الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفريقيا... سباق على الهندسة المعمارية

19 نوفمبر 2013 23:05
على مر آلاف السنين، كانت الهندسة المعمارية الأفريقية في المقدمة عالمياً، بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وحتى بداية القرن الرابع عشر، إذا وقفت على قمة الهرم الأكبر في محافظة الجيزة المصرية، بارتفاعه الأصلي البالغ 481 قدماً، فإنك كنت تعلو أطول بناء شيده الإنسان في التاريخ، وهو رقم قياسي احتفظ به الهرم نحو أربعة آلاف عام، قبل أن تتجاوزه أبراج كاتدرائية لينكولن في إنجلترا، التي تم إنجازها في عام 1311. ومنذ أن خلت تلك الأيام العظيمة، رحل رواد الهندسة المعمارية عن القارة، وبات من المستبعد إذا بحثت عن أكبر أو أطول بناء أن تجده في أفريقيا، باستثناء مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء الذي يضم أطول منارة في العالم. وعلى نقيض بقية دول العالم، التي هيمن عليها سباق المرتفعات لبناء مزيد من ناطحات السحاب شاهقة الارتفاع، كالبرج الذي يُناقش تشييده الآن في السعودية، ظلت أفريقيا قارة لا يسيطر عليها هاجس الارتفاع. ومنذ سقوط الفراعنة، قادت مجموعة من العوامل، مثل وفرة مساحات الأراضي ونقص التمويل والأولويات الثقافية، أفريقيا إلى عدم تشييد مباني مرتفعة. ويكاد يُمكن تسجيل مركز كارلتون، الذي يعتبر أطول بناء في أفريقيا، بين أفق ناطحات السحاب المزدحمة في هونج كونج أو نيويورك إذ يبلغ ارتفاعه 731 قدماً، أي أن برج خليفة في دبي، المسجل كأطول بناء في العالم، أطول منه بنحو أربعة أضعاف. ورغم ذلك، ظل مركز كارلتون يحمل تاج أعلى بناء في القارة السمراء لمدة أربعة قرون، بينما لم تزد قمة أي بناء آخر في أفريقيا عن 160 قدماً. وبالنسبة لبعض شركات الهندسة المعمارية والتطوير العقاري، التي أتخمتها السيولة النقدية من الازدهار الاقتصادي المنتشر في أفريقيا، أصبح مركز كارلتون يبدو مثل هدف سهل، بعد أن كان ذات يوم صعب المنال. الآن يبدو أن إنجاز أطول بناء في أفريقيا، والوصول إلى أعلى قمة يمكن تحقيقها في عالم ناطحات السحاب، أشبه بسباق حقيقي. ويأتي في مقدمة المنافسة مجمع «مدينة سيمبيو» في منطقة سنتوريون التابعة للعاصمة الجنوب أفريقية، وسيكون مركز المشروع هو مبنى عملاق مكون من 110 طوابق يضم مكاتب ومحال وشققاً سكنية وقاعات مؤتمرات، داخل برج متعدد الطبقات يبلغ ارتفاعه 1466 قدماً. وإذا قدر لهذا البرج أن ينجز، سيكون لاعباً حقيقياً في ساحة ناطحات السحاب، وتدعم تشييد المجمع البلدية المحلية، التي تراه جزءاً من برنامج أوسع نطاقاً لتجديد العاصمة بريتوريا والمدن المحيطة بها. غير أن هذا المشروع لا يزال يحتاج إلى تصريح التخطيط، المتوقع إصداره بحلول العام المقبل، إضافة إلى تعهدات المستأجرين، ورغم ذلك فقد تم تحديد التاريخ المبدئي لإنجازه بين عامي 2018 و2022. وكي لا تدع الدول الأخرى تتفوق عليها، قفزت إثيوبيا إلى ركب المتسابقين لتجاوز قمة