الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روائي هندي في معرض الشارقة: أيُّ سعادة هذه!

روائي هندي في معرض الشارقة: أيُّ سعادة هذه!
23 نوفمبر 2011 21:21
من حقّ المرء أحيانا أن يشعر بالغيرة، ومَنْ زار الأجنحة الهندية بعد انتهاء فعالية “لقاء مع كاتب ـ متغيرات الأدب الهندي” التي أقيمت في قاعة المؤتمرات في إكسبو ضمن فعاليات البرنامج الهندي لهذه الدورة من المعرض التي تكرّم الثقافة والأدب الهنديين لا بد أنه شعر بذلك أيضا. كان اللقاء مع الروائي الهندي ذائع الصيت في ثقافته وبلاده: أم تي فاسودفان نير. القاعة ممتلئة بجمهور هندي لم يحضر كله من “رولة” الشارقة بل من أمكنة ومدن أخرى من الدولة على ما تشي بذلك مظاهرهم. لا صوت ولا نأمة تقريبا في القاعة باستثناء بعض الأمهات الصغيرات الحاملات صغارهن بين أذرعتهن ويشرن إلى الرجل الواقف على المنصة حتى أن المرء يحسب أن الرجل جدٌّ هؤلاء الأطفال جميعا. أمام هذا المشهد، لا يستطيع المرء أن يتابع كل ما قاله هذا الروائي الهندي المخضرم عن ما تشهده الرواية الهندية من تحولات راهنة، هو الذي في حديثه بدا جادّا لكن هادئا وكأنما يأتي صوته من مكان عميق، لكنه أشار إلى جيل جديد من كتّاب الرواية في الهند وعن دخول المجتمع نفسه في تحولات بدأت تجد انعكاساتها في مرآة الأدب على هذا النحو أو ذاك ثم تحدث عن تفاؤله بمستقبل هذه الرواية رغم أن هذا التعدد الهائل في التيارات والأساليب الروائية وكثرة عدد الروائيين وعن انشغاله بصنيعه الروائي وكذلك تقدمه في السن الذي يمنعه من المتابعة لكل ما يصدر، مع أنه أيضا تحدث عن نفسه إلى جوار ذلك واثناءه. أيضا كان الطابور طويلا أمام أولئك الذين وقفوا للحصول على توقيعه لكتبه فيعود الموقَّع له كما لو أن الرجل قد أهداه الكتاب على نحو خاص دون الجميع فيعود إلى العائلة التي تنتظره ببهجة عالية يريهم ما عاد به: اسمه مكتوبا بخط يد الرجل ثم توقيعه في الأسفل. وعن قرب أكثر وفي أجنحة دور العرض الهندية من المعرض بدا الرجل أكثر قربا، وأكثر بساطة في هيئته ولباسه وحديثه وربما أكثر كبرا في السن مما بدا واقفا على المنبر في قاعة المؤتمرات. كان يتنقل بتثاقل بين الأجنحة محاطة بسعادة الناس به حتى لكأن هذه السعادة ما هي إلا الهالة التي تحيط بقديس حقيقي. أيضا، التفّ حوله عدد من الشبان الهنود، لا يدري المرء أهم مرافقون له أم من الناشرين أم من الجمهور العادي الذي تبع خطاه من القاعة إلى أجنحة العرض، أحاطوا به متشابكي الأيدي في هيئة حلقة ومنعوا عنه الاقتراب المتطفل المحبّ أكثر مما ينبغي أو يجب. ولا يدري المراقب المتابع للمشهد من قلبه لكن من زاوية أخرى في النظر لهذا الكاتب، اهو بمثابة “بطل” قومي أو غير قومي بالنسبة إليهم؟ أهو مشهور إلى هذا الحدّ بحيث يشكل بؤرة تصالح وتآلف تصب إليها قناعات كل هذا الجمهور بمختلف أطيافه ومستوياته الثقافية؟ ربما أن ما يجعل مثقفا عربيا يشعر بالغيرة الإيجابية بالمطلق هو سعادة الناس بالرجل. لقد بذلوا طاقة عجيبة في محبته إلى حدّ أنه بدا ذاهلا من هذا القَدْر كله من الحبّ الذي لم يكن قاسيا أو مرهقا. قد تكون هذه السعادة بالرجل من باب افتقاد أبناء الجالية الهندية المقيمين بيننا لأبطالهم الخاصين بهم، إذ أن تلبية هذا الافتقاد بات حاجة “جمعية” تخصّ أولئك الذين يعيشون بعيدا عن أوطانهم والتي تمنحهم الإحساس بأنهم كسائر الآخرين وليسوا أقل منهم في عالم يفرض مقاييس وشروط بعينها للتواصل الإنساني بين البشر: أفرادا وجماعات وثقافات وحضارات، وقد يكون مبعث هذه السعادة أيضا ينطوي على جانب من العصبية القومية التي تعني الانحياز بالمطلق لقومية ما ومنجزها الإبداعي والإنساني إلى حدّ العمى عن ما يفعل الآخرون في المشهد العالمي، لكنْ ما همّ إذا كانت هذه العصبية تجد طريقة في التعبير عن نفسها من خلال سعادة مجموعة من البشر بشخص بعينه وبسبب منجز يخصه ويخص أدبه الناطق بلغته عن ناس يتحدثون هذه اللغة ويتخيلون بها. سعادة الناس هي أيضا سبب من أسباب الفرح.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©