراهام يهوشوا في هذا السياق أنه في العام الأوّل من إنشاء الدولة الإسرائيلية، فإنّ ألاتجاه كان نحو تأسيس دولة ملائكية مع الملاحظة أن أكثر رجال الدين اليهود وقتها كانوا معادين للصهيونية، وكان أكثر الناس على اقتناع بأن دورهم في إسرائيل لن يكون مهماً، ولكن بمرور الأعوام فإن العكس هو الذي حدث. فاليوم فإن المتدينين ـ كما يؤكد ذلك الروائي ـ هم في تكاثر ويزداد عددهم يوماً بعد آخر، وأن دورهم وتأثيرهم في المجتمع أصبح قوياً. وكل هذه المعاني والأفكار متناثرة في فصول الرواية من خلال النقاشات التي تدور بين أبطال الرواية الأربعة. وفي إسرائيل اليوم، يوجد جدل لدى الأوساط المثقفة حول مدى صلة بن غريون بالدين، فهناك من يؤكد أن بن غوريون الاشتراكي التوجه لم يضع قدمه يوما في كنيس يهودي، وهناك في إسرائيل من يجزم ـ ومن بينهم بطل الرواية يايير موزاز ـ بأن بن غوريون لم يكن متديناً مثلما يشاع ويكتب هنا وهناك. ويؤكد إبراهام يهوشوا من خلال هذه الرواية أن اليسار الإسرائيلي اليوم ضعيف وغائب ولم يعد يظهر تضامنا مع الفلسطينيين مثلما كان الأمر ـ حسب قوله ـ في الماضي. علاقة الشرق بالغرب والروائي الإسرائيلي من خلال بطله، المخرج السينمائي النازح من دولة غربية ومن خلال علاقته مع مدير التصوير العامل معه وهو يهودي أصيل من إحدى دول شمال أفريقيا، يحلل الصراع الأيديولوجي والديني في المجتمع الإسرائيلي بين اليهود النازحين من الغرب على غرار المخرج واليهود المهاجرين من الشرق ومن دول عربية كثيرة. والمجتمع الإسرائيلي اليوم، كما يصفه بطل الرواية هو مجتمع يميني... ويرى الروائي أن الفلسطينيين اليوم أصبحوا سلبيين في المطالبة بحقوقهم وغير فاعلين، وهو يؤكد بأنهم لم يستطيعوا مثلاً تنظيم مظاهرات ضخمة سلمية ضد المستوطنات ولو نجحوا في ذلك لكان لهم دور ـ من وجهة نظر الروائي ابراهام يهوشوا ـ في تقوية الداعين للسلام بين الإسرائيليين مثله هو. والمحور الأساسي في روايته الجديدة هو الإبداع الفني من خلال تشابك العلاقات بين أربعة شخصيات هي: المخرج السينمائي، وكاتب السيناريو، وممثلة، ومدير التصوير. وقد نسج الروائي بين مختلف الأشخاص علاقات أغلبها مبنية على الاختلاف والتناقض في الرؤى، فالمخرج السينمائي، وهو بطل الرواية، هو في السبعين من العمر وقد دعي إلى مدينة في إسبانيا لتكريمه وعرض مجموعة من أفلامه وحضر فعلاً بصحبة الممثلة التي كانت أدت جل أدوار البطولة في أفلامه، وهي تصغره بـ12 عاماً وبينهما علاقة تبدو في أول الرواية غامضة ومتشعبة، ولكنها تتضح شيئاً فشيئاً كلما تقدم القارئ في مطالعة الرواية. فالمخرج كان يحبها في صمت منذ فترة شبابه، وقد كانت هي ملهمته. والبطل يايير موزاز يكشف في الرواية عن جرح دفين لصداقة تهدمت فهو في قطيعة بينه وبين أعز أصدقائه، وهو كاتب سيناريو جل أفلامه، وكان ذلك منطلقا لتأملات حول الصداقة وهشاشة العلاقات ألإنسانية. ويمزج المؤلف ذلك بمواقف سياسية، فالمخرج يعود إلى إسرائيل بعد الأيام التي قضاها في إسبانيا ليجد بلداً فيه الكثير من العنف والهزات وعدم الاستقرار. وقد أظهر الروائي براعة في وصف الأشخاص وتحليل مشاعرهم، وفي وصف الأمكنة بأسلوب جمع فيه بين التقاط الجزئيات وتصويرها تصويراً يخدم السرد القصصي، ويتخلل كل ذلك تأملات في الزمن الذي يمضي وفي الخيانة والصداقة. وقد وصف النقاد الفرنسيون الروائي الإسرائيلي بأنه “الضمير اليقظ”، وشبهوه بالروائي الفرنسي الشهير بلزاك، وهو معروف خارج إسرائيل بمواقفه السياسية المناصرة للفلسطينيين، وان الأراء التي يجاهر بها ويدافع عنها لها وزنها وثقلها لدى الرأي العام العالمي المتابع للحراك السياسي والأدبي في إسرائيل اليوم. وابراهام يهوشوا في الرواية هو ناقد لمجتمعه، ولا يتواني في إبراز مشاعر الخوف والحيرة التي تسكن الناس في ظل عدم الاستقرار، والتساؤل الدائم عن العدو المجهول، ولذلك فهو عبر الكتابة الروائية يسعى إلى تغذية الحلم لديهم وزرع الأمل. والروائي متفرع للكتابة والتأليف، ويعيش في بيت تملكه زوجته الطبيبة النفسية في مدينة حيفا، وكان البيت سابقا مصحة تعالج فيها زوجته المرضى، وهو مطل على البحر من جهة وعلى الجبل من جهة أخرى. وابراهام يهوشوا مولود بالقدس عام 1936، ويعد من أهم الأدباء الإسرائيليين المعاصرين وأشهرهم داخل إسرائيل وخارجها، وبعد تخرجه من الجامعة العبرية بالقدس عمل مدرساً من سنة 1963 إلى سنة 1967 ثم سافر إلى فرنسا وأقام سنوات في باريس بصفته الأمين العام للاتحاد العالمي للطلبة اليهود، ثم عاد عام 1972 ليقيم وبعمل في مدينة حيفا أستاذاً بالجامعة، وقد شرع في الكتابة والتأليف مبكراً، وهو اليوم بين أبنائه وأحفاده يكتب ويحلم بيوم يتعايش فيه اليهود والفلسطينيون في سلام دائم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©