الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

ولد الشيخ عبدالله يواجه معضلة جلد النمر

7 ابريل 2007 00:54
حسن ولد المختار: من المنتظر أن يتسلم الرئيس الموريتاني المنتخب سيد محمد ولد الشيخ عبدالله مهام منصبه في 19 أبريل الجاري، لتنتهي بذلك فترة الحكم العسكري التي امتدت منذ انقلاب 3 أغسطس ،2005 وفترة ولاية الحكومة الانتقالية التي قدمت هي الأخرى استقالتها رسمياً يوم السبت 31مارس الماضي· وما ينتظر الرئيس الجديد من تحديات سياسية واقتصادية، وأيضاً اجتماعية يؤكد في مجمله أن مهمة الرجل لن تكون سهلة بأي وجه· فعلى المستوى السياسي، سيتعيَّن عليه للوفاء بما اسماه خلال حملته الانتخابية ''مشروع التغيير'' أن يوجد أطراً وقواعد اشتباك واضحة مع المعارضة، وأن يحدث أيضاً آليات وتقاليد جديدة للتعامل مع سلطة تشريعية بالغة التشتت حزبياً، وشبه جديدة كلياً في وجوهها وفي كُتلها على المشهد التشريعي في البلاد· وإذا كانت مهمة التعامل مع المعارضة صعبة عادة، بحكم تعلقها باستئلاف قوى سياسية تحمل أجندة مختلفة وتقف على مسافة رؤية سياسية مغايرة على نحو يزيد الشعور به أو يقل، فإن المهمة الثانية هي استئلاف البرلمان وترويضه، أو على الأقل خلق تقاليد إيجابية في التعاطي معه، لا تقل هي الأخرى صعوبة، في الحالة الموريتانية الآن، في ضوء التشتت الواضح لأعضاء البرلمان المنتخب حديثاً، والذي يصفه البعض بـ''تشكيلة جلد النمر'' في إشارة إلى كثرة الكتل الحزبية والمستقلة الممثلة فيه· فصل الرئاسة و''الزعامة الحزبية'' ومع أن بعض المراقبين كانوا يتوقعون أن تتحول ''كتلة المستقلين'' التي دعمت ولد شيخ عبدالله أثناء الانتخابات إلى حزب سياسي وهي الكتلة الأكبر في البرلمان، مضافاً إليها ممثلو أحزاب الأغلبية الرئاسية السابقة وبعض الأحزاب التي انضوت أخيراً في تحالف مع الرئيس المنتخب خاصة في الشوط الثاني وأبرزها ''التحالف الشعبي التقدمي'' وزعيمه مسعود ولد بلخير، إلا أنه ليس في مقدور ولد الشيخ عبدالله مع ذلك التعويل عليها حتى لو تحولت إلى ''حزب'' لأن التعديلات الأخيرة على الدستور الموريتاني تفصل أيضاً بشكل واضح بين منصبي الرئاسة والزعامة الحزبية، وتمنع بالتالي على رئيس الجمهورية أن يكون رسمياً زعيماً لحزب، أو أن يمارس صلاحياته من منطلق هذه الصفة· تماماً كما أن القانون الأخير المنظم للمعارضة في موريتانيا أعطى زعيمها صفة سياسية ذات حيثيات اعتبارية لا يمكن التغاضي عنها· كما ألزم رئيس الجمهورية بالتشاور مع زعيم المعارضة في القرارات المهمة وذات الشأن· ولعل هذا ما دفع الكثيرين إلى التفكير في إمكانية حصول توافق أو تراضٍ من نوع ما بين الرئيس المنتخب ومنافسه في الشوط الانتخابي الثاني أحمد ولد داداه زعيم أحزاب المعارضة السابقة المعروفة بـ''تحالف قوى التغيير''، في عملية تشكيل الحكومة المرتقبة خلال الأسابيع المقبلة· غير أن تشكيل حكومة من هذا القبيل، الذي يسمى عادة في لغة الخطابة السياسية بـ''حكومة الوحدة الوطنية'' لا يتم في الغالب إلا في حالات الأزمات الوطنية الكبيرة، وهو ما تفترض الطبقة السياسية الموريتانية الآن أنها خارجة منه، وليست داخلة إليه· ويبقى الأقرب إلى التصور هو