الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فريديريك معتوق: لدينا أفراد يطرحون ومضات

فريديريك معتوق: لدينا أفراد يطرحون ومضات
21 نوفمبر 2013 15:21
عميد معهد العلوم الاجتماعية في لبنان البروفيسور فريدريك معتوق مشغول بمشروع الحداثة العربية منذ سنوات عدة، وما فتئ يقاربه من اتجاهات مختلفة، حيث أصدر العديد من المؤلفات في هذا المجال. ولعل أبرز كتبه في هذا المجال “مدخل إلى سوسيولوجيا التراث” و”مرتكزات المارد الغربي” و”المارد الآسيوي يسيطر” الذي صدر عام 2013، وغيرها من الدراسات والأبحاث، التي تصب في نهر التنوير العربي. يرى معتوق أننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى، لمفكرين من أمثال طه حسين ينظرون إلى موائمة التقدم مع موروثات الماضي، لأن طه حسين لم يكن صاحب مشروع، وإنما كان صاحب كوكبة من الأفكار الجديدة والمستنيرة. وهو يجد أن هناك حطأ مستمراً في تكوين الشخصية العربية، لكن يمكن تجاوزه، خصوصا أنه عولج عند سوانا من المجتمعات النامية، التي كانت على هذا الصعيد وغيره متأخرة جداً، وطاقاتها معطلة، كالمجتمع السنغافوري. البرفيسور معتوق شارك في أربعينية طه حسين عميد الأدب العربي، التي أحيتها “مؤسسة سلطان بن علي العويس” على مدى يومين متتاليين في دبي مطلع الشهر الجاري، حيث التقاه “الاتحاد الثقافي” على هامش الندوة وكان هذا الحوار. ? لماذا استعادة أدب وفكر طه حسين في الوقت الراهن؟ ?? طه حسين علامة فارقة ليس في تاريخ الأدب فحسب، وإنما في تاريخ الثقافة العربية. فقد أدخل التحليل العقلاني على التحليل الأدبي بمعنى أن المنهج الذي كان معتمدا قبله هو “النقلي” الذي يكتفي بنقل وتكرار التجارب السابقة وتفسير التفسير، فتضيع عملية التفكير ولا يعود الأدب يعني شيئا على المستوى الفكري، ولذلك يبقى طه حسين قيمة ثابتة كالذهب. من ناحية ثانية نتمسك به لأنه قبل كل شيء مفكر تنويري وكأنه على تواصل مع ثوار الثورة الفرنسية ومع فلاسفة الأنوار في التجربة الأوروبية، فهو يدقق ويراجع الأفكار ويدحض ويسأل تماما كما كان يفعل فولتير. كما نحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى، لمفكرين من أمثاله ينظرون إلى مواءمة التقدم مع موروثات الماضي، لأن طه حسين لم يكن صاحب مشروع، وإنما كان صاحب كوكبة من الأفكار الجديدة والمستنيرة. قد نجد بعض التعارض فيما بينها، عندما كان يكتب على نحو أزهري ثم أضحى يكتب على نحو ديكارتي. ما حال دون تقديم مشروع متكامل للنهضة الثقافية العربية الشاملة. لكنه بالتأكيد قدم علامات مهمة تدل على هذا الطريق. ومع ذلك علينا أن نؤكد أن المشروع الحقيقي بأي مجال كان، ينبغي أن يقترن بعمل مؤسساتي، يحتضنه ويخرجه من العمل الفردي إلى العمل الجماعي. ليست هناك مشاريع فردية، فالمشاريع الحقيقية هي دوماً جماعية، ومشكلة الثقافة العربية أنها ما زالت تقريباً حيث كانت منذ قرون عديدة، تفتقد المشاريع الجماعية، كما تفتقد المؤسسات الحاضنة لهذه المشاريع. بهذا المعنى يصبح المطلوب من المفكر أو المثقف، أن يكون نابغة وأن يلمع ويسطع نجمه. وهذا حصل مرات عديدة في تاريخ الثقافة العربية مع ابن رشد وابن سينا والخوارزمي وثلة كبيرة من أرباب العلوم في الماضي وصولاً إلى طه حسين. لكن المشكلة تكمن في أن كل نابغة من هؤلاء، كان يستفرد بشكل ما من محيطه لألف سبب وسبب، فيتراجع دوره ويزول عمله. في المقابل إذا ذهبنا إلى الثقافة الغربية نجد أن كل نابغة من النوابغ انتمى مباشرة إلى مؤسسة احتضنته، لذلك عندما ذهب، لم يذهب علمه معه، لأن فريقاً في المؤسسة التي ينتمي إليها، تولى متابعة المسيرة. ومن هذه الأمثلة غاليله الذي عارض النظرية الدينية التقليدية حول مسألة دوران الشمس حول الأرض، مثبتا عكسها فقامت قيامة السلطات البابوية وحُبس وحُوكم وألزم بالتراجع عن ذلك تحت طائلة الحرم الكنسي. ما جعله يصمت حتى مماته. ولكن ما الذي حصل بعد ذلك؟ تسلمت الشعلة جامعة “بيزا” pisa وبدأ زملاؤه يدافعون عن نظريته، وسرعان ما تضامن معه أساتذة من جامعة باريس في العلوم الطبيعية، وأساتذة من جامعة بروكسل، وآخرون من من جامعة أوكسفورد، أي أن الرد أتى جماعياً، ونفذت النظرية ولو بذهاب صاحبها. وهذا ما يعيدنا إلى أن المشروع الفكري أو الثقافي يجب أن لا يكون فردياً، بل جماعي تحتضنه مؤسسة كبرى ما. أما نحن فأين المؤسسات الحاضنة؟ التنشئة الاجتماعية ? أين تكمن المشكلة، هل هناك عطب في الشخصية العربية؟ ?? أساس المشكلة على المستوى المعرفي هو في التنشئة الاجتماعية، التي يتأسس عليها الفرد في العالم العربي منذ نعومة أظفاره، بدءاً من المنزل، ومروراً بالمدرسة، حتى الجامعة، لأن هذه التنشئة الخاطئة تقوم على مستويين: أولاً: على الفردانية الأنانية والشغل والنبوغ لمصلحة الذات دونما اكتراث بالجماعة. ثانياً: عدم التعود على العمل الجماعي في التربية والتعليم والإنتاج الفكري والثقافي، بحيث ينشأ الفرد عموماً على الإيمان بقدراته هو فقط لا غير، لا الإيمان بالمجتمع كبنية متكاملة من الطاقات الخلاقة. وكثيرون هم الذين أشاروا إلى هذه المسألة، منهم الصحفي البريطاني برايان ويتيكر الذي أشار في كتابه “ما الخطأ الذي يحدث في الشرق الأوسط” الصادر بالإنجليزية عن دار الساقي،?WHAT’S GOING WRONG IN THE MIDDLE EAST إلى أن المعضلة الأساسية في العالم العربي المعاصر، تقع في نمط التربية والتنشئة الاجتماعية المعتمدة في المنازل والمدارس وحتى الجامعات. هناك دون أدنى شك خطأ في التكوين. وبما أن هذا الخطأ في التكوين دائم ومستمر قد يتراءى لنا أنه عطب، لكنه غير بنيوي، بمعنى أنه قابل للمعالجة. صحيح أنه لم يعالج حتى الآن بأي تجربة عربية جدية، ولكنه عولج عند سوانا من المجتمعات النامية، التي كانت على هذا الصعيد وغيره متأخرة جداً، وطاقاتها معطلة، كالمجتمع السنغافوري. فمجتمع هذه الجزيرة الصغيرة الذي يتوزع على ثلاث إثنيات هندية وصينية وماليزية، خرج من الاستعمار البريطاني فقيراً وشبه معدم نهاية الستينيات الماضية، ولكن الذين تسلموا القيادة السياسية في هذا البلد، والذين كانوا من المتنورين والمكونين في جامعات بريطانية بالأساس، وضعوا مشروعاً وطنياً وتمكنوا من تغيير التربية بنيوياً، فتوحدت الجزيرة في إطار المواطنة الكاملة، ولم تعد تجمعات إثنية واعتمدت اللغة الإنجليزية كلغة رسمية، ثم عمدوا إلى حل المشكلات السكانية والبطالة والفقر، بحيث بعد ثلاثة عقود من حكم الرئيس “لي كوان يو” وفريقه انتقلت هذه البلاد من العالم الثالث إلى العالم الأول، ليس على المستوى الاقتصادي فقط وإنما تربوياً وسكانياً واجتماعياً. دور الفلسفة ? نفتقر إلى فلاسفة من وزن ابن رشد، فهل العقل العربي الراهن غير مؤهل للإبداع الفلسفي، وأين يقع دور الفلسفة في المشروع التنويري؟ ?? بداية ليس هناك عقل عربي ككتلة موحدة، على مستوى النظرية، وإنما هناك تفكير فردي، أو أفراد يطرحون ومضات، أو شرارات دون أن يجمع فيما بينها مشروع حقيقي، سواء أكان هناك ابن رشد آخر أم لا، فالمشكلة ـ كما أظن ـ ليست مرهونة بظهور ابن رشد آخر، فابن رشد عينه ماذا حل به؟. أما بالنسبة إلى دور الفلسفة، فعند تحقيق أي مشروع حديث أو مستحدث نحن بحاجة إلى رؤية فلسفية، لكن الرؤية الفلسفية لوحدها لا تكفي، لأنها تتعثر على مستوى الحياة اليومية والعملية، أي في المجتمع. ولذلك نحن بحاجة إلى من ينقلها إلى مشروع جماعي مؤسساتي، ترعاه دولة مدنية يقودها رجال دولة حديثون، غير أن المشكلة الكبيرة في العالم العربي المعاصر، منذ طه حسين حتى اليوم، هي أن الدولة الحديثة بقيادة رجال الدولة لم تتحقق بعد. بل الأسوأ من هذا، أننا ما زلنا حتى الوقت الراهن، نعيش في ظل دول للمُلك كما يسميها ابن خلدون، ودولة المُلك هي دولة للعصبية، فليس ممكناً للمشاريع الثقافية أن تنبت وتعيش وتكبر في تربة العصبيات غير الصالحة أصلاً لإنبات سوى مكوناتها، وإعادة إنتاج نفسها إلى ما لا نهاية. ? أتعتقد أن العالم العربي ينخرط في الحداثة المعاصرة، وإلى أين يتجه؟ ?? لا مناص من عملية التحديث لكل الشعوب، وليس للعرب فقط ، فالحداثة شرط إنساني واقع لامحالة شئنا أم أبينا. لذلك نحن نستخدم المعطيات الحداثية على كل المستويات، ولكن المشكلة أننا لم نتمكن من محاكاتها، والإضافة إليها، بمعنى أننا لم نستطع إنتاج ما يشابهها أو ينافسها. ? قصدت مشروع الحداثة العربية كما توصفه، إلى أين يتجه؟ ?? إلى المزيد من العمل والإبداع على كل المستويات، وفي المقدمة بناء ما فشلنا في إنجازه في مطالع القرن العشرين، أي بناء الدولة الهيغلية الحديثة على النمط الغربي. هذا هو الأساس الصالح للحداثة الحقيقية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©