الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

ملف توطين اللاجئين الفلسطينيين ملح على الجراح وشعوب موسومة بالخيانة

10 ابريل 2007 03:00
أحمد خضر: في المفهوم التقليدي لنا كعرب أن فلسطين هي حق شرعي لأصحابها الفلسطينيين من النهر إلى البحر، وأن الصهاينة ابتداء من الهجرات اليهودية الأولى، وحتى يومنا هذا يؤمنون بعكس ذلك، حيث تدفعهم الأيديولوجية الدينية، والسياسية، والمصالح الاقتصادية إلى القول بالعودة إلى أرض الميعاد بعد ألفي سنة من التيه والتشرد في مختلف أنحاء العالم، قصة متخيلة عملت الدوائر الإمبريالية والصهيونية على تحويلها إلى واقع في العام ·1948 هكذا تم اغتصاب فلسطين، وفق هجرة منظمة، ومخطط استعماري ـ صهيوني دنيء، تم تدمير المدن والقرى والثقافة الفلسطينية، لإحلال المدن والمستوطنات الإسرائيلية، ويجهد علماء الآثار، والساسة في إسرائيل للبحث عن أي أثر من الآثار الإسرائيلية القديمة لإثبات ملكيتهم للأرض دونما طائل، كما أنهم يسرقون أسماء القرى والمدن والملابس التراثية والأكلات الشعبية الفلسطينية، وينسبونها لأنفسهم لمحو كل أثر للفلسطينيين في وطنهم· يصدق الصهاينة ذلك رغم أن كل المعطيات تشير إلى عدم وجود أي أثر لهم في فلسطين، وليس أدل على ذلك من أن أربعين عاماً من الحفريات تحت المسجد الأقصى بحثاً عن هيكل سليمان المزعوم، أو أي شيء يمت لليهود بصلة لم يتم العثور فيها على شيء يذكر· بيع الأرض أكذوبة أما بيع الأراضي لليهود وهي الفرية التي ألصقت بالفلسطينيين، فلم يحدث ان باع الفلسطينيون أراضيهم لليهود، حيث إن تهمة السمسرة على بيع أرض للعدو ما زالت أخطر أنواع الخيانة، ويلاقي مرتكبها الموت والتصفية الجسدية من قبل الوطنيين الفلسطينيين· هناك تسييس لهذه القضية من قبل الصهاينة الذين يدعون أن ثلث الأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات في الضفة الغربية هي للفلسطينيين، ثم أن إسرائيل لا تستشير أحداً حين تقوم بوضع يدها على الأرض، ولعل المظاهرات التي يقوم بها الفلسطينيون، وبمشاركة مجموعات السلام العالمية في قرية بلعين قرب رام الله نموذجاً واضحاً يفضح اغتصاب إسرائيل للأرض الفلسطينية، أمام العالم أجمع· طرح جديد للأرض إذاً هي معركة مستمرة على الأرض، التي تشكل النقطة المركزية في الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين· وواقع الفلسطينيين وحاضرهم غير منفصل عن المحيط في المنطقة التي يشكل العرب لحمة وسداة، فهم الأبناء الحقيقيون للأرض التي توارثوها عن الآباء والأجداد جيلاً بعد جيل، ودافعوا عنها أمام الاعتداءات والغزوات الخارجية ماضياً وحاضراً كي تظل عربية الهوية والانتماء إلى جذر واحد في حدود المكان، لذا فإن تحرير الفلسطيني من عذابات المنفى، وعودته إلى وطنه معززاً مكرماً منتصراً على عاديات الزمان هو يوم عيد للعرب والفلسطينيين وأحرار العالم كافة· لكن التطورات المفاجئة التي حدثت على المسألة الفلسطينية، والصراع العربي - الإسرائيلي برمته منذ مؤتمر