الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليبيا الجديدة: فائض المكاسب السياسية

8 نوفمبر 2012
في الوقت الراهن ينتشر الفلتان الأمني في ليبيا وتبقى الأسئلة الجوهرية المتعلقة ببنية ووظائف المؤسسات السياسية والاقتصادية، من دون إجابة. ولكن ذلك لا ينبغي أن يحجب حقيقة أن القصة الأكبر حول ليبيا الجديدة هي قصة إيجابية عموماً على نحو يدعو للدهشة. فالسيناريوهات البالغة التشاؤم التي كان يجري تداولها منذ عام لم تتبلور، علاوة على أن هناك في الوقت الراهن أرضية تدعو لقدر من التفاؤل الحذر بالمستقبل. فعندما تمكن الثوار الليبيون بمساعدة كبيرة من الغرب من الإطاحة بنظام القذافي الذي ظل جاثماً على أنفاس ليبيا لأكثر من أربعة عقود، كان هناك العديد من العقبات التي تعترض طريق الليبيين من أبرزها أنه لم يكن لديهم سوى إحساس محدود بالهوية الوطنية، وكانوا يفتقرون إلى الخبرة في الديمقراطية، كما أن الحكومة الانتقالية التي تولت مهمة قيادة البلاد في تلك الظروف العصيبة لم يكن لديها سوى قدر ضئيل من احتكار أدوات القوة التي تستطيع بها الدول عادة تحقيق الأمن والاستقرار، وإنجاز ما يتعين عليها القيام به من وظائف. أما الآن، وخلافاً لكل التوقعات، فتبرز ليبيا كواحدة من أكثر دول ما يعرف بالحراك العربي نجاحاً: ففي السابع من يوليو، ومن دون ضجيج ولكن بعزيمة كبيرة نظمت ليبيا أول انتخابات وطنية عامة بعد رحيل القذافي. وبعد عقد الانتخابات الناجحة بشهر قام المجلس الوطني الانتقالي بتحويل سلطته رسمياً للمؤتمر الوطني العام المنوط به صياغة الدستور في ليبيا والذي سيطرح لاستفتاء عام بعد الانتهاء من إعداده. وفي الحقيقة أن تلك التطورات قد سارت حسب الجدول الذي وضعه المجلس الوطني الانتقالي في أتون الحرب. وعلى رغم أن هناك صعوبات عديدة وعويصة تنتظر الليبيين، إلا أن السلاسة غير المتوقعة التي تمت بها عملية التحول السياسي في ليبيا حتى الآن تعد إنجازاً لدولة لم تفق بعد من تأثير أربعة عقود من الديكتاتورية. ولكن ما هو تفسير النجاح الليبي النسبي؟ على رغم أن العديد من المحللين نظروا إلى افتقار البلاد إلى التطور المؤسساتي على أنه علامة سلبية لمستقبل الديمقراطية، إلا أن العام الماضي أثبت أن ليبيا قد استفادت بالفعل من البدء من نقطة الصفر تقريباً، في بناء دولة عاملة على عكس الحال في جارتيها مصر وتونس اللتين قاومت فيهما التغيير مؤسسات راسخة مثل الجيش والبيروقراطية. وإنجازات ليبيا الأخيرة ليست سوى بداية ما يعد بأن يكون عملية طويلة وصعبة لإصلاح دولة مزقتها الحرب. ولكن تلك الإنجازات في حد ذاتها تساعد على رسم صورة أكثر تفاؤلاً للمستقبل: فبالإضافة للانتخابات ونقل السلطة إلى المؤتمر الوطني، تمضي ليبيا الآن على نحو بطيء، ولكن بشكل واثق، نحو التحول إلى دولة أكثر توحداً واندماجاً، بعد أن باتت لديها حكومة وطنية قادرة على العمل بفاعلية. والأكثر أهمية من ذلك، حقيقة أن الليبيين يشتركون الآن في الاعتقاد بأن بلدهم قد بات حراً وأنه غير قابل للانقسام على رغم كافة الخلافات الداخلية. فمع أن دعاة الاستقلال الذاتي في إقليم برقة ما زالوا حتى الآن يدفعون من أجل ذلك الهدف، وأن هناك جماعات أخرى في أنحاء متفرقة من البلاد تسعى لتحقيق منافع ومزايا خاصة، إلا أن تلك المحاولات لا تظهر من العلامات ما يدل على أن البلاد في طريقها للانقسام والتشرذم. ولتعظيم مكاسبها، يجب على ليبيا أن تبادر على الفور بتطوير مؤسساتها الأمنية والسياسية والاقتصادية الوليدة، كما يجب عليها إلى جانب ذلك العمل على تنويع مصادر الاقتصاد الليبي الذي ما زال يعتمد على النفط بصورة أساسية مع العمل على تطوير كافة القطاعات وزيادة استثماراتها من أجل توفير الوظائف لأعداد كبيرة من الشباب الليبي الذي يعاني من البطالة في الوقت الراهن. ومن حسن الحظ أن صناع السياسات في ليبيا في الوقت الراهن يدركون مدى الحاجة للتخلي عن نموذج التنمية غير المنتج الذي كان النظام السابق يتبناه، مع العمل في الوقت نفسه على إدارة الثروة النفطية بشكل أكثر كفاءة وفعالية. إن المهام التي تنتظر الحكومة الليبية الجديدة مهام شاقة وعديدة وتشمل توفير الأمن والنظام، والموازنة بين السلطات المركزية والإقليمية، وتوسيع نطاق حكم القانون، وتوفير العدالة الانتقالية، وتحسين وضع حقوق الإنسان، وتكريس الشعور بالهوية الوطنية الجامعة بين كل الليبيين من دون استثناء. ومن المؤكد أن ليبيا عند تصديها لتلك المهام ستواجه مشكلات وتتعرض لانتكاسات، تدعو أكثر الناس تفاؤلاً للتشكيك فيما تم تحقيقه. ولقد أثبتت الأحداث الأخيرة في ليبيا، والهجمات التي قام بها المتطرفون على أضرحة الأولياء والمزارات الدينية للصوفية مدى عمق الخلافات الدينية في ذلك البلد، والدور الذي يمكن أن تلعبه في إعاقة خلق مجتمع سياسي متجانس. ولكن الصورة العامة للانتقال ما زالت تلهم الأمل: فبعد عام واحد فقط من سقوط الديكتاتور السابق الذي حرم ليبيا من أي دور سياسي، نرى أمامنا الآن دولة حديثة قد بدأت في الظهور والتشكل على رغم كافة العقبات والتحديات. وفي الوقت الذي تتشكل فيه ملامح ليبيا الجديدة، وتبدأ في البروز للعلن فإن الغرب يجب أن يواصل لعب دور داعم كبير لليبيا، لا يقل في أهميته عن الدور الذي لعبه خلال الحرب الأهلية. ويجب ألا يؤدي مصرع السفير ستيفنز بأي حال من الأحوال إلى عرقلة الولايات المتحدة عن العمل على نحو وثيق مع طرابلس لأن السفير الراحل نفسه كان يفهم أن انخراط بلاده في الشأن الليبي، هو وحده القادرة على توفير الخبرة والدعم اللذين يحتاج إليهما هذا البلد من أجل ترسيخ ديمقراطيته الوليدة. ديرك فاندرفاله أستاذ دراسات الحكم في كلية دارتماوث الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمات «تريبيون ميديا سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©