الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«بردة السعادة» في «طوب قابي إسطنبول».. تاريخ نادر

17 مارس 2016 21:21
في مدينة السلاطين، يطل الكنز الذهبي في التاريخ والوجدان الإنساني .. إنه متحف «دائرة بردة السعادة أو جناح الأمانات المقدسة» في قصر «طوب قابي سراي» بمدينة إسطنبول والذي يثير الخواطر ويتحرك في سكون عميق ويتنفس في صمت يمتليء بخطوط من ماضينا المجيد. ويعد الجناح الخاص للآثار المقدسة «دائرة بردة السعادة أو جناح الأمانات المقدسة» في قصر «طوب قابي سراي»، والذي يضم متعلقات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء والأئمة والصحابة، والتي جاء بها السلاطين العثمانيون بعد أن تولوا الخلافة، حالة خاصة ونادرة في الآثار التاريخية. وتضم «بردة السعادة»، «البردة النبوية الشريفة» التي تذكرنا بفخر الإنسانية محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، وشعرات من لحيته المباركة «صلى الله عليه وسلم» والتي تَنافَس الصحابة الكرام فيما بينهم لكي لا يضيعوا شعرة واحدة منها، وقصاصات شعره المبارك التي تناقلتها الأيدي قرنًا بعد قرن منذ عصر السعادة الأغر إلى يومنا هذا، وتناولتها القلوب جيلًا بعد جيل كأنها باقات ورد حبيبة، وبـجّلتها أيما تبجيل. كما تضم «بردة السعادة» السيف المبارك  لرسول الله صلى الله عليه وسلم والذي تقلده في جميع الغزوات، ورباعية السعادة التي فارقت أخواتها من اللآلئ المنتظمة في الفم المبارك كعقد الجمان، جراء ملامسة حصاة طائشة انطلقت حبًّا في ملامسة الياقوت أثناء إحدى الحروب، والعصا العزيزة التي كان يحملها صلى الله عليه وسلم، والقوس المبارك ونقش «القدم الشريفة» الذي تسابق سلاطين الإسلام وملوكه ليتوّجوا به رؤوسهم. وبالقرب من هذه الذكريات الميمونة، « قِدر» إبراهيم عليه السلام، الذي يشرب منه الماء، وعصا موسى عليه الصلاة والسلام، وعمامة يوسف الصديق عليه السلام، والسيف المهيب الذي صنعه داوود عليه الصلاة والسلام بنفسه، والسيوف المباركة العائدة إلى بعض الصحابة الكرام والعشرة المبشرين بالجنة، والمصحف الشريف الذي كان يتلوه سيدنا عثمان بن عفان «ذو النورين» أثناء استشهاده، إضافة إلى بردة الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، وقلنسوة أويس القرني رضي الله عنه، وتاج الشيخ عبد القادر الجيلاني، ومَحافظ الحجر الأسود الذهبية والفضية، وميازيب الكعبة الذهبية، إنها الودائع المباركة والأمانات المقدسة التي لا يعادل مُلك العالم كله قيمةَ واحدةٍ منها. وكما يقول الفيلسوف التركي محمد فتح الله كولن، في مقدمة كتابه الذي تضمن استعراضاً للمتحف تحت عنوان «الأمانات المقدسة»، «إن كل وديعة من هذه الودائع تثير في النفس ذكريات وخواطر كثيرة، إذ تحمل معاني جليلة، وقدراً عظيماً من الرفعة والسمو. فمن بحث لواحدة منها عن نظير، أو نقّب لها في البلاد عن مثيل، لن يجد لها نظيرا ولا مثيلا. فأنى له أن يقدّر ثمنها أو قيمتها مجتمعة». كما أن هذه الآثار التاريخية مرآة صافية تحدثنا عن معتقدات أجدادنا النقية وإيمانهم العميق وثقافتهم المتسامحة وقيمهم العالية، فنقرأ في وجوه هذه الذكريات العزيزة أخلاق أسلافنا وأحلامهم وآمالهم؛ هؤلاء الرجال الذين نسكب اليوم دموعا غزيرة لغيابهم، ولا نجد ما نسرّي به عن همومنا سوى ذكرياتهم. ويوجد جناح «بردة السعادة» ضمن قصر«طوب قابي سراي» الذي تم تشييده على ربوة عالية تطل في مضيق البوسفور وبحر مرمرة وخليج القرن الذهبي وذلك قبل أكثر من خمسمائة عام، في مشهد نادر. والقصر مجموعة من المباني التي كانت تشكل مركزا لإدارة شؤون الحكم في الإمبراطورية العثمانية ما بين القرن الخامس عشر، والقرن السابع عشر، وهو مليء بالكنوز والآثار. وتشكل زيارة إسطنبول إبحاراً في الماضي بكل صوره وألوانه .. إنها مخزن التاريخ .. عريقة في الزمان والمكان .. متجددة ومتلألئة.. وتعد متحفاً للحضارات الإنسانية .. قصورها ومساجدها يتعانقان تعانق آسيا وأوروبا في تلك المدينة الساحرة .. في إبداع هندسي نادر. ففيها أسوار القسطنطينية وقصور العثمانيين ومساجد التاريخ و"تكسيم" التجارية و"آيا صوفيا" أجمل متاحف الدنيا وحدائق آسرة ومعالم جمالية وجسور معلقة ورحلة يومية بين أوروبا وآسيا على مدار الساعة عبر نهر البسفور. إنها نغمات وألحان معمارية امتزجت بأحداث تاريخية فشيدت مدينة عبقرية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©