الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القيروان.. تقتحم سياحة المستقبل بسلاح التراث

القيروان.. تقتحم سياحة المستقبل بسلاح التراث
23 مارس 2009 01:04
تزهو مدينة القيروان التونسية هذه الأيام بإظهار كنوزها الحضارية وثقافتها العربية والإسلامية من خلال احتفالات ومهرجانات ثقافية أهلتها لتكون عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2009.. وتشهد المدينة الواقعة على بعد «156» كيلومتراً من العاصمة تونس منذ مطلع شهر مارس الحالي.. مهرجانات واحتفالات متميزة تشمل برامج مكثفة من الندوات الفكرية والعلمية والأدبية التي تقام في مسارحها ومكتباتها ومساجدها ومراكزها الثقافية التي اشتهرت بها القيروان. ولا يمكن لزائر القيروان إلا ويسمو وهو يسير بشوارعها وأزقتها بخياله عبر التاريخ الإسلامي العريق الذي سجل حضارات وترك آثاراً مهمة في كل موقع وصل إليه الفاتحون المسلمون. وقد لقي الوفد الإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة الذي شارك الوفود الإعلامية العربية والإسلامية في احتفالات الجمهورية التونسية الشقيقة بتتويج مدينتها القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية، اهتماماً متميزاً من قبل الحكومة والشعب التونسي الذي يكن لدولة الإمارات قيادة وحكومة وشعباً كل الاحترام والتقدير. والقيروان مدينة عربية إسلامية حضارية تشتهر بالأبنية العتيقة والمساجد التراثية والمقامات التي تشهد على عظمة تاريخها وحضارتها الإسلامية.. وكان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي محقاً في وصفه لمدينة القيروان بأنها «أقدم قاعدة للإسلام والمسلمين في بلدان المغرب» عندما ألقى كلمة افتتاح مهرجانات تتويج المدينة عاصمة الثقافة الإسلامية.. وقال إن هذه المدينة انطلقت منها الفتوحات نحو المغرب والأندلس وصقلية وجنوب الصحراء. احتفالات القيروان وفي الأسبوع الأول من شهر مارس عندما افتتح الرئيس التونسي احتفالات القيروان ومهرجاناتها الثقافية كانت هذه الاحتفالات.. تتميز بالطابع الثقافي العتيق الممزوج بثقافات الحاضر الذي تعج به تونس خاصة في مدنها التاريخية التي تحظى بدعم واهتمام ومتابعة من بن علي، الذي لا يألو جهداً في نشر الثقافة الإسلامية والمحافظة على الموروثات التاريخية. . وأشار الرئيس التونسي إلى أن الحكومة التونسية وجهت عنايتها إلى المعالم الدينية من الجوامع والمساجد فازداد عددها من ألفين و«390» عام 1987 إلى أربعة آلاف و«550» مسجداً عام 2008. وأوضح أن هذا التوجه تعزز بالاهتمام بالقرآن الكريم إذ تم طباعة مصحف الجمهورية التونسية لأول مرة في تاريخ تونس ونظمت مسابقات سنوية في تلاوة القرآن وحفظه. كما أطلقت في تونس إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم واستحدثت جائزة رئيس الجمهورية العالمية للدراسات الإسلامية. وأكد الرئيس التونسي أن بلاده وفية لهويتها العربية الإسلامية وفي وعيه بحاضره ومواكبته لعصره وثقته بمستقبله، وكذلك حرصه على الجمع بين العلم والعمل لبلوغ أعلى مراتب التقدم والمناعة. وقد جاء ترشيح المؤتمر العام لوزراء الثقافة للدول الأعضاء في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الاسيسكو» في الجزائر عام 2004 القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية بعد الإسكندرية اعترافاً بالدور الحضاري والثقافي الرائد الذي اضطلعت به المدينة في التاريخ العربي الإسلامي في كامل منطقة شمال أفريقيا والحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط وفي عمق القارة الافريقية. وتقديراً لمنزلة القيروان في الحضارة العربية الإسلامية اشتملت الاحتفالية باختيار هذه المدينة عاصمة للثقافة الإسلامية على 70 تظاهرة بين ندوات ومهرجانات ومعارض دولية وتونسية. ولإبراز مكانة القيروان كمركز لتكريس الحوار بين الحضارات والثقافات تنتظم حوالي عشر تظاهرات دولية من بينها مؤتمر حول حوار الحضارات والتنوع الثقافي في شهر يونيو القادم بمشاركة مفكرين ومختصين من مختلف البلدان العربية والأجنبية كما تقام ندوة علمية حول موضوع الانثروبولوجيا في الثقافة الإسلامية. حوار حضاري وتركز التظاهرات الدولية على الدور الكبير الذي لعبته القيروان عبر مختلف العصور في تجسيد علاقات الحوار الحضاري والثقافي بين العديد من المجتمعات وفي مقدمتها المجتمع العربي الإسلامي ومجتمعات بلدان شمال حوض البحر المتوسط. ولم يكتف برنامج الاحتفال بالقيروان عاصمة للثقافة الإسلامية بالندوات والمؤتمرات بل شمل أيضاً تنظيم معارض متنوعة تقدر الدور البارز الذي نهضت به