الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طغيان «النسوية»

طغيان «النسوية»
20 نوفمبر 2013 20:34
قرر صاحب “نبراسكا” و”حول سميث” و”الأحفاد” المخرج الكسندر باين وأعضاء لجنته منح جائزة “الكسندر الذهبي” الى الفيلم المكسيكي الاسباني المشترك “القفص الذهب” ولم يكتف بهذا فأعطى صاحبه دييغو كويمادا ـ ديس جائزة أفضل مخرج ليتوجه “بطلاً أولمبياً” للدورة ال54 من مهرجان تسالونيكي اليوناني، تليه الفرنسية كاتيل كيفير التي حصل فيلمها “سوزان” على جائزة “الكسندر الفضي”، فيما نالت الفنزويلية مارينا روندون “الكسندر البرونز” عن رائعتها السينمائية “شَعر سيئ”. جوائز “الكسندر” بإسم المخرج اليوناني الكبير “الكسندر ثيودوروس أنجيلوبولوس” وهي من دون مقابل مادي، منذ دخول البلاد في أزمة مالية حادة، ولهذا يمكن وصفها بالمعنوية بامتياز، ويكتسب التنافس عليها طابعاً تضامنياً، ومن هنا فخروج فيلم هالة لطفي “الخروج للنهار” بتنويه بأهمية عمل مدير تصويره محمود لطفي، له دلالة مهمة وإن لم يحصد إحدى الجوائز الكبيرة، حاله حال أفلام مهمة أخرى خرجت من مولد “المسابقة الدولية” من غير حمص كاليوناني “بطة برية” الذي تناول صاحبه يانيس ساكاريديس موضوعاً خطراً يتعلق باستغلال أصحاب شركات الاتصالات التلفونية الناس في بيوتها من خلال نصبهم لمستقبلات هوائية داخل العمارات السكنية بطريقة غير شرعية ومن دون موافقة ساكنيها ما يتسبب في إصابة بعض مستأجريها بأمراض سرطانية. الفيلم يقارب حالة اليونان اليوم وكيف “يسرق” أصحاب البنوك الناس والبلاد من دون مراعاة لأي اعتبارات إنسانية. ثمة جامع في كثير من الأفلام الفائزة في مسابقات الدورة وأصحابها، يتمثل في تَسيّد موضوع المرأة وحصول مخرجات على جوائز مهمة فيه. وإذا استثنينا “القفص الذهب” باعتباره يركز بالدرجة الأولى على موضوع الهجرة اللا شرعية إلى الولايات المتحدة الأمريكية من القارة اللاتينية، وأن لم يخلُ من اهتمام بموضوع الاستغلال الجسدي الفاضح الذي تتعرض له النساء أثناء محاولتهن الهروب إلى الطرف الآخر، فإن “النسوية” كموضوع وجودي تجلى في أكثر من عمل لعل في فيلم “سوزان” كان أكثر وضوحاً. كان متوقعاً لقوة الدور الذي لعبته الممثلة سارة فوستر فوزها بجائزة أفضل ممثلة، مع أن “سوزان” قد مثلتها أكثر من ممثلة لكون نصه قد لازم تطور حياتها عبر مراحل كثيرة منذ الطفولة مروراً بمراهقتها حتى أصبحت أماً ودخلت السجن لتهورها واندفاعها وراء عواطفها ما أعطى لشخصيتها طابعاً خاصاً يخرج من “كليشهات” الميلودراما العادية ويقترب أكثر من الحياة اليومية حيث مصائر البشر تُحدد وفق عوامل ومصادفات غير محسوبة يصعب التحكم بها. لازمت “سوزان” أختها الأكبر طيلة حياتها وشكلتا، إلى حد كبير، ثنائية متوازنة خرجتا من رحم واحد وعاشتا في كنف أب وحيد. ليس في فيلم كاتيل كيفير خير وشر، بل هناك حيوات متعددة داخل الكائن الواحد وهناك تأثيرات نفسية هائلة في فترة الطفولة تحدد طبيعة السلوك البشري إلى حد كبير. فسوزان لم تعرف حنان الأم التي ماتت بعد ولادتها بفترة قصيرة ونشأت مع والدها سائق الشاحنة الغائب طويلاً خارج