الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التاريخ والسيرورة والنوع والتحولات

التاريخ والسيرورة والنوع والتحولات
20 نوفمبر 2013 20:38
بدءا من العنوان الرئيس لكتابه “قضايا الرواية العربية الجديدة/ الوجود والحدود” يحدد الناقد المغربي سعيد يقطين لمتلقيه من خلال صفة الجديد التي يطلقها على الرواية العربية المجال الذي سوف تشتغل عليه الدراسة، وذلك من خلال الدلالة الفنية التي تحيل على نوع الرواية التي ستشكل مادة البحث والاستقراء. ويأتي العنوان الثاني (الوجود والحدود) لكي يقدم تفسيرا إضافيا للعنوان الرئيس يحدد فيه الأبعاد الأساسية لهذا البحث على صعيد علاقة قضايا الرواية الجديدة بقضايا الواقع العربي ومجال التفاعل والتمثيل الجمالي والتعبيري الروائي عن هذه القضايا المتشابكة والمتعددة على مستوى الرواية والواقع معا. في مقدمة الكتاب يطرح الناقد يقطين مجموعة من الأسئلة الأساسية والهامة التي تشكل مدخلا لدراسة الرواية العربية الجديدة سواء من حيث إمكانية التأريخ لها أو البحث في خصائصها ومشاكلها وعلاقتها بقضايا الواقع والإنسان العربي، وذلك في ضوء ثنائية الرؤية المنهجية التي ينطلق منها في هذه الدراسة فإنه يتناول قضايا الرواية من حيث وجودها الذاتي على مستوى خصوصيتها التعبيرية والجمالية وهنا يطرح سؤالا إشكاليا يتعلق بحقيقة وجود تاريخ حقيقي للرواية العربية وكيفية تحققه على مستوى الزمن، إضافة إلى البحث في اتجاهات هذه الرواية وتطورها ومدى انتشارها وكيفية تلقيها وتطورها وعلاقتها بوسائل التكنولوجيا. الوجود الموضوعي يربط الناقد قضايا الوجود الموضوعي للرواية العربية بقضايا المجتمع العربي من خلال دورها في تشخيص عوالمه وقضاياه. وهنا يعود لطرح مجموعة جديدة من الأسئلة تتعلق بعلاقة الرواية بالتراث والتاريخ وبالغرب والعصر الذي نعيش فيه ثم يحاول الإجابة عن سؤال آخر حول مدى توافر رؤية وجودية للرواية العربية للإنسان العربي وكيفية تقديم هذه الرؤية. ومع أن يقطين لا يدعي في هذا الكتاب أنه يقدم دراسة شاملة حول قضايا الرواية العربية إلا أن إلقاء نظرة على محاور الكتاب والأسئلة التي يحاول الإجابة عنها في هذا الإطار تكشف عن مقاربة واسعة ومهمة لأبرز تلك القضايا والموضوعات التي ماتزال تشغل النقاد والروائيين العرب، خاصة أن إنجاز هذا البحث استغرق منه عقدا ونصف العقد من الزمن شارك خلالها في مؤتمرات ولقاءات عربية ما أغنى رؤيته النقدية وساهم في انفتاحها على الرؤى النقدية الأخرى. إن أول ما يسعى للإجابة عنه هو سؤال النشأة نظرا لانشغال النقد والبحث الروائي بذلك واختلاف النتائج التي خلص إليها هؤلاء النقاد والدارسون من خلال دراستهم للتراث العربي، ولذلك يحاول مقاربة المسألة من منظور جديد يرتبط بوضعها في سياق تطور الوسائل التي استعملها العرب، وعلى الرغم من إقراره بأن العرب استخدموا السرد للأخبار عما وقع لهم أو انتهى إلى سمعهم مما حدث، إلا أنه يؤكد أن السرد ليس هو الرواية وبالتالي يبحث في كيفية ظهورها في الفضاء الثقافي والاجتماعي العربي من خلال جملة من الشروط التي ساهمت في ظهورها. وقبل أن يخلص إلى هذه النتيجة يقوم بتتبع المسار الذي سلكه السرد العربي في علاقته مع وسائط التواصل وأهم ملامحه كالسرد المجالسي والسرد الكتابي وصولا إلى تنظيم مادة السرد وتنسيقها التي أعقبها ظهور الرواية العربية في العصر الحديث عن طريق التطور الناجم عن ظهور وسائل تكنولوجية جديدة أولها المطبعة ومن ثم الصحافة المطبوعة والسمعية ـ البصرية. الرواية والقصة بعد أن يحدد سعيد