الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قبل الميلاد.. بعد الأبدية

قبل الميلاد.. بعد الأبدية
23 نوفمبر 2011 21:29
سرى الخدر في دمائه.. أغمض عينيه مرتحلاً في فضاءات يحس بها في أقصى مسامات جسده.. تكاد تحمله موجة أثيرية بلا حدود، تتماوج به في حقول ذهبية السنابل.. يكاد قلبه ينشق ولو لم تمسسه نار. وصفة سحرية أخذته بعيداً.. أسكرته.. دخل في عالم السكارى الوردي المتخيل.. خرجت به من عوالمه الرمادية.. كان انتظاره يفضي به إلى يأس شفيف. لكنه تذكر، قالت له: إنها هكذا... في يوم تفتش عنها.. تجدها في أعالي الملكوت، تناغي سحابة أبحرت منذ ألف عام، تسلقت إليها الضوء، جلست، فالتفت الساق بالساق، وكان المساق إلى عالم خرافي أسطوري.. استلقت.. كانت ساقاها تتأرجحان يمنة ويسرة بطفولية مشعوذة، خصلات شعرها تطير مع نسمات دافئة من نسمات الأعالي. بعد لحظة ارتقى المراقي باحثاً عنها.. لم يجدها، سأل عنها الكواكب والشموس، والظلمة والضوء، والملائكة والشياطين، لم يجد عندها جواباً.. وحين قرر الهبوط إلى جحيمه، حيث كبسولة عتمته الفضية، تحت سبع طيات من الجمر، كانت هناك تبتسم بطفوليتها وحمرة الخجل في وجنتيها.. تمالكت نفسها بتلقائية مفتعلة، بينما كانت أنفاسها تتقطع.. تتهاوى.. وجسدها يذوب ارتجافاً من زمهرير الجحيم.. ألم أقل لك؟ أصعدُ.. أنزلُ.. أضحكُ.. أصرخُ.. أهدأُُ.. هكذا أنا.. وضحكت بذات البراءة الطفلة، بينما كانت يدها اليسرى تدفع نظارتها نحو الأعلى كي لا يغزو الآخر عينيها.. وقف مذهولاً.. كم استغرقت رحلتها الكونية هذه؟ لحظات؟ ثواني؟ جزءاً من الثانية؟ كان الشرر يتطاير من جسدها الذي غلفه الزمهرير بغلالة رقيقة.. انسدلت خصلات شعرها مزمجرة بدلال.. كان يتأملها بإبليسية مفرطة.. دون أن تمنعه صرخات الصمت التي تطلقها بزمجرة طفولية.. شهقة.. رفرفة.. طاقة.. هذه هي الوصفة السرية التي كانت تتلفع بها دون جدوى.. كانت يمامة فد غادرت عرشها داخلة إلى قلب المتاهة.. طاقة محتدمة من نيران مطلة على فضاءات ملونة بلون السديم المتوقد الذي خلقت منه قبل الميلاد وبعد الأبدية. وسط السدم والأضواء، وانبهارات الجسد واحتدام الخلايا، والتوق إلى الالتحام.. كان القلق يتعرى أمام سطوة الملامح، ويدفع إليها موجات الخوف من الآتي. وسط هذه الخرافة الكونية، مد يده فخلع نظارتها.. بدت عيناها في غلالة الخجل الطفولي.. تصاعد اللون إلى وجنتيها.. أخذتا لون السعير المحتدم.. ملامح الطفولة لا تريد أن تكبر.. وهي تحاول أن ترسم ابتسامة مرتجفة.. جسدها المنتفض تحت وقع سنابكه.. كشلال زهور واضمامة ورد جهنمية.. همست في أذنه: تعال إلى قلب غيمتنا، حيث المستقر والمأوى، حيث الألوان والرؤى المخملية الراقصة.. كان صمته يصرخ: دعينا هنا، حيث السعادة لحظة.. نصف لحظة.. لذتنا في احتراقنا.. دعينا نحترق.. نصير دخانا يتسامى.. ينتقل من القطب إلى القطب في شهقة.. نصف شهقة.. تتوقد بالحلم الأبدي. مازال الخدر يسري في عروقه.. يحيله إلى ركام أسطوري من اللذة.. عيناه تحدقان في الأسطر المرتعشة على المرآة البلورية.. فاضت به المشاعر وتصاعد المد في خلاياه.. مد يده إلى الهاتف، ضغط أرقامه، بذات الهدوء المرتجف، أتى صوتها من بعيد.. أنت؟ أنت؟؟ همس في أذنها التي لامست شفاهه ذات صباح مازال على قائمة الانتظار: أفتقدك.. أفتقدك..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©