السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«وول ستريت»...حان وقت الانضباط

«وول ستريت»...حان وقت الانضباط
22 نوفمبر 2011 23:06
كم كان الأمر سيغدو جميلاً لو أن 99 في المئة من الأميركيين لم يسمعوا في حياتهم عن "وول ستريت"، أو أن الشارع لم يوجد على الإطلاق. لو حدث ذلك، لما كان هناك داع لشعورك بالحسد تجاه زميلك في الفصل الذي تخرج في كلية لإدارة الأعمال، والتحق بوظيفة مجزية في أحد البنوك، حصل من خلالها على رواتب وصلت إلى 10 ملايين دولار في حين تخرجت أنت من قسم الاجتماع . وحتى إذا كنت قد تخرجت من كلية لإدارة الأعمال والتحقت بوظيفة مدير استثمارات في أحد البنوك، فإنك لم تكن لتشعر بالحرج - إذا لم يوجد هذا الشارع على الإطلاق بالطبع- إذا ماقمت بضخ 100 مليون دولار من أموال الأرامل واليتامى في أوراق مالية يطلق عليها"التزامات الدين المكفول" التي لا تفهم ما الذي نعنيه على وجه التحديد. ولما كنت قد تعرضت لانهيار في قيمة المنزل الذي اشتريته عام 2005، ولكان عشرات الملايين من الأميركيين الذين تعرضوا للحجز على منازلهم بسبب عجزهم عن دفع أقساط الرهن العقاري، مازالوا في تلك المنازل حتى الآن، بل ويتمتعون بتشذيب حشائش حدائقها الخلفية، ولما كانت مدخراتك التقاعدية قد تبعثرت بسبب كل تلك الشركات التقنية المتطورة، التي اشتريت إحداها بالأموال المودعة في حسابك المشترك مع زوجتك في عقد التسعينيات من القرن الماضي. والشيء الأكثر إرضاءً من كل ذلك هو أنك - إذا لم يكن هذا الشارع موجوداً في الأصل -لم تكن لتكون مضطراً للتنافس مع الآخرين بحثاً عن وظائف لا توجد في الوقت الراهن الذي يعاني فيه ما يقرب من 25 مليون أميركي من البطالة. كان يقال لنا دوما إن"وول ستريت" جعل الرأسمالية والابتكار ينطلقان بسرعة الصاروخ، وجعل أميركا دولة غنية ومزدهرة. وكان يقال لنا أيضاً إن "وول ستريت" مليء بالشركات والمؤسسات التي توفر الوظائف للأميركيين، كما كان يقال لنا أيضاً أشياء أخرى تصب كلها في بيان أهمية الشارع. ولكن" ألفريد تشاندلر" ، المؤرخ الاقتصادي المحترم، كانت له رؤية أخرى مقنعة للغاية تختلف عن ذلك كله مؤداها أن معظم الاستثمارات، التي تم تجميعها خلال مرحلة تصنيع أميركا، قد جاءت من الأرباح التي كانت تحققها الشركات والمؤسسات العاملة في السوق، ولم تجيء من البنوك الموجودة في"وول ستريت". كانت هناك استثناءات لذلك بالطبع. ففي عشرينيات وتسعينيات القرن الماضي، على سبيل المثال، وفرت مؤسسات هذا الشارع عدداً لا حصر له من الوظائف للشاب الباحث عن عمل، كما تمكنت العديد من الشركات المبتكرة من الدخول إلى السوق عن طريق تلك المؤسسات، ولكن ما حدث بعد ذلك أن العديد من تلك الشركات الناشئة، إن لم يكن معظمها، تعرض للانهيار بسبب المضاربات المحمومة، واختفت تماماً من الوجود في بحر سنوات قليلة. وفي الحقيقة أن البريق الذي حظي به "وول ستريت" ذات يوم أخفى في وهج الكثير من الاستثمارات الرديئة التي تمت فيه على مدى الأربعين عاماً الماضية. ويمكن القول إن ذلك الشارع على الرغم من أنه كان مسؤولاً لحد كبير عن كل كارثة مالية حاقت بأميركا، قد استفاد في نفس الوقت من كل فترة ازدهار تمتعت بها، وخرج منها بأرباح طائلة. السؤال الآن: هل نحن - بعد كل ذلك - في حاجة لـ"وول ستريت"؟ وهل هناك وسيلة أكثر ذكاء لانتقاء وتمويل مجموعة من الشركات القادرة على تحقيق الأرباح؟ في الحقيقة أنه لا يمكن لنا الاستغناء عن ذلك الشارع، بل يمكننا القول إن حركة" احتلوا وول ستريت" ذاتها لا تدعو إلى التخلص منه، لأنه من الضروري أن تكون هناك جهة لديها القدرة على الاحتفاظ بأموالنا بشكل آمن، وعلى تقديم القروض إلى الأفراد والجهات المحتاجة من أموال المدخرين، وإتاحة الإمكانية للتعامل بالشيكات في عقد الصفقات، وتزويدنا بالأموال الضرورية عند الحاجة إليها، وتوفير الفرص لصغار المستثمرين لشراء الأسهم والسندات وغيرها من الأدوات الاستثمارية بتكلفة منخفضة. المشكلة أن "وول ستريت" بآليته وتكوينه الحالي لا يوفر لنا ذلك، بل يمكننا القول إن ما قام به خلال السنوات الماضية يتنافى تماماً مع قواعد العمل المصرفي والمالي السليم، حيث استخدم مدخرات الأميركيين في القيام باستثمارات خطرة ساهمت في زيادة أرباح البنوك وإلحاق الضرر البالغ بالمدخرين، كما لم يلتزم بقواعد العمل في الأسواق الحرة، وتعامل بأوراق مالية معقدة بطرق سرية، ودفع أموالًا طائلة لمديريه والعاملين فيه مقابل تحقيق تلك الأرباح ولم يعاقبهم عندما أخفقوا في عملهم وتسببوا في كوارث بعد ذلك، كما انخرط في مضاربات شديدة الخطورة كانت تنتهي بانهيار هائل في كل عقد من العقود منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن. هنا يبرز سؤال آخر: هل يمكننا أن نزدهر من دون "وول ستريت"؟ بالتأكيد نستطيع ذلك. فنحن في حاجة إلى صناعة مالية أصغر حجماً بكثير مما هي عليه الآن، صناعة تتوافر فيها حدود معقولة وجدية لرأس المال والديون على حد سواء، صناعة تحرم التعامل في الأوراق المالية الخطرة، وتتم فيها التعاملات والمضاربات بشكل شفاف وليس خفياً، ومن خلال بورصات مركزية، تتوافر فيها الضوابط التي تقلل تضارب المصالح للحد الأدنى، ويُعهد فيها بعملية التقييم الائتماني للحكومة، وليس لوكالات خاصة قد تكون صاحبة مصلحة. وإذا بدأنا التفكير في "وول ستريت" على أنه كيان قابل للاستغناء عنه، فإننا قد نعمل على تنظيمه بشكل أفضل مما هو عليه الآن، بحيث يؤدي ما يفترض أن يقوم به بالضبط، وهو توفير مكان يمكن للأميركيين أن يودعوا أموالهم فيه ثم يقوم بعد ذلك بضخ تلك المدخرات في شرايين استثمارات منتجة وليس في مضاربات خطرة شبيهة بتلك التي تتم في كازينوهات القمار. هذا هو المفروض أن يتم، ولكن واشنطن لا تتخذ هذا المسار للأسف الشديد. جيف مادريك محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة" واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©