الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثقافة المُتحوّلة في الخليج

الثقافة المُتحوّلة في الخليج
23 نوفمبر 2011 21:10
يظل التراث الوطني الرابط الوحيد الذي يربط الأجيال القادمة بماضي الأجداد، فيما يتعلق بالفنون والآداب الخاصة بكل شعب من الشعوب. وهو المعين الذي يؤكد تطور أي شعب، واتجاهاته الفكرية والأدبية والفنية. ويشكل التراث الوطني في الخليج أحد أهم الملامح المشتركة لشعوب الخليج. سواء في النماذج القولية، من رسائل الحكام المتبادلة مع التجار والمندوبين الأجانب، أم في نماذج الشعر الشعبي، الذي أرّخ لحالات ووقائع عديدة وأحداث مرّت بها المنطقة. كما حفظ هذا الشعر شكلَ الحياة التحولية من البداوة وأعمال البحر إلى النفط ومستلزمات الحياة الجديدة، ناهيك عن الأحداث الهامة مثل الحربين العالميتين، ونكبة فلسطين، والنكسات العربية، وغيرها. وإذا كان الشعر ديوان العرب، فإن الشعر الشعبي في الخليج هو ديوان الخليجيين الذين ارتبطت أقدارهم ـ قبل النفط ـ مع الكلأ والعشب أو الغوص وصيد السمك. وسجّلَ هذا الشعر نماذجَ الحياة بكافة أنماطها واتجاهاتها، تماماً كما هي الأعياد الوطنية وعلاقة الشعب مع الحكام، وكذلك الاتجاه العاطفي في الشعر الرومانسي. كما شكّلت السيّرُ الذاتية المكتوبة نمطاً آخر من أنماط التسجيل الخاصة بالحياة خلال أكثر من مائتي عام. وساهمت الفنون الأدائية مثل: العرضة وفنون البرِّ والبحر الشعبية (من فجري، ومراداة، وبستات، وصوت شعبي، وليوه، وغيرها) نوعاً آخر من التسجيل لأيام المحَن والفرح، ولشكل المعاناة لدى البعض، وأيام السعادة عند الآخرين. وكما حفلت العرضة بنوع خاص من الشعر يتغنى بالولاء للوطن والذود عنه، والوفاء للحاكم الذي حفظ أمن البلاد والعباد، جنباً إلى جنب مع الحماسة ومعاني القوة ودحر الأعداء، فإن أغاني الغوص كانت أكثر ذاتية فيما يتعلق بالإيمان بالقضاء والقدر والحنين للوطن وأهله إن الغواصين يغادرون أوطانهم لأشهر، ويعيشون مع المجهول، والمعاناة مع الغربة ويسكنهم الحنين للوطن والأحباب. وفي الوقت الراهن، ومع تطوّر بلدان الخليج، وجدنا تركيزاً أقل على مثل تلك الآداب والفنون التي هي في الحقيقة تاريخ ناطق لماضي المنطقة. ولم تعد وسائل الإعلام تحفل بها كثيراً، أو تؤسس لذاكرة الوطن عبر بث تلك المواد، أو حتى حفظها في مكان آمن للأجيال القادمة. وعوضاً عن ذلك، بدأت بعض دول المنطقة في “استيراد” ثقافات عالمية، غريبة عن المنطقة وعن ذوق أهلها وثقافتهم، سواء ما تعلق بالنماذج القولية أم الأدائية الحركية كالمسرح العالمي والأوبرا أو الموسيقى الجماعية أو المسرحيات والأفلام ومهرجاناتها. كما غاب التراث الخليجي عن كثير من الملتقيات السينمائية والفنية التشكيلية، وصارت مثل هذه الفعاليات “منصات” للنُخب وللوافدين من العاملين في المجال الفني دون أن يستفيد منها لا الفنانون المحليون ولا الجمهور! وتظل تلك الفعاليات رهينة الوقت الذي تقام فيه الاحتفالية وتفتقر إلى تفاعل الجمهور المحلي معها. والنتيجة صرف الأموال والجهد دون فائدة. وكما أصبحت وسائل الإعلام “مُغرّبة”، كما توصل لذلك المنتدون الخليجيون في (ملتقى الإعلام والهوية الوطنية) الذي عُقد في أبوظبي مؤخراً، من حيث كثرة المواد الوافدة، وعن ندرة البرامج المحلية، نظراً لندرة أو غياب المعدين والمقدمين المحليين، فإن الثقافة، ومنها المجلات الثقافية والمهرجانات، هي الأخرى أصبحت “مُغربة” ولم نعد نشاهد أو نقرأ فيها الصورة المحلية أو المشاهد التراثية ـ اللهُم فيما ندر ـ بل إن الإعلانات التي نشاهدها ـ في الشوارع أو المحلات ـ تركز على صور فنانين لم نألفهم ولا يعرفهم إلا الراسخون في ذات الفن. ناهيك عن سيادة اللغة الإنجليزية في أكثر المواقع المعنية بالثقافة. وتدريجياً يتم تهميش اللغة العربية. نحن لسنا ضد التلاقح الثقافي، كوننا نسير في قافلة العولمة، ولا نطالب بالانكفاء والدخول في تابوت التاريخ، لكننا نطالب أن يكون هنالك تكافؤ أو تعادل بين المواد الوافدة ـ حتى لو كانت عالمية ـ وبين موادنا المحلية الثرية ورموزها، والتي لا يجوز أن نسمح بـ”مسخها”، عن طريق تقديمها مقولبة تنفرّ الناس من التراث. لا بد من إجراءات لكبح جماح الثقافة الوافدة وطوفان الإعجاب الأعمى بكل ما هو أجنبي أو عالمي، دون أن نستفيد منه، ويحترق بعد العرض. إن مطالبة فرنسا ـ وهي من الدول المتحضرة ـ باستثناء ثقافي في منظمة (الجات) لحماية شعبها من تغّول المواد الأمريكية لم يكن تراجعاً ثقافياً، لكنها كانت تريد الحفاظ على تراثها وثقافتها الفرنسية. كما أننا نعلم بمدى امتعاض الكنديين من طغيان المواد التلفزيونية الأمريكية العابرة لحدوها، لدرجة أن مواطنيها لا يفرقون بين الشرطة الفدرالية الأمريكية والجندرمة الكندية. وتلك دول لها نصيب كبير من الحضارة ومن التعولم. لذلك، فإن دول الخليج مطالبة بالالتفات لهذه الثقافة المتحولة التي تقتلع الكثير من الثقافات المحلية وتهدد الهوية الثقافية لهذا الإقليم. * أكاديمي وإعلامي قطري Hamsalkhafi57@hotmail.com www.ahmed-abd lmalik.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©