الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مطعم الحرية

مطعم الحرية
10 نوفمبر 2012
كان هناك ثلاثة إخوة يملكون مطاعم متجاورة. وكان الأخ الأكبر قد قرر في لحظة فقدان البصيرة منع دخول النساء إلى مطعمه، لأنهن برأيه يبدين ملاحظات سخيفة في مذاق أكلات المطعم، وكان يعلق لوحة على باب مطعمه تقول: للرجال والأطفال فقط. أما الأخ الأوسط فقد قرر في لحظة غضب عدم استقبال الرجال، لأنهم حسب زعمه يتذمرون كثيراً بشأن الخدمة. وكان مطعمه مفتوحاً أمام النساء والأطفال فقط. وكان الأخ الأصغر يكره وجود الأطفال في مطعمه، بحجة أنهم يثيرون الفوضى ويزعجون بقية الزبائن بصراخهم وبكائهم وركضهم بين الطاولات. وكان يرحب بالرجال والنساء فقط. كان كل واحد منهم يخسر شريحة من الزبائن بسبب قرار خاطئ اتخذه، ومع هذا، فلم تكن النار تخمد في مطابخ مطاعمهم التي كانت مزدحمة بالزبائن وتدرّ عليهم دخلاً معقولاً. قرروا في يوم من الأيام ضم المطاعم بعضها إلى بعض، لتقليل المصروفات وزيادة الأرباح. وكي يقنعوا أنفسهم بأن «الاتحاد قوة»، أحضروا طبقاً واحداً وألقوه على الأرض فتكسّر، ثم أحضروا دزينة أطباق وألقوها على الأرض فتكسّرت أيضاً. ولأن حصصهم في المطعم الجديد متساوية، قرروا أن يكون لكل واحد منهم صوت في اتخاذ القرارات الإدارية، لتصدر بالأغلبية. وتشاوروا فيما بينهم لوضع قانون للمطعم، لكنهم اختلفوا فيمن يصوغه، إذ كان لكل واحد منهم أسلوب مختلف في الإدارة، وفكّروا في صياغة قانونهم بالعودة إلى القواعد المتّبعة في مختلف مطاعم العالم، لكنهم عدلوا عن هذه الفكرة حين تذكّروا أن لمطعمهم خصوصية. وحين عرضوا مسألة استقبال الزبائن على طاولة النقاش، أصرّ كل واحد منهم على القرار الذي اتخذه يوماً في منع دخول هذه الشريحة أو تلك. وذهبوا معاً إلى خطاط ليكتب لهم لوحة تعلّق على باب المطعم، وطلب الأكبر أن يُكتب على اللوحة: «يعتذر المطعم عن استقبال النساء،» وأضاف الأوسط: «والرجال»، وأضاف الأصغر: «والأطفال». وشعر كل واحد منهم بأن حصته في المطعم متساوية تماماً لحصة أخويه الآخرين، وأنه كان حرا في التعبير عن رأيه، وأن صوته كان مؤثراً، وأخذوا اللوحة ومضوا إلى المطعم وعلّقوها على الباب، وجلسوا ينتظرون الزبائن. مضى أكثر من شهر لم يستقبلوا خلاله أي زبون، ولم يسمعوا ثرثرة واحدة في أرجاء المطعم، ولا أي تعليق غاضب، ولا أي صراخ أو حركة، اللهم إلا القطط والفئران التي أخذت تشاغب تحت الكراسي والطاولات. ورغم أن الإخوة الثلاثة أوشكوا على الإفلاس، فقد أصرّ كل واحد منهم على رأيه، وقال: «صوتي أفعل به ما أشاء، وكرامتي فوق أي اعتبار، ولولا إصراركما على العناد لعادت الأدخنة تتصاعد من مدخنة المطعم. ولو كنتما تتخذان قراراتكما بناء على المنطق وعلى أسس علمية وعلى ضوء أبحاث وإحصاءات دقيقة، لوافقتماني في فتح أبواب المطعم أمام الفئتين الأخريين من الزبائن». وتحدث الإخوة الثلاثة كلهم بالكلام نفسه بالضبط. والغريب