الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شغف الألمان بأوباما

11 نوفمبر 2012
لا توجد صفحة أولى من صفحات الجرائد أو المجلات الألمانية الكبرى إلا وقد نشرت عليها صورة المرشح الفائز في الانتخابات الأميركية، أوباما، بصحبة عائلته، منتشياً بالنصر وملوحاً بيده للمؤيدين. بل إن أغلب الصحف ووسائل الإعلام الألمانية لم تخفِ رضاها عن فوز أوباما على غريمه الجمهوري، رومني، معتبرةً بقاء أوباما لولاية ثانية في البيت الأبيض استمراراً لخطاب التفاؤل والتغيير في عالم يحتاج إلى جرعة إضافية من الأمل لمواجهة التحديات الاقتصادية الضاغطة. وفي تعليقها على فوز أوباما عنونت صحيفة “تجازيتونج” اليسارية صدر صفحتها بعنوان دال: “النصف الآخر المتميز لأميركا”، فيما اختارت صحيفة “بيرلينر زيتون” العنوان: “أوباما يبعث على أمل جديد”. لكن في مقابل عبارات الإشادة والإطراء التي حفلت بها كبريات الصحف الألمانية، كانت هناك إشارات وتلميحات للانتظارات الألمانية التي تريد تحققها على يد أوباما وإدارته، لذا جاء عنوان الصفحة الأولى للمجلة الأسبوعية “دي تزوت” واسعة الانتشار: “افعلها مجدداً... لكن بطريقة أفضل”. والحقيقة أنه لو كان يحق للألمان الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الأميركية لكانت نتيجتها محسومة سلفاً لصالح أوباما، حيث أبدت أغلبية كبيرة من الشعب الألماني تأييدها المبكر للمرشح الديمقراطي وساندت سياساته منذ البداية، أضف إلى ذلك الميول الألمانية السلمية التي عادةً ما تقف إلى جانب الرؤساء الأقل تشدداً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. وفي سياق التأييد الألماني الجارف لأوباما أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “يوجوف” قبل وقت وجيز على بدء الانتخابات، أن 85 في المئة من الألمان سيصوتون لأوباما مقارنة بحوالي 4 في المئة قالت إنها ستصوت لصالح رومني. كما أن التأييد لأوباما لا يقتصر على فئة عمرية أو شريحة اجتماعية في ألمانيا، بل يمتد إلى جميع فئات المجتمع وفي كافة المدن والمناطق الألمانية التي يبدو أنها أجمعت على مناصرة أوباما وتجديد الثقة في قدرته على قيادة القوة العالمية الأولى، وإن كانت الانتظارات الكثيرة جعلت نسبة الراضين عن أداء أوباما أقل من نسبة المؤيدين حيث لا تتجاوز 60 في المئة. لكن وفي جميع الأحوال يحظى أوباما بشعبية كبيرة في ألمانيا جعلته السياسي الأميركي المفضل لدى الألمان.ويبدو حسب المحللين أن الحماس الكبير الذي يُقابل به أوباما في الأوساط الألمانية ينطوي على بعض المفارقة بالنظر إلى الانتظارات الألمانية غير المتحققة خلال الولاية الأولى للرئيس، وهو ما يؤكده “جوهانز تيم”، الباحث في المركز الألماني للشؤون الدولية والأمنية ببرلين، قائلاً: “رغم استبدال أوباما لسياسة سلفه التي كانت قائمة على الأحادية وشن الحروب، بأخرى تعتمد التعددية الأحادية والتشاور مع الحلفاء، يبقى أن الألمان أحسوا ببعض خيبة الأمل جرّاء التركيز الأميركي في الفترة السابقة على آسيا والمحيط الهادئ على حساب أوروبا”. والحال أن أوروبا لم تبرز بالفعل في الأجندة الانتخابية لأوباما، ولا حتى لخصمه رومني، حيث ظلت همومها وانشغالاتها غائبة عن النقاش العام، كما أن المقاربة التي اعتمدتها إدارة أوباما في التعامل مع الأزمة الاقتصادية تختلف عن تلك التي تدعو لها ألمانيا. ففي الوقت الذي أنفقت فيه الحكومة الأميركية بسخاء على الاقتصاد بعد اندلاع الأزمة وانكشاف تداعياتها من خلال خطة الإنقاذ المالي الكبيرة، كانت ألمانيا وما زالت من أشد المدافعين عن سياسة التقشف كوسيلة لخفض العجز وإعادة التوازن للاختلال المالي الكبير في موازنات الدول المتعثرة، لاسيما في جنوب أوروبا. لكن بالإضافة إلى القضايا الاقتصادية محط الاختلاف، هناك أيضاً بعض المسائل السياسية والتي على رأسها معتقل جونتنامو الذي تعهد أوباما في حملته الانتخابية لولايته الأولى بإغلاقه، لما يثيره من جدل على الصعيدين الحقوقي والأخلاقي، دون أن يتمكن من ذلك، علماً بأن المعتقل يذكّر ألمانيا بماضيها الذي تحاول دائماً تجاوزه. هذا علاوة على معارضة الألمان لسياسة استخدام الطائرات بدون طيار التي يبدو أنها أصبحت استراتيجيةً أثيرةً لدى أوباما وإدارته. فحسب الرؤية الألمانية تساهم تلك الهجمات غير المحسوبة أحياناً في تأجيج مشاعر العداء للغرب وأميركا وتغذية التطرف الديني، لاسيما حين تؤدي تلك الهجمات إلى سقوط ضحايا في صفوف المدنيين. بيد أنه في المقابل، يتعاطف الألمان مع سياسات أوباما الداخلية التي يرونها تقترب من السياسات الألمانية، فقد كان لقانون الرعاية الصحية الذي أقره أوباما بعد صراع طويل مع الكونجرس، وقعاً خاصاً في نفوس الألمان الذين تشكل التغطية الصحية الإلزامية أمراً بديهياً بالنسبة لهم، حيث لا يُتصور في ألمانيا أن يحرم مواطن من الرعاية الصحية تحت أي مبرر من المبررات، كما أن مساعدة الرئيس لقطاع صناعة السيارات في أميركا لقي تصفيقاً حاراً من قبل الاتحادات العمالية والموظفين الألمان، على حد سواء، والذين يدافعون عن الصناعة وقدرتها على توفير فرص العمل. ويبقى في النهاية أن نعرف ما إذا كان الحماس الألماني لأوباما سيستمر لمدة أطول في ظل الجهود الأميركية لحل الأزمة المالية التي تعصف بمنطقة اليورو، حيث يعرف الجميع موقف أوباما الذي يدعو ألمانيا إلى تحمل الجزء الأكبر من المسؤوليات السياسية والمالية والعسكرية، ليس فقط ضمن حدود أوروبا، بل حتى على الصعيد العالمي. مايكل شتينجر برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©