السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاتحاد الأوروبي... هل ينقذ ديمقراطية المجر؟

1 فبراير 2012
من الصعب أن يحب المرء الاتحاد الأوروبي، وذلك لأنه بيروقراطي، وتحكمه القوانين بشكل مبالغ فيه، ويوجد في حالة جمود هذه الأيام، وبالتالي، فلا غرو أن يجد الاتحاد الأوروبي صعوبة كبيرة في الفوز بعقول وقلوب كثير من المواطنين الأوروبيين أو يبعث على الثقة دولياً. ومما يزيد الطين بلة أزمة منطقة "اليورو"، حيث بدأ المتشككون في جدوى الاتحاد يتساءلون حول ما إن كانت العملة المشتركة أو الاتحاد الأوروبي نفسه سيصمدان. غير أن النزاع المتزايد بين الاتحاد الأوروبي والحكومة المجرية يذكِّرانا بالأسباب التي تفسر لماذا مازال هذا الاتحاد الذي يضم 27 دولة ديمقراطية بالغ الأهمية. ففي 2010، فاز "فيكتور أوربان" وحزبه، "فيديز"، بأكثر من ثلثي المقاعد في البرلمان المجري - وهي أغلبية كبيرة بما يكفي لتعديل الدستور المجري. غير أنه منذ ذلك الوقت، عملت حكومة "أوربان" على تمرير سلسلة من القوانين، والتعديلات الدستورية، والإصلاحات المؤسساتية التي تهدف إلى إزالة أي آليات مراقبة لحكومته، وتعزيز قبضة حزبه على السلطة على مدى سنوات عدة مقبلة. وفي هذا الإطار، قامت حكومة "أوربان" بتمرير قوانين تهاجم حرية الصحافة، وحرية التدين، واستقلالية القضاء، واستقلالية البنك المركزي المجري. كما عمدت إلى استبدال النظام الانتخابي السابق للمجر بنظام جديد يرمي إلى تغليب حظوظ حزب "فيديز". وفي الأول من يناير 2012، دخل دستور جديد حيز التنفيذ - دستور الهدف منه إدامة سيطرة "فيديز" على السلطة حيث ينص على أن القوانين في العديد من المجالات المحورية للسياسة العامة، لا يمكن تغييرها إلا بأغلبية الثلثين في البرلمان. وفي الأثناء، يستطيع "فيديز" استعمال أغلبية الثلثين التي يمتلكها حالياً من أجل تمرير قوانين ستكون الحكومات المقبلة -التي تتوافر على أغلبية بسيطة فقط- غير قادرة على تعديلها. وعلاوة على ذلك، فإن الدستور الجديد ينص على ولايات طويلة للغاية بالنسبة لمناصب مهمة في الحكومة مثل مناصب المدعي العام ورؤساء هيئات جديدة مثل مجلس الميزانية، ومجلس الإعلام، والمكتب القضائي الوطني، علماً بأن جل هذه المناصب شُغلت من قبل أنصار لحزب "فيديز" سيظلون فيها لسنوات، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات القادمة. وفي ديسمبر الماضي، وفي وقت تزايدت فيه الانتقادات الدولية لأعمال حكومته، أعلن "أوربان" أن لا أحد في العالم يمكنه أن يقول للبرلمان المجري ما هي القوانين التي عليه تمريرها أو عدم تمريرها. ولكنه مخطئ لحسن الحظ. ففي خطابه، تجاهل "أوربان" حقيقة أن المجر بلد عضو في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يجعله خاضعاً للقانون الأوروبي. وبالتالي، فبوسع محكمة العدل الأوروبية أن تقول للمجر متى تكون قوانينها غير مقبولة. وفي هذا الإطار، شهد الأسبوع الماضي إطلاق المفوضية الأوروبية، وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، لإجراءات قانونية ضد المجر تطالب بإدخال تعديلات على التشريع المجري الأخير الذي طال استقلال البنك المركزي المجري، وسلطة حماية البيانات، والقضاء. وذهب رئيس المفوضية "خوسيه مانويل باروسو" إلى أبعد من ذلك حين عبر عن تخوفه من إمكانية تآكل الديمقراطية في المجر. وبالنظر إلى حالة الاضطراب التي يوجد عليه الاقتصاد المجري، تعتبر حكومة أوربان في حاجة ماسة إلى تأمين تمويل من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، والحال أن الصندوق أوضح أنه لن يمنح المجر أي قروض قبل أن تقوم بتسوية نزاعاتها مع الاتحاد الأوروبي. وهكذا، ظهر "أوربان" أمام البرلمان الأوروبي الأربعاء الماضي، حيث ألقى خطاباً دافع فيه عن سجل حكومته. إلا أن الخطاب لم يبهر معظم أعضاء البرلمان الأوروبي، بل إن عدداً منهم دعا إلى إطلاق دعوى قضائية من أجل التحقيق بشأن ما إن كانت المجر قد انتهكت القيم الجوهرية للاتحاد الأوروبي -وهو إجراء قد يشهد تجريد المجر من حقوق التصويت في الاتحاد الأوروبي- غير أن "أوربان"، الذي يواجه ضغوطاً متزايدة من الاتحاد الأوروبي وضرورة الحصول على تمويل صندوق النقد الدولي، بدأ يؤشر إلى رغبة في التراجع والإذعان. فقد التقى الخميس الماضي في بروكسل مع رئيس المفوضية "باروسو" وتعهد بتعديل التشريع المتعلق بالبنك المركزي، والقضاء، وحماية البيانات انسجاماً مع مطالب الاتحاد الأوروبي. إن مستقبل الديمقراطية في المجر آمن بكل تأكيد، ولكن يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يمارس مزيداً من الضغط لضمان عدم قيام حكومة "أوربان" بتعزيز حكم الحزب الوحيد في الأشهر المقبلة. والأكيد أن آفاق الديمقراطية في المجر هي أفضل بكثير داخل الاتحاد الأوروبي منها خارجه، لأنه لو لم تكن المجر عضواً في الاتحاد الأوروبي، لانزلقت بسهولة ربما إلى الحكم الاستبدادي على غرار النموذج الأوكراني أو الروسي. وعليه، ففي هذه المرحلة قد يمثل البيروقراطيون والقضاة في بروكسل ولوكسمبورج آخر أمل للديمقراطية في بودابيست. آر. دانييل كيليمن مدير مركز الدراسات الأوروبية بجامعة روتجرز الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©