الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«القرية المصرية» .. أهلها هجروا الزراعة إلى الفضائيات والتواصل الاجتماعي

«القرية المصرية» .. أهلها هجروا الزراعة إلى الفضائيات والتواصل الاجتماعي
17 نوفمبر 2013 21:00
تعيش القرية المصرية منذ حقبة السبعينيات من القرن المنصرم حالة من العزلة والانفصام، وعزا كثيرون من أهالي القرى هذا التغير بما طرأ على سلوك أهلها من انقلاب على التقاليد والموروثات الاجتماعية، وقد تغيرت قلوبهم وأشكالهم وألوانهم قبل كل ذلك، أو ربما هم المتأثرون بما مرت به تلك القرية من مراحل عصيبة عاشت فيها اضطهادا كبيرا من قبل قلة قليلة من الإقطاعيين، الذين ملكوا ما عليها من بشر وحيوانات وما تجنيه تلك الأرض من خيرات. والحقيقة الجلية تؤكد أن القرية تحملت كافة الأعباء الاقتصادية الضخمة التي عاشتها مصر في عصر محمد علي باشا وأسرته حتى عصر الملك فاروق، حيث كان الفلاح المصري القابع هناك بعيداً في قريته البسيطة، هو الوحيد الذي كان يتحمل عبء الضرائب المتتالية التي كانت تفرض عليه مثلما تفرض على باقي فئات الشعب، وبدت القرية المصرية في مهب الريح، تحتاج منا جميعاً إلى وقفة للعودة إلى التقاليد وتهذيب السلوكيات لتكون إيجابية تجاه المجتمع. دراسات وتؤكد الدراسات الاجتماعية المختلفة التي أجريت من مختصين وباحثين في مؤسسات مصر حول القرية المصرية أنه في الفترة من 1880 - 1935، شهدت القرى المصرية نموا حقيقيا بدأ مع خطط التطوير التي تبنتها أسرة محمد علي باشا والمتمثلة في تطوير واستحداث طرق ري دائم في مصر، للاستفادة بحكمة من مياه النيل في زراعة المزيد من الأراضي الزراعية. وتراجعت مراحل التنمية في القرية المصرية في الفترة من 1935 - 1952، ثم أعادت ثورة 1952 للقرية مكانتها الكبيرة، كما أخذ جمال عبدالناصر على عاتقه مهمة إعادة الاعتبار إلى الفلاح المصري الأصيل هذا البطل الخفي على مدار التاريخ، حيث أصدر قوانين الإصلاح الزراعي الشهيرة التي منحت ولأول مرة في تاريخ مصر الأرض لصاحبها الحقيقي والقائم عليها ألا وهو الفلاح، وحددت وفقا لتلك القوانين ملكية الأراضي الزراعية لفئة الإقطاعيين الذين أذلوا الفلاح واغتصبوا القرية المصرية لسنوات طويلة. ثم هدأت مسيرة التنمية في القرية المصرية في الفترة ما بين 1967 - 1973، حيث جعلت الدولة همها الأكبر بناء الجيش المصري لاستعادة سيناء المغتصبة. وما أن مرت حرب أكتوبر، وعقدت معاهدة السلام ودخلت مصر عصر الانفتاح الاقتصادي الجديد، حتى بدأت واحدة من أخطر الهجرات الداخلية لأبناء القرى إلى المدن، للاستفادة من حالة الرواج الاقتصادي في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد وغيرها من المدن تاركين القرية المصرية، وبذلك فرغت القرية المصرية بتلك الهجرات المتتابعة من كوادرها ومفكريها ومثقفيها. شهادة أهل القرية ويقول رضا عبدالعال أحد أبناء قرية الصانية مركز ديرب نجم بمحافظ الشرقية، تركت القرية في بداية الثمانينيات طامحاً لحياة أفضل في القاهرة، فلم تكن الحياة في القرية مقنعة بالنسبة لي شخصياً، ولكثير من أبنائها الذين تعلموا وحصلوا على شهادات متنوعة ولم تكن لديهم خبرة العمل بالزراعة، ومن هنا تكون الهجرة إلى المدينة أمرا ملحا وضروريا، للبحث عن الحياة الفضلى والمستقبل المريح بعيداً عن حالة البؤس والشقاء التي عاشها آباؤنا وأجدادنا. وأضاف عبدالعال أنه امتهن العمل الحر مؤمناً بأن سلم النجاح أولاً لابد أن نصعده هناك في القاهرة درجة درجة، والحمد لله حققت كل ما كنت أصبو إليه، ومع كل ذلك لم أنقطع أبداً عن زيارة قريتي من وقت لآخر، ولكن لم تعد القرية كما كانت في الماضي هادئة وديعة غنية وكريمة، لقد ظهرت أجيال وأجيال نجتهد كثيراً حتى نتعرف عليهم وعلى أفكارهم المختلفة عن فكر القرية القديم. ويقول الراعي السيد علي أحد أبناء القرية وهو مغترب: لم تعد قريتنا كما كانت في سالف عهدها الأول، نعم تطورت كثيراً وأصبحت لا فرق بينها وبين المدينة، ولكن زادت حالة الاغتراب التي يعيشها الأفراد داخل القرية بل والبيت الواحد، وعندما أسافر إلى قريتي لقضاء الإجازة السنوية، أشعر بعيداً عن محيط أسرتي