الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطية إلى غروب.. في زمن الإرهاب والحروب!

18 نوفمبر 2015 12:02
مثل الاشتراكية والرأسمالية والقومية والناصرية والإسلامية فشلت الديمقراطية فشلاً ذريعاً في الدول العربية التي نقلت حرفياً هذا النموذج الغربي، وكأنك وضعت قبعة على رأس رجل يرتدي زياً عربياً من المغرب أو ريف مصر أو الخليج أو السودان. وهذا الرجل سيكون مظهره غريباً بل مضحكاً بالتأكيد، وهذه هي بحق أزمة العرب، وأعني بها أزمة التقليد والمحاكاة، وتغليب المظهر على الجوهر وضياع الأصل بسبب الاهتمام بالصورة. لذلك كانت كل النظريات والأفكار والمناهج، ومنها الديمقراطية صورية قشرية في الدول العربية، وهي مساحيق تجميلية سرعان ما تزول إذا تعرضت لعوامل جوية ويظهر الوجه الحقيقي بكل تفاصيله القبيحة. والعرب لا يعرفون من الديمقراطية سوى صناديق الانتخاب، ولا يعون أن الديمقراطية منهج حياة وسلوكيات يومية للفرد مع نفسه ومع الآخرين ومع مجتمعه، والديمقراطية العربية تلوثت وتلونت مثل غيرها من المناهج والنظريات بآفة القبلية والعصبية والغلو، وإذا كانت الديمقراطية في بلاد المنشأ تعني فن إدارة الاختلاف، فإنها تحولت في التربة العربية القبلية العصبية إلى فن تأزيم الاختلاف. وفي الدول العربية التي تطبق المنهج الديمقراطي الغربي حرفياً، يسقط قتلى وجرحى في كل انتخابات، لأن صناديق الاقتراع تحكمها العصبيات القبلية والعائلية والعشائرية، ولأن الانتخابات يحكمها الصراع ولا تحكمها المنافسة. والسر وراء فساد كل المناهج والنظريات والأفكار في التربة العربية هو تآكل وانقراض الوطن لحساب الشخصنة والقبلية والطائفية. وما كان ينبغي أن تصلحه الديمقراطية أفسدته الديمقراطية نفسها، وعندما يسقط سقف الوطن يصبح كل شيء بلا سقف، ونصبح في العراء ونلعب بلا قواعد تحكم اللعبة سوى قواعد الذات والقبيلة والطائفة والمذهب والعشيرة والعائلة، أي أن تآكل وانقراض الوطن يجعل الجميع يفسدون بأدوات الإصلاح وينحرفون بأدوات وآليات الاستقامة.. فتراهم يفسدون بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وبالقانون والدين.. والقوانين في الدول العربية مليئة بالثقوب الشخصية والقبلية والفئوية، أي أنها مليئة بالاستثناءات ومراعاة الخواطر والتوازنات، ولأن الوطن متآكل ومنقرض في التركيبة النفسية العربية إلا ما رحم ربي، فإن ثقافة العمل الجماعي غائبة تماماً.. والعمل الجماعي لا يكون حاضراً إلا عندما يغلب العام الخاص، ويعلو الجماعي على الشخصي، ويعلو الوطن على الفئة، والطائفة والجماعة، وتعلو العقيدة والدين على المذهب. وأضرب مثلاً واضحاً وجلياً من المشهد العربي يؤكد لك تآكل العام لحساب الخاص والشخصي لحساب الجماعي والذاتي لحساب الموضوعي.. ونظرة سريعة لمشهد كرة القدم العربية يوضح لك حقائق الأمور.. فهذا المشهد الكروي من المحيط إلى الخليج ديمقراطي جداً والحرية القولية أو حرية التعبير فيه بلا سقف ولا قواعد ولا أحد فيه يحسب حساباً لما يقول وما يفعل، وأصيب هذا المشهد بالفوضى العارمة، ولا تعرف من المخطئ ومن المصيب، ومن الحكم ومن اللاعب ومن المدرب، ومن الإداري ومن لا يفهم شيئاً في أي شيء تراه عبقري كرة قدم. ونظرة أخرى إلى المشهد الكروي العربي تريك ما هو أدهى وأمر، ويمكنك تشبيه اتحاد كرة القدم في أي دولة عربية بالوطن، وتشبيه الأندية بالطوائف والقبائل والعشائر والمذاهب، وأظنه تشبيهاً بليغاً ودقيقاً، فالأندية أقوى من اتحادات كرة القدم، تماماً كما أن الطوائف والفئات أقوى من الأوطان، واتحادات الكرة في كل الدول العربية عليها هجوم ضارٍ وهي مستباحة بينما الأندية لديها حصانة ولديها روابط إعلامية وجماهيرية تدافع عنها بالحق قليلاً وبالباطل كثيراً.. ولا يوجد اتحاد كرة في أي دولة عربية يحظى بالاحترام والتقدير رغم أن هذه الاتحادات يفترض أنها منتخبة بشكل ديمقراطي. واتحاد الكرة في أي دولة عربية تضربه الولاءات الضيقة للأندية بمعنى أن أعضاءه منقسمون بسبب ولاءاتهم للأندية، وهناك لوبي لكل نادٍ كبير داخل اتحاد الكرة، لذلك لا تحظى قرارات الاتحادات الكروية بالاحترام، وهناك دائماً هجوم عليها بسبب الولاءات للأندية، أي الولاءات القبلية الرياضية على حساب العمل العام، أو على حساب الوطن الذي يمثله اتحاد الكرة.. وهذه الفوضى التي نسميها ديمقراطية جعلت العرب عباقرة ونجوماً في ممارسة كرة القدم بألسنتهم وأقلامهم لا بأقدامهم ورؤوسهم، فنحن نتكلم عن كرة القدم أضعاف ما نمارسها. كما أن المنتخبات التي من المفترض أن تمثل الأوطان في غاية الضعف والترهل ولا تحقق أي مردود، بينما الأندية التي تمثل القبائل الكروية والطوائف الرياضية أقوى عشرات، بل مئات المرات من المنتخبات وتحقق بطولات قارية وربما دولية كبيرة. كل شيء وطني في الأمة العربية تجده ضعيفاً وفاشلاً بينما كل ما هو طائفي وقبلي وعشائري وذاتي تراه قوياً.. وجماهير كرة القدم في الأمة العربية لا تعبأ بفشل أو نجاح المنتخبات لكنها معنية بفشل أو نجاح الأندية، وعندما يفوز المنتخب في أي دولة عربية ترى الجماهير تركز على أن لاعبي ناديها هم سبب الفوز، وعندما يخسر يقول الناس إن لاعبي النادي الآخر هم سبب الخسارة، وفي الدول التي صدرت لنا الديمقراطية ترى المنتخبات أقوى من الأندية واتحادات الكرة أقوى من مجالس إدارات الأندية لأن الديموقراطية نمت وصلحت لتربتهم بينما فشلت تماماً في التربة العربية القائمة على القبلية والعصبية والطائفية والفئوية.. قائمة على الذاتية لا على الموضوعية وعلى الخاص بدلاً من العام، ولك أن تطبق هذا المثل على كل مجالات الحياة في الأمة العربية، ولك أن تنظر غرباً لترى ديمقراطيتهم التي استوردناها تحتضر عندهم تحت ضربات الإرهاب الذي يخوض حرباً ضد العالم كله ستفرض على الجميع إعادة النظر لمواجهة الخطر الحالي والمنتظر، ومع تصاعد الإرهاب والحروب نرى شمس الديمقراطية الغربية إلى غروب. محمد أبو كريشة* *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©