أن تستمر طبيعة التحالفات وبالتالي قواعد الاشتباك القائمة الآن بين الرئيس المنتخب و''كتلة المستقلين'' وأحزاب تكتله الانتخابي من جهة، وبين أحزاب المعارضة التي تستحوذ على نسبة لا يُستهان بها من مقاعد البرلمان ومن المجالس البلدية من جهة أخرى، وأن تتشكل حكومة بعد استحقاق 19 أبريل، دون أن تحمل تحولات أو مفاجآت ذات شأن تدفع بالمعارضة إلى حمل حقائب في التشكيلة المرتقبة، لأن حلبة واحدة في هذه الحالة ستكون كافية للتعبير عن التجاذب المتوقع بين الطرفين، وهي حلبة الأمر الواقع المتمثلة في البرلمان الجديد· تحديات اقتصادية على صعيد اقتصادي عرف عن الرئيس الموريتاني المنتخب شغله في تشكيلات حكومية سابقة لحقائب وزارية خدمية وذات تماسٍّ مباشر مع الشأن الاقتصادي والتخطيطي، كما عمل مستشاراً اقتصادياً لفترة مديدة في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وهي خبرات قد تفيده عملياً وإجرائياً في التعامل مع ملفات اقتصادية عديدة تركتها حكومة المرحلة الانتقالية المستقيلة على الموقد الخلفي، خاصة أن تلك الحكومة ظلت تتصرف خلال أشهر الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة كما لو كانت حكومة تصريف أعمال فقط، وإن كانت تمكنت من استقطاب استثمارات في قطاع المناجم في شمال البلاد لعل أكبرها ذلك المتصل باستغلال خامات الحديد الموريتاني بشراكة خليجية تقدر بمليار دولار· غير أن طريقة تصريف واستثمار عائدات البلاد من صادرات النفط، وإعادة ترتيب العلاقة مع المؤسسات النقدية الدولية، ومع عموم من يُسمون في الخطابة السياسية الموريتانية بـ''الشركاء التنمويين'' و''المانحين''، ثم تحريك الدورة الاقتصادية عموماً في بلد يُصنف ضمن أفقر دول العالم، بهدف الرفع من مستوى معيشة الفئات الأكثر فقراً في البلاد، كل ذلك يطرح أمام الرئيس الجديد حزمة تحديات اقتصادية حقيقية، تقتضي بطبيعتها منه ومن حكومته المرتقبة، إنتاج استجابات غير تقليدية للتعاطي معها· نهاية ''البيان رقم واحد'' ؟ لقد انطلقت تجربة التحول السياسي الحالية في موريتانيا من رافعة سياسية مثقلة بأعباء الذاكرة، ودافعة إلى إحداث تحول· ذاكرة سلسلة الانقلابات العسكرية التي عرفتها موريتانيا منذ 10 يوليو 1978 حيث لم تكد البلاد تعرف أي انتقال للسلطة منذ ذلك التاريخ إلا عبر التداول بـ''البيان رقم واحد'' من نظام إلى آخر· فعن طريق هذا ''البيان رقم واحد'' دخل قصر الرئاسة العقيد مصطفى ولد محمد السالك، والمقدم ''محمد خونة ولد هيدالة'' والعقيد ''معاوية ولد الطايع''، وأخيراً العقيد ''علي ولد محمد فال''، وبين هؤلاء وأولئك عشرات الانقلابات الفاشلة أو شبه الفاشلة، وأيضاً ''شبه الناجحة'' كانقلاب القصر الذي جاء بالمقدم ''أحمد ولد بوسيف''، وآخر جاء بالمقدم محمد محمود ولد أحمد لولي··· الخ· وأيضاً ذاكرة تحول تجربة ''التعددية'' نفسها مطلع التسعينيات إلى ما يشبه نظام ''الحزب الواحد'' الذي كان مسيطراً سيطرة شبه مطلقة على الحكومة والبرلمان والمجالس البلدية في وقت واحد· وبعودة قادة المؤسسة العسكرية الآن إلى الثكنات، وتحول ''الحزب الجمهوري'' الحاكم سابقاً إلى حزب ضمن مجموعة أحزاب، يأمل كثير من الموريتانيين أن تكون