القيروان في التاريخ العربي والإسلامي منها معرض «شواهد من تراث القيروان» وهو أول معرض ضمن برنامج التظاهرة الاحتفالية ومعرض حول أهم الأحداث التاريخية العلمية التي شهدتها القيروان خلال العهدين الأغلبي والصنهاجي ينظم في 10 مايو حتى 31 ديسمبر المقبلين.. كما يشتمل البرنامج على صياغة جدارية من طرف فنانين ورسامين موضوعها «الحب والسلام والاخوة» في 18 مايو.. وتهدف إلى نشر ثقافة السلام والتضامن والتسامح بين المجتمعات والثقافات. وسيتم إصدار عدد هام من الكتب الفكرية والثقافية والفنية حول القيروان من قبل العديد من مؤسسات النشر، كما تصدر عن بيت الحكمة في تونس مجموعة من الأعمال العلمية والثقافية التي تبرز اسهامات إعلام وفقهاء القيروان في الثقافة التونسية والعربية والإسلامية. إسهامات حضارية يؤكد الباحثون في الحضارة أن عطاء القيروان لم ينضب البتة إذ كانت وظلت على مر العصور منبعاً ومصدر إلهام ومنارة مشعة أنجبت العديد من المبدعين والعلماء والمفكرين في الفقه وعلوم اللغة والآداب والشعر والطب وغيرها من العلوم ومن بين إعلامها في الفقه الإمام سحنون تلميذ الإمام مالك ومؤلف المدونة وأسد بن الفرات قاضي أفريقية في عهد الأغالبة ومحمد ابن الإمام سحنون بن سعيد وابن أبي زيد القيرواني. ومن شعراء القيروان الحسين بن رشيق وابن هانئ الأندلسي وأبوعبدالله الغزاز ومن بين علمائها عبدالكريم النهشلي عالم اللغة وأبواسحاق الحصري صاحب زهرة الآداب ومفتي مدرسة الطب التي توارثت الطب أباً عن جد. وتزخر القيروان بالجوامع والمدارس والزوايا وهي تضم نفائس أمهات الكتب ومن أشهر مكتباتها بيت الحكمة الذي أنشأه الأمير إبراهيم الثاني الأغلبي عام 261 للهجرة في ضاحية القيروان على غرار بيت الحكمة التي أسسها هارون الرشيد في بغداد. كما تضم القيروان متحف فنون الحضارة العربية الإسلامية برقادة الذي يحتوي مجموعة هامة من نفائس المخطوطات والتحف الاثرية النادرة. معالم تاريخية من أبرز المعالم التاريخية لهذه المدينة هي الجامع الكبير والذي يرجع تاريخه إلى العام 836 ميلادية ويعد محرابه وأرضيته ذات البريق المعدني وكذلك منبره ومقصورته من روائع تحف الفن الإسلامي. ومسجد ابن نيرون أو جامع الأبواب الثلاثة وهو يقدم واحدة من أجمل وأقدم الواجهات المزخرفة التي يرجع عهدها إلى القرن الثالث الهجري. الفسقيات بنيت الفسقيات في العام 836 ميلادية لتزويد القيروان بالماء وهي تشكل أهم التجهيزات المائية المقامة في العصر الوسيط. ولا تزال المدينة تحتفط أيضاً بعدد كبير من مساجد الخطبة بالأحياء أو ببعض الحمامات العمومية وبأسواقها ومقابرها القديمة.. وإلى هذه المعالم يضاف عدد كبير من المباني الدينية تعود إلى القرن الخامس عشر مثل الزوايا والمدارس ومقامات الصالحين مما بناه أهل القيروان تخليداً لذكرى أعلام المدينة وقد أضفت هذه المباني على المدينة صبغة المدينة المقدسة. مسجد عقبة بن نافع يُعد المسجد الجامع أبرز ما جاءت به العمارة القيروانية في الحضارة الإسلامية بالمغرب العربي.. وقد أسس سنة 50 للهجرة ويعود الفضل بعد الله للوالي «زيادة الله الأول « في رسم ملامحه وتخطيطه عام 226 للهجرة ويستمد تخطيطه من الجامع الأموي في دمشق مع الاقتداء بمثال مسجد الرسول «صلى الله عليه وسلم» في المدينة. ويتميز جامع القيروان.. بالإضافة إلى معماره وتركيبه الهندسي بالمحافظة على أغلب أثاثه الأصلي الذي يرجع إلى فتراته الأولى ويوجد فيه المنبر الخشبي وهو اقدم المنابر الإسلامية التي سلمت من تقلب الأزمات وهو مصنوع من خشب الساج ويشتمل على ما يربو على 106 لوحات تحمل زخارف بنائية وهندسية بديعة تعبر عن تمازج التأخيرات البيزنطية وتوحيدها في روح اسلامية. برك الأغالبة تعد برك الأغالبة من أشهر المؤسسات المائية في الحضارة الإسلامية وقد أقامها الأمير أبو إبراهيم أحمد بن الأغلب عام 284 للهجرة بعد عامين من العمل المتواصل لابراز تفاصيلها الهندسية بما يتناسب مع مظهر عاصمته القيروان. سياحة المستقبل عرفت تونس الغنية بتاريخها الممتد منذ ثلاثة آلاف سنة في ماضيها ثقافات وحضارات متعددة تعاقبت على أراضيها تاركة بصماتها على غرار آثار «قرطاج ومسرح الجم والمعالم الإسلامية بالقيروان وتونس وسوسة».. وكل هذه الثروات التراثية والثقافية تسمح لتونس باكتساب نقاط القوة الضرورية لاقتحام سياحة المستقبل باقتدار وكفاءة.. فالتراث اليوم يمثل عنصراً أساسياً في العرض السياحي سواء كان ذلك بمنحه قيمة إضافية أو بتثمين العلاقة مع هذا التراث نفسه
المصدر: القيروان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©