الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صرخة للفرنسيين: استيقظوا

صرخة للفرنسيين: استيقظوا
8 نوفمبر 2012
يوجه نيكولا بافاريز Nicolas Baverez مؤلف هذا الكتاب وعنوانه: “استيقظوا” reveillez vo s صرخة مدويّة وصفارة إنذار منبها الفرنسيين، لما يهدّد اقتصادهم من انهيار إن واصلوا اتباع النموذج الاقتصادي المطبق حاليا، مؤكدا أن فرنسا لن تبقى ـ إن تمادت في سياستها الاقتصادية الحالية ـ في المراتب العشر الأولى ضمن القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، بل إنها ـ حسب رأيه ـ أصبحت تمثل خطرا على مستقبل الاتحاد الأوروبي وعلى عملته الموحدة: “اليورو”. وكشف الكتاب أنّ الفقر في فرنسا اليوم أصبح يشمل نسبة 18% من الشباب، ونسبة 4.5% من الذين تجاوزوا الستين، ولذلك فإن نيكولا بافاريز يحذر الفرنسيين قائلا: “إذا تواصل انحدار الاقتصاد الفرنسي فإنه سيأتي يوم ينزل فيه مستوى عيش المواطنين ممّا سينجرّ عنه عنف سياسي قد يبلغ حد ما يسميه “حربا أهليّة باردة”، وهو يؤكد أنّ في فرنسا اليوم ثلاثة ملايين عاطل عن العمل، ولا بد لمعالجة هذه المعضلة من إعطاء دفع جديد للاقتصاد والى تطبيق سياسة اللامركزيّة ومنح المؤسسات العلميّة مزيدا من الاستقلاليّة. كما يقدّم المؤلف اقتراحات كثيرة للإصلاح التربوي والعلمي، وللتقليل من البيروقراطيّة المتحكمة في هذا النظام، كما ينادي بضرورة عصرنة النموذج الاقتصادي الفرنسي. وهو يدعو الفرنسيين إلى اليقظة وإصلاح أمورهم قبل فوات الأوان، جازما بأن فرنسا إن لم تسارع في إصلاح نفسها فإنها ستجد نفسها ذات يوم ليس بالبعيد على الهامش، ملحا على ضرورة إصلاح الهياكل وإلاّ فإن نسبة النموّ ستتقلّص والدخل القومي الخام سينزل بنسبة 20% وإنّ “اليورو” سينهار. ويعيب الكاتب على الدولة كثرة الضرائب وارتفاع قيمتها، والتي يقول إنها ازدادت بـ 32 مليار يورو منذ 2010، تحملت نصفها المؤسسات الاقتصاديّة، وهو يرى أن كثرة الضرائب على المؤسسات الخاصة من شأنها أن تتسبّب في انخفاض نسبة النمو وهجرة رؤوس الأموال وانتفال المؤسسات الاقتصاديّة إلى دول العالم الثالث حيث تتوافر يد عاملة رخيصة وتكون المؤسسات معفاة من الضرائب. وفي الكتاب دعوة للحكومة إلى تقليص نفقات الإدارة والموظفين، أو على الأقل تجميدها، والتي تقدّر في فرنسا بـ260 مليار يورو وهي ما فتئت تزداد.. والمؤلف سبق له أن أصدر كتابا سابقا في نفس السياق عنوانه “فرنسا التي تسقط” La France q i tombe، جازما بأنّ فرنسا لم تعد “زعيمة” الدول الأوروبية، كما كانت سابقا وأنها ما فتئت تنحدر عاما بعد آخر في سلم الدول الكبرى. بين فرنسا وألمانيا ويعتمد المؤلف نيكولا بافاريز في تحليله على المقارنة بين فرنسا وألمانيا، ففي فرنسا التي يعد عدد سكانها 65 مليون نسمة مقابل 82 مليون نسمة في ألمانيا، فإنّ النفقات العموميّة فيها تفوق بـ 163 مليار يورو النفقات الألمانيّة، كما أنّ فرنسا بها 500 ألف موظف أكثر من ألمانيا. ويتكهن المؤلف بأنّ جهاز الإنتاج القومي الفرنسي مهدّد بالانهيار في مجالي الصناعة والخدمات، معددا الأسباب الاقتصاديّة التي أدّت إلى الوضع الحالي ومن أهمها تكلفة العمل التي تفوق بـ 10% التكلفة الألمانيّة، في حين أنّ هذه التكلفة كانت عام 2000 أقلّ من ألمانيا بنسبة 15%، ومن الأسباب الأخرى التي عدّدها غياب اليد العاملة المختصة، وتوقيف منح القروض البنكيّة للمؤسسات، وانخفاض مستوى ومجهود البحث العلمي. كما يقدّم الكتاب معطيات اقتصادية كثيرة وأرقاما ونسبا لها صلة بالإنفاق العمومي والنمو والاستهلاك والإنتاج والتوريد والضرائب وهجرة رأس المال والأدمغة، مستنتجا أنها مؤشرات لا تبشر بخير بل هي مؤشرات سلبية