الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طفرة الترفيه والأطفال

17 نوفمبر 2013 21:05
لولا الأخلاق والفضائل لتحوّل العالم لغابات من الوحوش الذكية، ولأصبح الإنسان الأكثر همجية بين المخلوقات المُتحركة، فهو لا يتمتع فقط بقدرة شيطانية خارقة على إلحاق الضرر بالبشرية، بل ينفرد أيضاً بقدرات لا متناهية في تحريك غرائز الغير والتحكم بها أحياناً. لنتخيل مثلاً الناس من حولنا من دون أخلاق وفضائل وقيم، بالتأكيد سيكون كل فرد مشروع شيطان أخرق، وسيكون العالم مُهدّداً بنوع لا سابق له من الفناء أو الفساد الروحاني، والفراغ القاتل من القواعد النبيلة الناظمة للتعامل بين الأفراد والمجتمعات. تحضر هذه الصورة القاتمة لدى التفكير بإمكانيات التأثير والتوجيه والإنتاج والإعلام، ولاسيما صناعة «الترفيه» والسينما وما ينتظرها من آفاق أخرى نتيجة التقدم التقني الذي يتلاشى معه شيئاً فشيئاً مفهوم المستحيل لدرجة غير متوقعة ولا في الأحلام. على أن هذه الصورة المحتملة ليست ضرباً من الخيال، فاحتمال حدوثها وشيك جداً إذا لم يتم التفكير بها وبأثرها على الأطفال، ولو على سبيل الاحتياط. إن عالم الترفيه ليس وردياً. ووفقاً للدراسة التي نشرتها مؤخراً مجلة «طب الأطفال» الدورية الأميركية، تضاعفت مشاهد العنف في أفلام هوليوود 3 مرات منذ 1985، وخاصة في الأفلام المرخّص بمشاهدتها بحذر من قبل الأطفال. لم أفاجأ مطلقاً بما أظهرته الدراسة من أن الأميركيين يعشقون الأفلام التي تصور العنف، فمع مثل هذا التقدم في صناعة الأفلام والترويج لها لا يعود مستغرباً أبداً عشق المشاهدين للعنف، مهما كانت جنسياتهم. وهذا بالضبط ما نقصده عندما نتحدث عن القدرات اللامتناهية في تحريك غرائز الغير. والعنف ليس إلا واحداً من هذه الغرائز، ولو تتبّعنا ما يحدث بشأن قدرة الأفلام وصناعة الترفيه وسحر نجومها ونجماتها على إثارة باقي الغرائز، كالشهوة والسلطة والاستحواذ والقوة، لأصبح أكثر وضوحاً الحديث عن الإنسان الأكثر شراً وهمجية بين المخلوقات المُتحركة وقدراته الشيطانية. أليس كذلك؟. البعض يطلق على هذه الظواهر فتنة. ولكنها علم وسياسات وتوجيه. دراسة العنف في الأفلام الأميركية خلصت مثلاً إلى ضرورة إعادة تصنيف الأفلام التي يُحذّر من مشاهدتها، حتى يعرف أولياء الأمر متى يحظرونها على أطفالهم. مفعول مثل هذا الإجراء الوقائي الصغير قد لا يظهر قبل سنوات، لكنه خطوة الحد الأدنى وسيتبعه كثير من الخطوات. أما وقاية أطفالنا من التحول لمشاريع شياطين في المستقبل فتفتقر لأدنى مشاريع العناية التي يحتاجونها بازدياد، حيث هم عرضة لسوق متحررة ومنافسة شرسة بين شركات الإنتاج والتوزيع والفضائيات وقراصنة الإنترنت وتخمة الألعاب والفيديو وما تثيره من عنف وغرائز أخرى، فلاشك أن الأخلاق والفضائل ضرورة وقائية ملحة وسط هذا الانفتاح الشاسع، لكن ثمة لامبالاة وجهلاً ونقصاً بأدنى مقومات الحماية، حيث لا أحد يدري – ولا يحلل- ما الذي يدخل رؤوسهم وما الذي يؤثر فيهم أكثر من طفرة المنتجات الواردة إلينا سراً وعلانية، ولا أحد يعرف كيف؟. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©