الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المحافظون الجدد»... هل يودعون الساحة بعد فوز أوباما؟

«المحافظون الجدد»... هل يودعون الساحة بعد فوز أوباما؟
10 نوفمبر 2012
لن يكون لدان سينور وغيره من رموز المحافظين الجدد أي تأثير يذكر اليوم في سياسات البيت الأبيض مثلما كان لديهم في السابق، ولعل هذا الأمر هو أحد الملامح الأساسية لفوز الرئيس أوباما بولاية ثانية في الانتخابات الأميركية الأخيرة، فقد أحاط خصمه الجمهوري، ميت رومني، صاحب المواقف والآراء المحافظة، نفسه بمستشارين وخبراء من قدامى “المحافظين الجدد” وباقي الصقور التواقين لاستعادة النفوذ الذي خسروه عندما سقط جون ماكين أمام أوباما في انتخابات 2008، حيث يبدو اليوم أنه حُكم عليهم بالتيه لأربع سنوات أخرى في البرية بعيداً عن الأضواء ودهاليز السياسة الخارجية. فاحتمالات شن أميركا لحرب جديدة تدخل البلاد في متاهات استراتيجية خطيرة تضاءلت على نحو كبير، كما أن أوباما والمسؤولين الآخرين على شاكلته في نفس الإدارة- ممن يعتنقون المنهج الواقعي في السياسة الخارجية ويعطون الأولوية للمصالح الأميركية بدل الأيديولوجيات المثالية- سيستمرون في وضع بصمتهم على السياسة الخارجية الأميركية، مثل تسريع إنهاء العمليات العسكرية في أفغانستان، والاعتماد على استخدام العقوبات الاقتصادية بدلاً من اللجوء إلى القوة العسكرية في التعامل مع موضوع البرنامج النووي الإيراني، والتخفيف من حدة التوتر في العلاقة مع روسيا، وتأكيد نهج التعاون مع الصين رغم الشكاوى الاقتصادية... ليبقى حلم تغيير العالم من على ظهور الدبابات، وهو الحلم الذي ألهب خيال بوش ومستشاريه من “المحافظين الجدد”، مجرد ذكرى سيئة كلفت أميركا ثمناً باهظاً من سمعتها الأخلاقية ومواردها الاقتصادية، ما زالت تعيش تداعياتها حتى اليوم بعد الأزمة الاقتصادية. وبالرجوع إلى “سينور” وما ينتظره من اختفاء عن الساحة وتوار عن دائرة القرار، فإنه من المفيد تسليط الضوء على شخصه، فهو كان لاعباً سياسياً أساسياً في إدارة بوش خلال غزو العراق، وقد عمل بالتحديد مع بول بريمر في العراق لنصحه بشأن إدارة ذلك البلد خلال عامي 2003 و2004، وهي النصيحة التي لو اعتُمد عليها فقط لما سُمح له بالبروز مجدداً لما كان لها من دور كارثي في تدمير مؤسسات العراق وارتكاب أميركا أحد الأخطاء القاتلة متمثلاً في حل الجيش العراقي. ومؤخراً ظهر السياسي الذي تحول إلى معلق دائم الظهور على شاشة “فوكس نيوز”، باعتباره مستشاراً رئيسياً لرومني في قضايا الشرق الأوسط، حيث صحبه في زياراته للمملكة المتحدة وإسرائيل، وهي الزيارة التي كانت فاشلة بشهادة المراقبين. لكن، وبالإضافة إلى سينور، برز أيضاً اسم جون بولتون الذي عمل مع بوش وتشيني وعُرف بكرهه الشديد للأمم المتحدة، والذي حظي هو الآخر باهتمام رومني وقيل إنه كان يهيئه لتولي وزارة الخارجية في إدارته فيما لو فاز بالانتخابات ولم يخفِ بولتون رأيه بشأن الذهاب إلى حرب جديدة يتم شنها هذه المرة ضد كل من إيران وسوريا، بل ما زال يصر على أن غزو العراق كان الخيار الأمثل حتى بعدما تأكد فشله للقاصي والداني. وحسب ما أورده عضو الكونجرس، الديمقراطي “آدم سميث”، فإنه من بين 24 مستشاراً لرومني في السياسة الخارجية، هناك 17 منهم كانوا قد عملوا مع إدارة بوش الابن. ولا شك أن المقاربة الأميركية لقضايا السلم والحرب كانت ستكتسي طابعاً قريباً من الطابع الذي ميز استراتيجية بوش لو فاز رومني. وفيما كان الانشغال الأساسي للناخب الأميركي خلال الانتخابات الأخيرة منصرفاً إلى الاقتصاد والظروف المعيشية الصعبة ومعدلات البطالة المرتفعة، إلا