يقطين حقبة الستينيات من القرن الماضي كبداية للتحول الكبير في الرواية العربية، يكشف عن الاهتمام الذي باتت تحوزه الرواية العربية حتى أصبحت النوع الذي يتعالى على سائر الأنواع الأخرى باعتباره قابلا للتفاعل مع كل الأجناس والأنواع بلا قيود أو حدود ما أدى إلى ضياع حدود النوع الروائي لكنها عملت على حجب الأنواع الأدبية الأخرى التي كانت القصة القصيرة في طليعتها. يبحث يقطين في العلاقة بين الرواية والقصة القصيرة من حيث النوع فهما نوعان سرديان وإن كانا ينتميان إلى نفس الجنس هذا الاختلاف كما يراه يقود إلى الاختلاف بين كاتب الرواية وكاتب القصة القصيرة، لأن كلا منهما يحمل صفة النوع الذي يكتب في نطاقه. ويذهب في استقرائه لتجربة القص على أنها سابقة على تجربة الروائي الذي يبدأ عادة تجربته بكتابة القصة ثم ينتقل منها إلى الرواية ما يجعلها سابقة على الرواية من حيث الزمان، ولذلك فهو يؤكد أنه لولا التطور الذي عرفته القصة القصيرة لما كان للرواية أن تتطور الأمر الذي يجعل منها بنت القصة القصيرة أو أختها. ولتوضيح تلك العلاقة بصورة أكبر يعود لدراسة نشأة القصة القصيرة ودور وسائط الطباعة والصحافة في ذلك. وعندما يناقش النوع السردي للقصة القصيرة من حيث هي نوع سردي أم مقامة جديدة فإنه يجدها تتذبذب بين الاثنين في أعمال الكتاب المؤسسين لها سواء على مستوى النوع أو مادة النصوص السردية. كما يخلص إلى نتيجة مفادها أن تاريخ تطور القصة القصيرة هو تاريخ تطور الرواية العربية وأن أهم الحركات في تاريخ السرد العربي بدأت مع القصة القصيرة إضافة إلى انتقال النزوع الواقعي منها إلى الرواية وهو ما يجده ينسحب أيضا على محاولات التجريب والحساسية الجديدة فيها. النوع السردي في هذا الفصل، وبعد أن يؤكد الناقد أن نشأة الرواية العربية قد تمت في بلاد الشام ومصر وأنها رسخت تقاليدها في مصر نظرا لارتباط نشأتها بتوفر الصحافة، يعالج موضوعا إشكاليا يتعلق بقضايا النوع السردي متخذا من الرواية المغربية نموذجا للبحث والتقصي الذي يربط فيه بين نشأة الرواية العربية عموما وتفاعلها مع التجربة الغربية. وعلى أساس هذه المقارنة يكشف عن غياب التمييز بين الأجناس وأنه إذا تم هذا التمييز فإن خانة كبرى من الأعمال تحمل اسم الرواية على خلاف مثيلتها الرواية الغربية التي يظهر التمييز الواضح فيها بين رواية كلاسيكية ورواية تاريخية ورواية أحداث. من خلال هذا التباين في المقارنة على مستوى النوع يرى الناقد الروائي العربي الذي ينجز عمله الروائي دون أن يتقيد بشروط نوع محدد من الكتابة السردية بصورة مباشرة أو ضمنية، فإنه يخلق نصا هلاميا أو ملتبسا ما يجعل المتلقي يشعر بصعوبة التعامل معه وفق القواعد المتبعة عادة في كتابة هذا النوع، ولذلك فهو يحذر من الاستمرار في هذا النوع من الكتابة لأنه سيجعلها تفقد القارئ المتفاعل معها. وفي سبيل الإضاءة على هذه الاختلافات في نوع الكتابة الروائية يتناول علاقة النوع الروائي بالتاريخ، ثم ينتقل في الفصل التالي للبحث في أساليب السرد الروائي العربي الذي يجد أن تطوره قد ارتبط مع الإنجازات التي حققتها الرواية على مستويات عدة تشمل الخطاب والقصة والنص معا ومع نوع الإيقاع الداخلي للحياة العربية في أبسط صورها وأعقد تجلياتها. ويربط الناقد بين تطور الرواية العربية وتطور الوعي بها حيث يلح في هذا السياق على أن تطور الأشكال السردية العربية يرتهن إلى تمثل خاص للواقع وفهم منجز للإبداع وموقف خاص من القضايا المطروحة على الساحة العربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©