أن الإخوة الثلاثة لم يعرفوا كيف حصل ذلك، فكل واحد منهم كان يدير مطعمه بناء على قرارين صائبين، وقرار واحد خاطئ، ومع هذا، كان مطعم كل واحد منهم يستقبل الزبائن ويحقق نسبة أرباح معقولة. وفكّر الأخ الأكبر أن عليه استخدام سُلطاته كأخ أكبر، وكأكثر خبرة، فاجتمع بأخويه وأعلن بأنه سيطردهما من المطعم إن تفوّها بأي كلمة من الآن فصاعداً، وأن المطعم سيفتح أبوابه أمام الرجال والأطفال، وسيظل مغلقاً في وجوه النساء، لأنهن ثرثارات. كان الأخ الأكبر يقف على عتبة باب المطعم يستقبل الرجال بابتسامة عريضة ويداعب رؤوس الأطفال الذين يرافقونهم، على عادته في إدارة المطاعم، بينما الأخ الأوسط أخذ يتعمّد في تجهيز طلبات الرجال، وأخاه الأصغر يطلق من عينيه شرارات الغضب تجاه الأطفال. وكان الأخوان ينتهزان فرصة انشغال أخيهما الأكبر باستقبال الزبائن لإبداء رأيهما في طريقة إدارته للمطعم، وكانا يعتبرانه مجرد طاغية، وأنه باستبداده بالأمر دونهما تسبّب في خسارة المطعم شريحة معينة من الزبائن، وكانا يسخران من حجته في عدم استقبال النساء، فكان الأوسط يقول: تخيّل الوضع يا أخي لو كنا نستقبل النساء، كانت الأسر ستجتمع عندنا على كل وجبة، وكانوا سيستغنون عن بناء المطابخ في بيوتهم ليأكلوا في مطعمنا المشترك. الحقيقة هي أننا مهمشان. والأصغر يقول: للأسف يا أخي، نحن بعدم استقبالنا النساء نخسر فئة رقيقة كان وجودها سيخلق جواً من الرومانسية في أرجاء المطعم. الحقيقة هي أننا محرومان من المشاركة الإدارية. لكن الأخ الأوسط ذكّر أخاه بأنه، وإن كان يتفق معه في استقبال النساء، إلا أنه يختلف معه في عدم استقبال الأطفال. وكان هذا كلام الأخ الأصغر أيضاً، فهو يختلف معه في عدم استقبال الرجال، لكنهما اتفقا على تنحية خلافاتهما جانباً وتوحيد جهودهما ضد الأخ الأكبر، المستبد والطاغية الذي حوّل المطعم المشترك إلى «عزبة خاصة». وكان الأخ الأكبر قد احتاط لهذا اليوم، وكشفت له أجهزة التنصّت التي زرعها في أرجاء المطعم، بأن هناك مؤامرة تحاط ضده، وعرف ساعة الصفر، فاستبقها وأمر النادلين بإلقاء القبض على أخويه وحبسهما في المطبخ. ولم يخلِ الأخ الأكبر سراح أخويه إلا حين أخذ تعهداً منهما بعدم اللجوء إلى المؤامرات، وعيّنهما مستشارين للمطعم، يقولان رأيهما فقط من دون أن يكون لهما سُلطة اتخاذ القرار. كما أخبرهما بأنه سيحتفظ بجزء من الأرباح في حسابه ليكون ادخاراً لأبنائهم وأحفادهم، وأنه سيصرف لنفسه مبلغاً إضافياً نظير أعمال الإدارة التي يقوم بها، وتحمّله هذه المسؤولية العظيمة، وقال لهما: أخبركما بهذه القرارين للعلم فقط، ومن باب الشفافية. وعلى الرغم من استبداد الأخ الأكبر، وإصراره على قراره الخاطئ بعدم استقبال النساء، فقد كان المطعم يستقبل الرجال والأطفال، ويدرّ على «الشركاء» الثلاثة الأرباح نفسها التي كان يجنيها كل واحد منهم من مطعمه الخاص. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©