بنوع من الغربة داخل القرية، لم تعد البيوت القديمة كما كانت في الماضي، نبحث عن التاريخ والذكريات القديمة التي كنا نصنعها بعفوية شديدة في شوارعنا فلا نجدها أبداً. «حكاواتي» القرية وعاشت قرية الصانية بمركز ديرب نجم محافظة الشرقية كما تعيش آلاف القرى المصرية، سنوات من التماسك والألفة سادت بين قلوب أهلها، كما تعيش القرية ذاتها الآن حالة من الأنانية التي تحرض قلوبنا على التقزم داخل البيوت الأسمنتية وخلف شاشات التلفاز التي لا حصر لها، وكانت تعرف بين صفوة مثقفيها بأنها «الكوفة الصغيرة» نسبة إلى الكوفة بالعراق. وكان الصغار يذهبون إلى الحاج مصطفى أبو الحاج علي، ليستمعوا وهم يضحكون إلى حكايات بالغة الدقة والروعة، وها هو قد رحل عن القرية، وهدم البيت الذي كان يجلس بجانبه الأطفال على «المصطبة - بناء من الطوب اللبن»، وتغيرت المعالم وطمست في القلوب المعاني، وبقي شخص واحد ما زال يقوم بدور الحكواتي إنه الحاج متولي محمد المشهور بمتولي سكرونه. ويقول الحاج متولي سكرونه 66 سنة عشت طوال حياتي في قريتي لم أبرحها أبداً، كنت إذا تركتها ليلة واحدة أشعر وكأنني إنسان آخر، ثم أستيقظ في الصباح الباكر وأجد نفسي مشدوداً رغماً عني صوب قريتي، وأنا فلاح أمتلك قطعة أرض بسيطة ورثتها عن أبي ولي أكثر من عشرة أبناء معظمهم تركني وهاجر إلى القاهرة بحثاً عن الرزق. ولفت السيد محمد متولي إلى أنه هاجر إلى القاهرة في السبعينيات من القرن الماضي، وقد عاش جزءاً بسيطاً من حياته الأولى في القرية، ورغم سعادته، لكن تظل القرية في ذاكرته أينما ذهب وارتحل، حيث يزور قريته ربما في السنة مرة أو مرتين فقط في الأعياد والمناسبات العامة، ويجد القرية قد تغيرت كثيراً. أما المعلم محمد أبو شعبان الذي يعمل قصاباً بقرية الصانية فيرى أن القرية تغيرت كثيراً، وما ينطبق على قريته ينطبق على جميع القرى المجاورة في الدلتا وحتى في الصعيد. كتل الأسمنت وقال عبده أبو حسن من فلاحي القرية: تعرضت الأراضي الزراعية في قرية الصانية وغيرها من قرى مصر، ومنذ قيام ثورة 25 يناير 2011 إلى انتهاكات كبيرة، حيث قام أهالي القرى بالسطو على المساحات المزروعة بعد تبويرها من الزرع تمهيداً للبناء عليها أو بيعها والتربح من ورائها. وينتقد شاكر علي محمود من أبناء القرية انتشار المباني المخالفة في كل أنحاء القرية وقرى مركز ديرب نجم والشرقية ومصر بشكل عام، مشيراً إلى أن القرية المصرية، تغيرت، وكذلك أهلها وبعض شبابها «المتفرنج»- على حد قوله- الذي لا يعرف قيمة الأرض وتقاليد القرية الأصيلة. وأضاف الحاج شاكر علي متسائلاً هل تريدون أن تتعرفوا على حال القرية المصرية؟ عليكم أن تروا بعض الشباب ليلاً، ستجدونهم يتسكعون على المقاهي التي ملأت القرية وكانت في وقت سابق عيبا كبيرا. أما عاطف حبيب فبادر بقوله: لو قايضوني بالذهب حتى أخرج من القرية، التي ولدت وعشت فيها ما ارتضيت أبداً، صحيح أن القرية تغيرت ولكن نحن أهلها ونحن المسؤولون عن هذا التغيير إذا كان سلبياً أو إيجابياً. بالأرقام بلغ عدد القرى التي استحدثت في عصر محمد علي باشا مع القرى القديمة المتناثرة هنا وهناك وحتى عام 1927 ما يزيد على 2325 قرية ونجعاً وعزبة تابعة لتلك القرى، وفي تعداد سكان عام 1986 بلغ عدد سكان القرى المصرية 75% من سكان مصر، والباقي من السكان يعيشون في المدن الكبرى والصغيرة بأنحاء مصر المحروسة، وفي عام 1976 بلغ عدد القرى في مصر 4066 قرية، بينما ارتفع هذا العدد نسبياً خلال عام 1986 ليصل إلى 4129 قرية، شكلت القرى الواقعة في حيز وادي النيل والدلتا ما نسبته 99.6%، بعدد 4118 قرية من إجمالي العدد 4129 قرية، وبلغ عدد سكان تلك القرى في ذاك الوقت 26 مليون نسمة، بمتوسط 6500 نسمة للقرية الواحدة. وفي إحصاء عام 1986 للمراكز المختصة في مصر أكدت تلك الإحصاءات الرسمية أن عدد منازل أهل القرى وقتها بلغ أكثر من 5.6 مليون بيت ومبنى، حيث حددت المتوسط العمري للبيت الريفي بحوالي 65 عاماً، وبلغت نسبة المنازل المشيدة من الطوب اللبن التقليدية 50.3% بينما تمثل المباني المشيدة من الخرسانة المسلحة الباقي.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©