الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جمهورية أفلاطون

جمهورية أفلاطون
8 نوفمبر 2012
أما عن أفلاطون أستاذ أرسطو، فهو شخصية ثرية جداً. وأفكاره عن الشعر قائمة على مفارقة دالة وملتبسة في آن. لقد تخيل عالماً مثالياً (طوباويا) يعيش فيه البشر أفضل حياة. وأطلق على هذا العالم اسم الجمهورية. وطبعا تتكون جمهورية أفلاطون من طبقات، أعلاها أسماها، وأسفلها أدناها. وتشبه الجمهورية في ذلك جسم الإنسان أعلاه الرأس، حيث العقل الذي يحدد السلوك الفاضل للإنسان. وهذا القسم الأعلى يمثله الرئيس الذي تتوافر فيه صفات الحكمة. وبعد الرأس نهبط إلى الصدر، حيث القوة الغضبية، وهي المنطقة التي يحتلها حواس الجمهورية. وبعد الصدر في النزول يأتي ما هو أدنى، حيث القوة الشهوية والغريزية التي تجعل الإنسان أقرب إلى الحيوان، وما دون ذلك توجد الطبقات الدنيا من الجمهورية، حيث العامة الذين هم أقرب إلى الغرائز. ومفهوم أن يجعل أفلاطون من أمثاله الفلاسفة حكاما للجمهورية. أما الطريف، فهو ما طالب به من طرد للشعراء من الجمهورية، لأنهم لا يلتزمون بالحقائق ولا يحترمون الآلهة الذين كثيراً ما كانوا مدعاة سخرية الشعراء الغاوين الذين لا يكتفون بذلك، وإنما يكتبون شعرا يخاطب القوى البهيمية أو الشهوية، لكنه لا يخاطب العقل. ولذلك فالجمهورية المثالية التي تخيلها أفلاطون جمهورية مغلقة الأبواب دون الشعراء. ولكن المفارقة تأتي من أن أفلاطون يروي في إحدى محاوراته (إليوت)، أن الشاعر عندما ينشد شعرا يبدو كما لو كانت انتابته حالة من المس. وأن الشعر يتفجر على لسانه كأنه يهبط عليه من آلهة، تتقمصه، وتدفعه إلى أن ينطق وهو غائب عن الوعي بكلمات وصور ليست من صنعه، وإنما هي أشبه بوحي يوحى به إليه، في حال من الجنون الرهيف، ينطق فيها لسانه بما يهبط عليه. هذا التصور للشاعر ينطوي على نوع من المفارقة، فالفيلسوف الذي يخرج الشعراء من جمهوريته ويطردهم، يعود في محاورة من محاوراته فيرفع إلى مكانة أعلى. هي مكانة الذين تتقمص ربات الوحي والإلهام أو ربات الشعر بلا فارق كبير. والسؤال الذي لابد أن يرد على الذهن، هو كيف نفسر ما يبدو تناقضا؟. طبعا لن يكفي أن يدافع الشعراء عن أنفسهم بأنهم ينطقون عن وحي. فسوف يقول لهم أفلاطون إن حتى هذا الوحي الذي هو أقرب إلى حالات الجنون لن يرفع من مقامهم. ولن يصل بهم إلى موضع الفلاسفة الذين لا ينطقون عن الهوى. الأطرف في الموضوع أن كل النظريات اللاحقة التي دافعت عن الشعر بأنه يقدم نوعا بعينه من المعرفة، هي أقرب إلى المعرفة الحدسية التي تصل إلى جوهر الأشياء، وتكشف أقنعة المستور من الحقائق الكلية للكون. أقول إن الأطرف أن الذين دافعوا عن الشعر على هذا النحو كانوا يعتمدون على أفلاطون بعد تأويله لمصلحة أهدافهم. وبينما ظل القائلون بأن الفن صنعة وهم أتباع أرسطو، كان الرومانتيكيون العظام يستخدمون بعض مفاهيم أفلاطون ضد أفلاطون.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©