كارلتون، ومشروعها المقترح، المخصص للعاصمة أديس أبابا، عبارة عن برج مكون من 99 طابقاً بارتفاع جريء يصل إلى 1469 قدماً، أي أعلى من مقترح «مدينة سيمبيو». وعند إنجاز البرج، الذي تدعمه الصين، سيطلق عليه اسم مركز مليس زيناوي الدولي، تكريماً للرئيس الإثيوبي الراحل. وتاريخ الإنجاز المقترح هو عام 2017. ولحقت غانا أيضاً بالسباق بمشروع «مدينة الأمل»، الذي دشنه الرئيس جون ماهاما في مارس الماضي، ومن المقترح أن يكون المشروع محاكاة أفريقية لـ «وادي السيلكون الأميركي»، ليصبح مركزاً لشركات التكنولوجيا بتكلفة 10 مليارات دولار خارج مدينة أكرا. والتصميم المتصور عبارة عن ستة أبراج بارتفاعات مختلفة، على أن يكون أطولها مكوناً من 75 طابقاً وارتفاعه 902 قدم، وتتصل ببعضها بجسور علوية، ورغم أن هذا التصميم مستوحى من مجمعات المنازل الغانية التقليدية، لكن الرسومات تعيد إلى الأذهان الأبراج الأيقونية في زيمبابوي العظمى. غير أن مشروع «مدينة الأمل» يواجه صعوبات مبكرة قليلة، فبعد أن تم تحديد مدينة دونكونا كموقع للمدينة، نقلت شركة تطوير المشروع فجأة إلى مدينة برامبرام، عازية ذلك إلى صعوبات في الحصول على الأرض اللازمة. بيد أن إحدى الصحف المحلية، كشفت أن سكان دونكونا أعربوا عن استيائهم من الشركة إذ أنها لم تنل بركة الزعماء التقليديين. وليست هذه هي المرة الأولى التي تئد فيها الاعتبارات الثقافية مشروعاً معمارياً في أفريقيا، ففي جنوب أفريقيا على سبيل المثال يميل المخططون العمرانيون إلى تجنب المرتفعات في مخططاتهم، لأنه من الصعب بيعها، إذ جرت العادة على أن الناس يحتاجون أن يلمسوا الأرض ليبقوا قريبين من أسلافهم. ولا تزال المباني السكنية متعددة الطوابق استثناءً في جنوب أفريقيا، وعادة ما تكون المشاريع السكنية الحكومية منخفضة التكلفة مكونة من طابق واحد. وفي غضون ذلك، فإن وقف مشاريع التطوير لا يتعلق فقط بالحساسية الثقافية، وإنما تلعب النظرة الاقتصادية دوراً أيضاً، بالنظر إلى أن لديها مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للتطوير، ما يجعل التوسع الأفقي أرخص بكثير. لكن التوسع الأفقي في مدن مثل جوهانسبيرج ونيروبي ولاجوس يبدو أسطورياً، وينافس أفضل ما يمكن أن تقدمه ولاية لوس أنجلوس الأميركية، إلا أن هذا النوع من التطوير لديه مشاكله المتمثلة في أن مد الخدمات يكون ضعيفاً، ويصبح عمل شبكة المواصلات العامة بكفاءة شبه مستحيل، ويزيد الاعتماد على السيارات من التلوث. وعليه، تتجه جنوب أفريقيا الآن إلى تدشين شبكة سكك حديدية تربط بين جوهانسبيرج وبريتوريا، فيما تعتبر بارقة أمل جديدة لانتقال أفريقيا نحو أنموذج تطوير عمراني مختلف. وها هي ظاهرة ناطحات السحاب قد لدغت القارة السمراء، وأخيراً أصبح لدى شركات التطوير العقاري المال الكافي والمعرفة اللازمة لإطلاق صافرة بدء السباق إلى القمة. سيمون أليسون محلل سياسي جنوب أفريقي ينشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©