مدريد، مروراً بالمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وانتهاء بالمبادرة العربــــية، طـــرح مسألة (فلسطين)، و(التاريخ الفلسطيني)، مقابل (إسرائيل) و( التاريخ الإسرائيلي ) المزيف بشكــل جديــــد، إذ لا يمكــــن فصل الادعاءات الصهيونية الأسطورية، عن الادعاءات المعاصرة، حيث تتهرب إسرائيل من القبول بالحدود التي كانت عام 1967 لإقامة دولة فلسطينية، وهناك دلالات مهمة لتعبيرات من مثل (الأرض المقدسة) (أرض التوراة) و(جبل الهيكل) و (أورشليم)، (أرض إسرائيل)، (يهودا)' (السامرة)، (شرق الأردن)، بمعنى أن الجغرافية التاريخية الإسرائيلية لا تستوعب ضمن مفرداتها أي تواجد للإنسان الفلسطيني على أرضه، وكل هذه الأسماء والمسميات تخدم الخطاب السياسي الإسرائيلي والإعلام الصهيوني في العالم كي تبقى إسرائيل رابضة في الضفة الغربية، تملؤها بالمستوطنات، أما سكانها الطبيعيون من الفلسطينيين فهم قلة من البدو الرحل، موسومون بالإرهاب، وترعرعوا في كنف التخلف والتعصب، ومن الأفضل التخلص منهم عن طريق إعادتهم إلى (الصحراء) شرقاً كي يتاح لليهود العيش في جنتهم الأرضية المقدسة مهد الرسل والأنبياء· من هو الخائن؟ هذه هي أحوال الفلسطينيين التي لا يحسدون عليها في الأرض المحتلة والتي يدعي الصهاينة أنها كانت فارغة حين بدأت هجرتهم إليها، الوضع الفلسطيني لا يسر صديقاً، ولا حتى عدواً لديه ذرة من المشاعر الإنسانية، لكن الأنكى من ذلك حين يتم طرد هذا الفلسطيني بصورة جماعية من بلاده العربية، أو يتهم الشعب الفلسطيني بمجمله على أنه أقل شأناً من بقية شعوب الأرض، وأن 8 ملايين فلسطيني مارسوا الخيانة العظمى، ونكران الجميل لأن فئة لا تعد على أصابع اليدين، أو الرجلين، قامت ببعض الأعمال الخارجة عن اللياقة والقانون، وهذه الظاهرة بدأت تتفشى مع الأسف حيث تتهم شعوب عربية بكاملها بالإرهاب، أو الكفر والإلحاد والطائفية والعنصرية وغير ذلك من المسميات والأمراض التي من شأنها أن تزيد في تفتيت العالم العربي وضعفه وانقساماته الطائفية والعرقية· إن البعض يتخذ من الفلسطيني ورقة ضاغطة لمساوماته وتلميع صورته، أو حباً في الظهور والاستعراض السياسي، حيث يوهم هذا الفلسطيني أنه أصبح له كيان، ورئيس دولة وبرلمان، وما عليه إلا أن يشد الرحال إلى وطنه، وهي مفاهيم وشعارات مخجلة تخطاها الزمن، وبمقاربة بسيطة فإن الاغتصاب الصهيوني لفلسطين، ورحيل الفلسطينيين عنها كان سببه الدعم المادي والمعنوي للقوى التي وقفت خلف الحركة الصهيونية، وتقف إلى جانب إسرائيل الآن، وليس لأن الفلسطينيين يعشقون السفر الطويل، والهجرات الدائمة· مخيم العودة ! ورغم ذلك فإن الوجود الفلسطيني كان دائماً في مجمله إيجابياً سواء في البلدان العربية، أو غيرها، هذا الوجود الذي يسعى لتأمين لقمة العيش، والحياة الكريمة خاصة في بلاد ذوي القربى، من أبناء الهوية الواحدة، والانتماء الواحد، والديانة الواحدة، فهل ضاق يا ترى البعض بهؤلاء المساكين الذين شيدوا القصور وأقاموا المشاريع الضخمة والبنية التحتية في أرض العرب حتى يطلب منهم المغادرة بحجة الذهاب إلى وطنهم الذي يرتفع فوقه علم فلسطين· أليست إسرائيل هي ذاتها التي تغلق معبر رفح المنفذ الحدودي بين قطاع غزة ومصر، وتتحكم فيه حيث يبقى الناس أياماً وأسابيع ينتظرون على الجانبين، ومنهم من يموت خاصة من الأطفال والعجائز حتى يفتح الإسرائيلي المعبر وقت ما يشاء؟ أين هو الوطن المحرر الذي يطلب من الفلسطينيين العودة إليه الآن ؟ إن هذا ما حدث بالضبط في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، يومها عاش الفلسطينيون في مخيمات التيه والضياع مدة سنتين كاملتين على الحدود الليبية ـ المصرية حين قيل لهم اذهبوا إلى دولتكم الحرة، وكيانكم المستقل، وحين اكتشفوا أن ذلك مجرد أوهام أقاموا لهم مخيماً أطلقوا عليه اسم ( مخيم العودة)· لقد أقيم ذلك المخيم من مخيمات التيه واللجوء في صحراء بلا هوية، بلا راع وبلا مسؤول، صحراء لا زرع فيها ولا ضرع، لا طير ولا حيوان، لا مظهر فيها للحياة سوى العقارب السامة التي تعشق إلى حدود الانتحار، لذا لم تجد من تلسعه، وغير ألغام منسية من أيام الحرب العالمية الثانية المتربصة لتنسف من تسوقه قدماه التعيستان فوق غبارها· الضحايا ماذا فعل الفلسطينيون حتى يلقوا مثل هذا المصير، وأي جرم اقترفوا وأي فاحشة ارتكبوها؟ أليسوا هم أنفسهم ضحية مؤامرة دولية كبرى، في إطار الصراع على الشرق الأوسط، والاستعمار القديم الذي زرع كياناً غريباً فوق أرضهم، والعالم الحديث الذي يطالبهم بالاعتراف بالأمر الواقع دون أن يلوح في الأفق أي أمل لتسوية عادلة مشرفة تراعي مصالح جميع الأطراف في هذه المنطقة؟ لقد اعترف الفلسطينيون بإسرائيل عام 1993 اعترافاً صريحاً واضحاً، لكن إسرائيل ما زالت متعنتة، وتطالبهم بالمزيد، اعتراف فائق الجودة والتميز، وهو ما يعني البقاء بعيداً عن فلسطين، أي التشتت والضياع· إن كل جريمتهم أنهم انحدروا من أصلاب فلسطينية في بلد كان يسمى فلسطين، وأن آباءهم قبل أن يولدوا، اضطروا للهجرة من الوطن الذي اغتصبه العدو وعجزت الأمة عن استرداده· ومن مواقع الشهامة القومية والكرم العربي تعددت هجراتهم، حيث قدموا كل ما يملكون من جهد وعرق وخبرة مقابل لقمة خبز وشربة ماء، لكن يبدو أنه فرض على هذا الشعب التيه والتشرد ليس من أرض وطنه فحسب، ولكن في أرض أمته العربية كذلك· ليس هناك ضرورة للتنظير حول التوطين الآن، أو وضع الملح على الجرح، أو التشفي في الحالة المزرية التي وصل إليها أبناء الأرض المحتلة، فالأطفال الذين يتصدون للدبابات الإسرائيلية بصدورهم العارية يفهمون في السياسة، ويسكنون في مدن سميت بأسماء الشيخ خليفة في غزة، ويسعفون جراحهم في مستشفى الشيخ زايد في رام الله، ويسيرون في شارع الملك فيصل حين يذهبون إلى مدارسهم في نابلس، ويحملون الكويت في قلوبهم لأنها لم تتركهم وحدهم أيام المحنة، نعم الأطفال يفهمون في السياسة، ورفعوا العلم الفلسطيني فوق المسجد الأقصى خلال الانتفاضة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©