أن كره الأميركيين لأسلوب بوش بالتأكيد لم يفد رومني في السباق الانتخابي، وفي أوساط القلة القليلة من الناخبين الأميركيين التي قالت إنها تهتم بالسياسة الخارجية، تفوق أوباما على رومني بحوالي 56 نقطة مقابل 33 للطرف الآخر. كما أن الموقف المتشدد الذي تبناه رومني حيال مجموعة من قضايا السياسة الخارجية كان وراء تحمس نتنياهو لفوز رومني مادام من السهل إقناع إدارة رومني بضرب إيران مقارنة بإدارة أوباما الحالية. ولعله سيكون من المهم متابعة كيف سيتعامل أوباما مع إسرائيل خلال السنوات المقبلة بالنظر إلى العلاقة الفاترة التي طبعت الموقف بينه وبين نتنياهو، فمع أنه من غير المرجح أن يغير أوباما السياسة الأميركية التقليدية إزاء إسرائيل، إلا أنه أيضاً لا يمكن التعويل على إدارة أوباما للدفاع بشراسة عن إسرائيل في الأمم المتحدة. لكن، وبصفة عامة، ستواصل إدارة أوباما سياستها السابقة، بما في ذلك الاستعداد للانسحاب من أفغانستان، وإعادة القوات الأميركية إلى الوطن، وعدم التحمس للانخراط في حرب جديدة بسوريا. ورغم الضغوط الدولية لاسيما من جانب البلدان الحليفة لأميركا في المنطقة والمطالبة بالتدخل، فمن غير المتوقع أن يتغير هذا النهج الحذر من جانب إدارة أوباما فيما يتعلق بموضوع التدخل العسكري لوقف الحرب الأهلية المندلعة في سوريا. غير أن ابتعاد أوباما عن إرسال قوات أميركية إلى مناطق الصراع في العالم ودعوته للتركيز أكثر على الداخل الأميركي، لا يعني أنه لا يملك سياسته العسكرية الخاصة به، كل ما هنالك أن أوباما يقوم بالتدخل بطريقته التي تختلف عما ألفناه مع إدارة بوش الذي لا يتردد في إرسال الجيوش الأميركية تحت غطاء نشر الديمقراطية وتغيير خرائط المناطق في شتى بقاع العالم. فالرئيس أوباما يبدو منجذباً أكثر من غيره لاستخدام الطائرات بدون طيار لاستهداف عناصر “القاعدة” وقتلهم، وقد أشرف الرئيس شخصياً على اختيار الأسماء المستهدفة ووضع اللوائح السوداء، وخلال فترته الأولى قُتل بأوامر منه عدد كبير من العناصر التي تهدد الأمن القومي في أفغانستان وباكستان واليمن، وليس مستبعداً في ولايته الثانية أن تتوسع عمليات القتل تلك لتشمل مناطق أخرى مثل منطقة الصحراء الأفريقية التي تشهد في الوقت الحالي تشكلاً لتنظيمات جهادية جديدة بدأت تتوافد على المنطقة لكسب موطئ قدم لها بعد ضرب معاقلها في أفغانستان. وأمام النجاح الذي حققته الضربات الأميركية ضد عناصر “القاعدة”، وتشتيتها للتنظيم وضرب هياكله، يسعى أوباما ومستشاروه لإضفاء الشرعية القانونية على أوامر القتل تلك، بل وتوسيعها لتشمل بعض الأفراد الحاملين للجنسية الأميركية مثلما حصل مع أنور العولقي في اليمن، لاسيما بعدما أثاره قتله من جدل قانوني حول استهداف الأميركيين. ولأن استهداف الإرهابيين لا يصطدم بمعارضة الرأي العام الأميركي الراغب في التخلص من العناصر الخطرة التي تتآمر لضرب المصالح الأميركية، فإنه من المتوقع أن يواصل أوباما سياسة الاعتماد على الطائرات بدون طيار وتعزيز الجانب الاستخباراتي في رصد مواطن الخطر وضربها. وبالطبع لن يشتكي “المحافظون الجدد” من سياسة أوباما أو معارضتها. كما أن أقطاب إدارة بوش الذين روجوا لسياسة الحروب والتدخل الأميركي في الخارج لن يتمكنوا من إزعاج أوباما، بالنظر إلى الوضع الاقتصادي العالمي الذي لا يسمح بمغامرات عسكرية مكلفة، ليبقى حقل النشاط الوحيد أمام “المحافظين الجدد” في المرحلة المقبلة هو داخل مراكز التفكير المحافظة والتعليق على الأحداث في المحطات الإخبارية التي تمنحهم فرصة الظهور. دان مورفي كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©