مسؤولية ثقيلة تنوء بحملها الجبال تلك التي وضعت على مباراة الشقيقين الأهلي المصري والترجي الرياضي التونسي في ذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا، وقد أصبح لقبه مملوكاً للأندية العربية منذ زمن طويل. مسؤولة رياضية، مسؤولية قومية ومسؤولية أخلاقية.
أما المسؤولية الرياضية، فتمثلت في إخراج هذا الوجه الأول للنهائي “الحلم” على النحو الذي يرضى عنه الأفارقة، وهم يطمحون السنة بعد الأخرى لأن ترقى كأس أبطالهم إلى ما أصبحت عليه مسابقة أمجد الكؤوس بالقارة العجوز من قيمة كروية تستطيع أن تجتذب ملايين المشاهدين والمستثمرين أيضاً، وللأمانة فقد أهدانا لاعبو الأهلي والترجي وجبة كروية دسمة بأبعاد فنية كثيرة وبتقاسيم هندسية جميلة وبزخم إبداعي محترم، كانت الأفضلية في البناء وفي التصميم وهندسة الأداء للأهلي المصري وكانت نسبة التوفيق عالية جداً عند الترجي التونسي في وضع الخلطة الدفاعية التي تتطابق روحاً ونصاً مع مضمون المباراة.
أما المسؤولية القومية، فكنت أراها في الضوء النيزكي الجميل الذي كان بمقدور لاعبي الأهلي والترجي أن يلقوه على ما يجب من إرادة لصنع الحاضر قبل المستقبل باستحضار كامل لقيم الميدان والياسمين، وأظن أن الناديين معاً نجحا إلى أبعد حد في الارتفاع بالأمل ليعلو على خرائب اليأس، وقدما الدليل على أن الرياضة وكرة القدم التي صنعت مجد مصر وتونس لتبوؤهما معاً الريادة عربياً وأفريقياً.
وتمثلت المسؤولية الأخلاقية في رفع الستارة على مشهد رياضي نظيف، خالٍ من شوائب العنف ومن مظاهر الشغب، فمن رسائل النعي والرثاء المؤثرة التي ترحمت بخشوع على من أزهقت أرواحهم في مجزرة بورسعيد، إلى وشاحات الحب التي صاغتها الجماهير، كان التزام الجماهير المناصرة للأهلي والجماهير المناصرة للترجي كبيراً ومؤثراً بمبدأ المناصرة الخالصة التي لا تطرف ولا غلو فيها، وأعتقد أن الذين ما زالوا يشككون في قدرة مباريات كرة القدم على أن تلتزم بأحكام العهد الجديد في مصر، توصلوا يقيناً إلى أن الوقت حان لرفع الحظر عن دوري كرة القدم بمصر والإفراج عن مصائر آلاف العائلات المعتقلة بذنب وليس بجنحة الشغب.
مؤكد أن للنهائي الأفريقي صفحة ثانية وأخيرة برادس، ومؤكد أن الترجي والأهلي سيقدمان ما يستكمل السيمفونية الكروية الجميلة التي بدأت في برج العرب قرب الإسكندرية، ومؤكد أخيراً أن البطل سيكون عربياً خالصاً، ولكننا نتطلع لأن تكون كرة القدم هي الفائز الأكبر.
drissi44@yahoo.fr
عدد اليوم