بلادهم قد تخلصت من فلسفة ''البيان رقم واحد'' العتيدة· ''التناوب''·· على الطريقة الأفريقية وإذ تشهد موريتانيا الآن لأول مرة طريقة أخرى في التناوب على السلطة فإنها لا تشذ عن تقاليد الممارسة السياسية في فضائها الأفريقي الغربي، فالتناوب السلمي على السلطة ممارسة عادية لدى العديد من دول الجوار الأفريقي، ولعل أشهرها التجربة الديمقراطية السنغالية العريقة· فالسنغال ربما تكون هي البلد الأفريقي الوحيد الذي لم يشهد أي انقلاب عسكري منذ استقلاله عن فرنسا سنة ،1960 وقد تناوب على رئاسته حتى الآن ثلاثة رؤساء مدنيين فقط طيلة هذه الفترة وهم سينغور، وعبده ضيوف، وعبدالله واد· كما أن جمهورية مالي التي تحد موريتانيا من الشرق شهدت هي الأخرى إقامة تناوب سياسي سلمي على السلطة، وإن كان ما أفضى إليه أصلاً انقلاب عسكري نظمه في بداية التسعينيات الرئيس ''آمادو توماني'' توري الذي لم يترشح يومها، وسلم السلطة إلى المدنيين، وفي دورة رئاسية لاحقة ترشح بصفته مدنياً وانتخب بطريقة ديمقراطية، في حين ذهب الرئيس المدني ألفا عمر كوناري لتولي رئاسة الاتحاد الأفريقي، وكانت تلك ''جائزة'' تستحق التضحية من أجلها، في نظر كثير من المراقبين الأفارقة· التجربة·· في عيون عربية استقبل كثير من المُعلقين والكُتاب العرب التجربة الانتخابية الموريتانية باهتمام كبير، وكان لثورة الاتصالات التي جعلت ''التجربة الموريتانية'' تنقل ''على الهواء'' تقريباً إلى كافة البيوت العربية سبب في ذلك بطبيعة الحال· وعلى عكس الترحيب الحذر -وأحياناً البروتوكولي- الذي استقبلت به الأوساط الرسمية في عواصم عربية عديدة التجربة الموريتانية، وربما تمشياً مع التحمس التي أبدته قطاعات من الشارع العربي، استدعى معظم الكُتَّاب والمعلقين العرب في حديثهم عن ''التجربة الموريتانية'' صفات من قبيل ''النموذج'' و''الدرس'' و''المثال''، وعبارات مشابهة· على أن من بين الكُتَّاب العرب من اقترح ''نظرية'' في ''فلسفة التغيير''، ضارباً مثالاً بالتجربة الموريتانية وتجارب أخرى عربية في قلب الأنظمة، مقيماً مقارنة بين آثار ''الاحتلال'' وآثار ''الانقلاب''، بين نتائج التغيير من الداخل والتغيير بفعل تدخل خارجي، مالئاً الخانات بالصفات والأوصاف السلبية أو الإيجابية، هنا أو هناك· على أن واشنطن نفسها ركبت هي أيضاً موجة استثمار دلالات ''التجربة الموريتانية''، وإن كانت فعلت ذلك على طريقتها الخاصة، من خلال إشادة الناطقين الرسميين بالتجربة الانتخابية الموريتانية، غير أنها حرصت خلال كل ذلك أيضاً على إبراز الوجه الأفريقي لموريتانيا تحديداً على حساب وجهها العربي· فقد كان الحضور الأميريكي في نواكشوط أيام الانتخابات الموريتانية أساساً من قبل نائبة وزيرة الخارجية للشؤون الأفريقية، ولم يكن من قبل الدوائر ذات الصلة بشؤون المنطقة العربية والشرق الأوسط· فهل كانت ''الرسالة'' الأميركية، بهذا المعنى، هي التأكيد على أن ''التجربة الموريتانية'' جاءت في سياق أفريقي مختلف، عن السياق العربي، وبالتالي اقتضى الأمر ''تلـــزيم'' إنتــــــاج المــــــوقف الأميركي منها لدائرة الشؤون الأفريقية تحديداً ؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©