على الاقتصاد، وبالتالي فإن انعكاساتها ستكون من وجهة نظره كارثية على البلاد والعباد. والمؤلف الذي يخاطب في كتابه صناع القرار أيضا، ويعيب على شق منهم اعتماد نظام 35 ساعة عمل في الأسبوع للعمال والموظفين، وهو النظام الذي جاء به الاشتراكيون عند توليهم مقاليد السلطة في فترات سابقة، يرى ضرورة الزيادة في عدد ساعات العمل الأسبوعيّة ليصل إلى 38 أو 40 ساعة. كما حملت صفحات الكتاب نقدا لارتفاع الضرائب المسلطة على المؤسسات الاقتصاديّة، مع الإقرار أنّ الوضع الاقتصاديّ الحالي في فرنسا يتطلّب إصلاحات هيكلية لدفع التنميّة نحو الارتفاع. ومن الأولويات التي يدعو لها المؤلف مراجعة تكاليف العمل سعيا لخفضها، ملحا على مسألة تطوير البحث العلمي في المؤسسات الاقتصادية، وتنميّة الاستثمار، جازما بأنه لا خيار لفرنسا اليوم: فإمّا أن تصلح أمرها وتنهض باقتصادها على غرار ما فعلت ألمانيا، أو أن تبقى فرنسا على حالها ليكون مصيرها تماما كمصير اليونان. وجاء في الكتاب أنّ فرنسا ستعيش مأساة إذا لم تصلح أمرها في ظرف خمس سنوات، ويكرر المؤلف في كل فصول الكتاب أنّه إذ لم يتمّ تطبيق إصلاحات فإنّ الاقتصاد سينهار، وهو يضرب الأمثلة الكثيرة ويقارن ويحلّل تحليلا اقتصاديا يبدو منطقيا، ولكن الأكيد أن الكاتب وإن أعطى لكل تحليلاته صيغة اقتصادية فإنّ الجوهر هو سياسي. ويدعو نيكولا بافاريز فرنسا إلى أن تنفض الغبار عن نفسها، وأن “تهتز” وأن تتجنّد لتنجو من أزمة ماليّة يراها المؤلف مؤكدة، وهو يقول ان على فرنسا أن تغتنم ما يسميها “الفرصة الأولى” المتاحة قبل أن تنهار وينهار معها اليورو، مضيفا: “إنّ التاريخ والأسواق لن ينتظراها طويلا...”. قضية المهاجرين وتعرّض المؤلف مطولا لمسألة المهاجرين العاملين والمقيمين في فرنسا، وأكثرهم من دول المغرب العربي، مؤكدا أن عددهم أكثر من خمسة ملايين مهاجر، وهو يرى أنهم يمثّلون تحديّا شبيها بالتحدّي الذي واجهته ألمانيا عند وحدتها، وهو يصر على أنّ وجود عدد كبير من المهاجرين يمثلّ عبئا اقتصاديا، إذ أنّ كثيرين منهم يعيشون في وضع البطالة ويتمتعون بمنح العاطلين عن العمل، وهو يدعو إلى تهيئة كلّ الظروف لمساعدتهم على الإندماج التام في المجتمع الفرنسي لينصهروا ضمن الأمّة الفرنسيّة انصهارا كاملا. ومن المؤكد أنّ هناك من الاقتصاديين ومن السياسيين وحتى من عامة الناس من يعارض المؤلف في كل أو بعض ما ذهب إليه وينقد آراءه، والكتاب أثار جدلا واسعا فهو مثلا يدعو إلى إلغاء الكثير من الخدمات العموميّة المجانيّة كمجانية التعليم، في حين أن الكثيرين يعارضون معارضة شديدة هذا التوجه. وكذلك فإن عددا كبيرا من المواطنين والمسؤولين في فرنسا اهتمّوا بهذا التحليل لرجل اقتصاد متمرّس، ولكن هناك من اتهمه بأنّه هو وأمثاله من “المنظرين” هم الذين يدفعون فرنسا نحو “الارتطام بالحائط”، وطبعا أجابوه بالحجّة والدليل مما خلق جدلا واسعا لدى النخب ولدى الرأي العام. وهناك من اتّهم المؤلف بأنه من “الليبراليين الجدد” ولاموه على دعوته لإلغاء مجانيّة التعليم مثلا وبينوا انه يدعو إلى مصلحة الأغنياء فقط ويدافع عنهم. وطبعا هناك من اصطفّ وراء الكاتب مناصرا مادحا ورافعا مثل المؤلف شعار: “الإصلاح أو الكارثة”، في حين أنّ بعض الرومانسيين دعوا إلى: “تحقيق السعادة” عوض البحث عن استبدال المنظومة الاقتصاديّة، فالمؤشرات الاقتصادية، تعنى بمعطى وحيد هو سعادة الإنسان، وهو ما تذهب إليه جماعة من المحللين والخبراء الفرنسيين الذين يرون أن الحديث عن المقاييس الاقتصادية بهذا الشكل الذي لا يعطي مكانا لسعادة الناس هو حديث غير إنساني ويعامل الناس فقط كأدوات إنتاج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©