المنزل. وسط فراغ عاطفي تكونت سوزان ومعها أختها وكان من المنطقي أنها ستركض دون تردد وبسرعة صوب الاتجاه الذي تأمل أن تجد فيه ما يسد حاجاتها العاطفية، ولهذا ثمة تعاطف وتسامح مع أخطائها واندفاعاتها. تسامح ينبغي أن يكون حاضراً في حياتنا لأنه هو من يجعلنا نعامل البشر بوصفهم كائنات رقيقة، عاطفية تخطأ وتستقيم بدرجات لا أحد منا قادر ولا له الحق في الحكم عليها من زاوية أخلاقية بحته تتناسى تفاعلات الإنسان وسط محيطه الخاص، وهذا ما ظهر أيضاً في شخصية الأم عند المخرجة الفنزويلية مارينا روندون، حين وضعتها في مواجهة مع طفلها المراهق والمدينة التي تواجه فيها ضغوطات كبيرة بسبب كونها أم وحيدة عاطلة عن العمل. في “شَعر سيئ” يطغي الموضوع النسوي ويتداخل مع موضوعات أخرى لها علاقة بالموقف من المرأة والمجتمع المتطلب لشروط السوق والحياة “العصرية” وتبرز مشكلة التعاطي مع حقوق الطفل في جسده والتعامل معه بوصفه كائناً شبه مستقل في نص الحكاية الآسرة التي دارت حول صبي أراد تغيير شكل شعره المجعد إلى شعر سرح كي يتأهل للمشاركة في مسابقات الرقص. هذا المطلب سيصطدم بجدران من الأحكام المسبقة في مجتمعات تدعي تأثرها بالحرية الغربية في حين يكشف “شعر سيئ” الجانب السيئ من الثقافة المحافظة التي لا تظهر على السطح وتنكشف كما فعلت مارينا روندون التي قررت لجنة تحكيم اتحاد النقاد العالمي “فبريسي” منح فيلمها جائزة أفضل فيلم روائي طويل. “القفص الذهب” استحق الفوز بجائزة المسابقة الدولية، لأكثر من سبب: أولها اعتماده على أغلبية من الممثلين غير المحترفين وعلى شخصيات عادية من الحياة نفسها أدت أدوارها بعفوية فظهرت على الشاشة كما لو أنها تسجل تجربتها الشخصية بنفسها في فيلم وثائقي، أو لنقل في فيلم روائي فيه روح وثائقية وهذه ثاني الأسباب التي تبرر فوزه. فالتوثيق فيه داخلي ويعود إلى مرجعيات تسجيلية كثيرة آخرها فيلم الثنائي الإيطالي فرانشيسكو كونفرسانو ونيني غرينيافيني “جدران” الذي عرض في الدورة الأخيرة لمهرجان أبوظبي وتناول ظاهرة الهجرة غير الشرعية من المكسيك إلى الولايات المتحدة وكيف يتعامل الأمريكيون بغطرسة وعنصرية مع المساكين المستجيرين من الرمضاء بالنار. العامل الثالث المحفز لمنحه الجائزة: موضوعه، الذي أراد تعرية قساوة المجتمعات الأميركية اللاتينية قبل التنديد بأنانية الآخر، الأميركي المحتمي بقوته. فرحلة الوصول بالقطارات إلى شمال القارة، التي يشرع بها صبيان صغار تنقصهم التجربة لم توصلهم إلا إلى حتوفهم أو في أحسن الأحوال جاورتهم بالقرب من أسلاك حديدية تشبه “قفصاً ذهبياً” في تركيبها لا يمكن الدخول إليها، لا بل أن مجرد الاقتراب منها قد يتسبب في وضع حد لحياتهم، مثلها مثل رحلة القطارات الصاعدة شمالاً والتي تحف بمخاطر جمة تأتي من أبناء القارة التي تتقاسم مع بعضها البعض الفقر والعوز، والتي ينبغي لها أن تتفهم حاجة الثاني بسهولة لا أن تستغله كما تفعل الكثير من العصابات المنظمة التي تحالفت سراً مع رجال الشرطة لامتصاص دماء أبناء جلدتهم، الذين لم يبق في أجسادهم الكثير منها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©